عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 26-08-2010, 05:43 PM
الصورة الرمزية م. محمد حمدي
م. محمد حمدي م. محمد حمدي غير متواجد حالياً
عضو مجتهد
 
تاريخ التسجيل: Mar 2009
العمر: 47
المشاركات: 114
معدل تقييم المستوى: 17
م. محمد حمدي is on a distinguished road
افتراضي


(4)
الدقّة حيث لا مجال للعبث:
الخلية الحيّة هي مصنع البروتينات الوحيد على سطح الأرض، حيث لم يستطيع العلماء حتى اليوم تصنيع أية مادة بروتينية في المعمل، وإن أراد العلماء الحصول على مادة بروتينية، فما عليهم سوى أن يطلبوا من الخلية أن تصنعها لهم باستخدام الهندسة الوراثية!
العجيب أنّ كلّ خلية في جسمك تتخصّص فقط في ترجمة جزء معيّن من هذه الشفرة الوراثية لتبني البروتينات اللازمة للعضو الذي توجد به.. هذا هو ما يجعل الكبد كبدا، والقلب قلبا والذراع ذراعا.. كلّ خلية تعرف ماذا تبني ومتى تبنيه.. الأسنان مثلا تنمو في عمر معيّن، وتتوقف عن النمو في عمر معين.. الشارب واللحية ينبتان للذكور في عمر معين.... وهكذا.
تصميم بديع ودقيق ولا مجال فيه لأيّ صدفة أو عشوائية.
تخيّل مثلا ماذا سيحدث لك، لو أنّ خلايا فمك قرّرت فجأة ترجمة الأحماض الهاضمة الموجودة في معدتك؟!
طبعا فمك غير مبطن بالأغشية الواقية التي تحميه ـ كما هو الحال في المعدة ـ وبالتالي سيبدو الأمر كأنك شربت مادة كاوية!
صدقت يا رب: "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها".. إنّ كلّ خلية في أجسادنا تؤدّي وظيفتها على أكمل وجه هي نعمة في حدّ ذاتها تستوجب الشكر والثناء.
بل إنّ تخيّل كيفية التناسق بين هذه الخلايا يصيب المرء بالذهول.. هناك عمليات معمارية لم يفهم العلماء كنهها حتى الآن، تجعل للأنف شكلا فراغيا مميزا.. وللأذن.. وللجمجمة.. ولكلّ جزء في جسم الإنسان.
سبحان الذي أبدع كلّ هذا التصميم المذهل، الذي يستحيل أن تنتجه صدفة بأي شكل من الأشكال.. يقول سبحانه في سورة الذاريات:
(وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {21})

مصانع عالية التقنية:
تعال نفكر معا في الإعجاز الكامن في بذرة أحد النباتات.. البذرة هي مادّة ميتة لا حياة فيها، يمكن تخزينها لفترات طويلة.. لكن بمجرّد وضعها في التربة والماء، تدبّ الحياة فيها بإذن الله، لتبدأ في ترجمة الشفرات المكتوبة فيها لتنفيذ برنامجها المعقد.. ورويدا، تبدأ في أخذ الموادّ الخام (الماء والغذاء والهواء) لبناء مصنع جبار اسمه النبات.. هذا المصنع يُنتج منتجات رائعة (الزهور والثمار).. وبداخل منتجاته هذه توجد البذور، التي ستعيد إنتاج المصانع والمنتجات!
بجوار هذا، نكتشف أنّ مصانع النباتات ـ على عكس مصانع البشر ـ تحافظ على البيئة بإنتاج الأكسجين واستغلال ثاني أكسيد الكربون، وهي التي أنتجت جميع المواد الكربوهيراتية والدهون النباتية والبروتين والخشب وعلف الماشية وكل المنتجات النباتية التي استغلها الحيوان والإنسان والكائنات الحية الدقيقة.. بخلاف أنّ هذه المصانع هي أوّل وأهمّ مصانع تثبيت الطاقة الشمسية على الأرض، وبفضلها تكوّن البترول والفحم في الأرض.
تخيّل أنّ كلّ هذا المصنع التقنيّ كان في بذرة واحدة تحمل منها في قبضة يدك المئات، وأحيانا الآلاف؟!
بل وتخيّل هذه النتيجة المدهشة: بما أنّ حضارة الغرب الحديثة قامت على الآلات، التي تعمل بالفحم والبترول، والكهرباء (الموَلّد معظمها بحرق الفحم والبترول)، فإنّ معنى هذا أنّ حضارة الغرب وكلّ ما يتفاخرون به من التقنية، حرّكته الشفرة الوراثية الموجودة في بذور النباتات!!
فسبحان من أبدع هذا التصميم الخارق.. وعجبا لغطرسة الغرب، الذي اتخذ العلم ذريعة للإلحاد ونفي وجود الله، مع أنّ حضارته كلها صنعتها بذرة!.. حقا، فما أجهلَهم وما أغفلهم:
(يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ {7} أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ {8}) الروم.
نفس هذا الأمر ينطبق على كلّ مولود جديد، حيث يتمّ بناؤه من البداية من اتحاد المعلومات الموجودة في حيوان منوي وبويضة، ليحصل على نفس بنية وسمات نوعه، ويمتلك القدرة على التكاثر وإعادة إنتاج الحياة.. ومن هذه الشفرة الوراثية تمّ بناء المخّ البشري، الذي اكتشف كلّ هذه العلوم وأبدع كلّ هذه التقنية!
ولعلنا نلاحظ ربط القرآن الكريم في كثير من آياته بين المطر وإحياء الأرض بعد موتها، وبين البعث وإعادة خلق البشر.. انظر مثلا لقوله سبحانه:
(فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {50}‏) الروم.
فالمحيّر فعلا، أن تعجّب الكفار أن يبعثوا مرّة أخرى بعد الموت، ولم يتعجّبوا من معجزة خروج شجرة للحياة من وسط بعض الأتربة الجرداء!.. الآن نكتشف أنّ التقنية واحدة فعلا: بذرة الشجرة لا تختلف كثيرا عن نطفة الإنسان، وما أسهل أن يعيد الله خلق الإنسان من خلية واحدة تحوي معلوماته الوراثية، مثلما يخرج الشجرة من بذرة في أرض ميتة.
***
إننا نصل دائما إلى نفس النتيجة: هناك نظم تشغيل بديعة لا مثيل لها مكتوبة في صورة شفرات برمجية فائقة الدقّة والكفاءة، هي المسئولة عن كلّ هذه الكائنات والمنتجات والآلات والحاسبات والعلوم والآداب والفنون!
فأيّ صدفة هذه التي يمكن أن تُوجد مثل هذا التصميم الدقيق، الذي يكفي أقلّ خطأ فيه لقتل الكائن أو تشويهه؟
وأيّ صدفة هذه التي صنعت المبدعين والعباقرة والعلماء بل وصنعت ما اكتشفوه من علوم حيوية وكيميائية؟!

فبأيّ حديث بعده يؤمنون؟
لو علمت أنّ عدد أنواع الأحياء على سطح الأرض يقدّر بنحو 4.5 مليون نوع، يحتاج كلّ نوع منها مرجعا مستقلا للحديث عن سماته وسلوكه والصفات المتفرّدة التي يمتاز بها، وعلاقته بالبيئة وطرق تكيّفه معها... إلخ.. أفلن توافقني على أنه من رابع (وخامس وسادس ... ومليون ومليار وما لا نهاية) المستحيلات أنّ يكون للصدفة أيّ دخل بهذا؟!
إن هناك مصمّما مبدعا، استخدم الكيمياء الحيويّة في كتابة 4.5 مليون نظام تشغيل بالغة التعقيد والتميّز، يتحكم كلّ منها في بناء أحد أنواع الكائنات الحيّة ويمنحه صفاته السلوكية وخصائصه المميّزة.. سبحانه وتعالى عمّا يصفون.
دعني أقل لك إنّ علماء الأرض لو اجتمعوا جميعا في صعيد واحد، ليكتبوا من عندهم شفرة وراثية تحرّك بعوضة ـ ولن أقول لك تصنع البعوضة ـ لما استطاعوا!
وهكذا نكتشف أنّ المعضلة ليست فقط في أن تتراص بعض المواد الكيميائيّة معا لتكوّن بعض المركبات الداخلة في جسم الكائن.. المعضلة الأكبر، هي أنّ هذه المركبات يجب أن تترتب بنظام معقّد لتكوّن (البرامج) الوراثية للكائن، التي تكفل لكلّ خلية في جسم الكائن أداء عملها بدقة (تخيّل الروعة في نظام تشغيل يحوى برامج خاصة بكلّ نوع من خلايا الجسم)، وتكفل للكائن أن يعرف أعداءه ويتكيّف مع بيئته (معلومات تشغيل أساسية للنظام)، ويميل الذكر منه إلى الأنثى حتى يمكن أن يتكاثرا لإعادة إنتاج أجيال جديدة (حتى الحب والشهوات مكتوبة على شفراتنا الوراثية)!
يقول (جورج وليامز) ـ وهو أحد كبار المدافعين عن نظرية التطور ـ في مقال كتبه عام 1995:
"لقد فشل البيولوجيون من مؤيدي التطور في إدراك أنهم يعملون من خلال نطاقين يمكن القول إنهما غير متكافئين: أولها خاص بالمعلومات، والثاني خاص بالمادة.. ذلك أن الجين هو حزمة من المعلومات وليس (شيئاً ما).. هذا الوصف النادر يجعل من المادة والمعلومات نطاقين مختلفين للوجود، ينبغي مناقشة كل منهما على حِدَة"
يقول سبحانه في القرآن الكريم:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ {53}) سورة فصّلت.
والآن دعني أسألك سؤالا:
ماذا سيكون رد فعلك لو زعم شخص ما يوما أن نظام الويندوز نشأ بالصدفة، نتيجة وجود برنامح عشوائي على حاسب بيل جيتس كان يلخبط الأرقام معا؟!!
يتبع بإذن الله>>>