رمضان في فرنسا
مسجد باريس في فرنسا
الإسلام هو الديانة الثانية في فرنسا، إذ يعيش هنالك أكثر من خمسة ملايين مسلم، ورمضان له صدى خاص فى نفوس المسلمين فى فرنسا، لأنه يذكرهم بدايةَ الفتح الإسلامي لهذه المنطقة من العالم، إذ دخل الإسلام لفرنسا فى وقت مبكر من تاريخ المسلمين .
ورغم ما يعانيه المسلمون فى فرنسا ومحاولة سعي فرنسا لصهر المسلمين فى المجتمع الفرنسي، وتذويب الشخصية الإسلامية، والتخفيف من مظاهر ارتباطهم بالعادات والتقاليد الإسلامية، يأبى المسلمون إلا المحافظة على عقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وينتظرون مواسم العبادات لتجديد أنفسهم والتحصين من محاولات تذويبهم .
وشهر رمضان له بهجة خاصة في أنفس المسلمين في فرنسا، وذلك لأنه الشهر الوحيد الذي يستطيع المسلمون فيه إبراز انتمائهم للإسلام بشكل واضح ميسور، وأن يظهروا للمجتمع الفرنسي الطابع الإسلامي .
ورمضان (كما هو معروف) محطة تزود بالوقود الإيماني للمسلمين الذين يكتوون بنار المجتمع الغربي، وكم من شاب تائه تعرَّف على دينه في رمضان ! وكم من عامل غافل رجع إلى ربه في رمضان ! فشارب الخمر يتوقف عن عصيانه، رهبة لهذا الشهر العظيم، والمرأة السافرة تلبس خمارها احترامًا لهذا الشهر الفضيل المبارك .
استقبال رمضان
ويتهيأ المسلمون في فرنسا لاستقبال هذا الشهر المبارك بصيام أيامٍ من رجب وشعبان، إحياء للسُّنة، وتحضيرًا للنفس لصوم رمضان، وتقوم الهيئات الإسلامية بواجب التوعية والإرشاد من خلال الخطب والنشرات والحصص الإذاعية التي تسمح بها الإذاعات العربية في فرنسا .
وينظم المسلمون حلقات القرآن والتدريس والوعظ في المساجد ليلاً ونهارًا يؤمها أبناء الجالية على اختلاف أعمارهم وثقافتهم، وهناك كثرة ساعات البث الديني من الإذاعات العربية المحلية، ومما يذكر أن (إذاعة الشرق) في باريس تبث صلاة التراويح يوميًّا من المسجد الحرام في النصف الثاني من الشهر فيحسّ المسلم بانتمائه إلى الأمة الأكبر والأوسع .
وتكثر في رمضان حفلات الإفطار الجماعي في المساجد والمراكز الإسلامية وبيوت سكن العمال وطلاب الجامعات، فتشعر (حقيقةً) بالانتماء إلى عائلة واحدة، لا فرق فيها بين عربي ولا أعجمي إلا بتقوى الله .
وتقوم الهيئات الإسلامية بواجب التوعية والإرشاد من خلال الخطب والنشرات والحصص الإذاعية التي تسمح بها الإذاعات العربية .
عقبات تواجه المسلمين
1. ابتداء الصوم والفطر :
تجتمع الهيئات الإسلامية في الليلة الأخيرة من شعبان في مسجد (باريس المركزي) لإعلان بدء الصوم كما تجتمع في آخر رمضان لإعلان هلال شوال والفطر، ولكن الأوضاع السياسية المعروفة تضغط على الجاليات الإسلامية وتدفع بالبعض إلى مخالفة الاتفاق، فإذا ما تمّ الالتزام ببدء الصوم، فقد يتم الاختلاف في تحديد يوم العيد، وترى أحيانًا في المسجد الواحد قومًا صائمين وآخرين مفطرين، وهو ما أدى إلى تشويه صورة المسلمين، وإظهارهم بمظهر المتفرقين في الدين والعبادة، وهو ما جعلهم محط سخرية وسائل الإعلام المغرضة !. وكانت الجالية الإسلامية في فرنسا إلى وقت قريب تشهد انقساما واختلافا في صيام أول أيام رمضان، حيث كانت كل جالية تعتمد في صيام شهر رمضان على البلد الذي جاءوا منه، فالجزائريون كانوا يصومون مع الجزائر، والأتراك يصومون مع بدء الصيام في بلدهم الأصلي، لكن لأول مرة هذا العام يتفق مسلمو فرنسا على توحيد اليوم الأول من رمضان من خلال مجلس يجمع كل مسلمي فرنسا، فمنذ (3) سنوات بدأ المسلمون في فرنسا ينسقون جهودهم من أجل توحيد اليوم الأول، وهو ما تم لهم بالفعل خلال السنتين الأخيرتين، لكن خصوصية هذا العام أن إعلان حلول رمضان سيكون من خلال مجلس موحد للمسلمين (المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية) .
2. مواقيت الصلاة :
وتكمن المشكلة الثانية في تحديد مواقيت الصلاة، ففي فرنسا توقيتان، الأول أعده (اتحاد التنظيمات الإسلامية)، بينما أعد الثاني (المعهد الإسلامي لمسجد باريس) . ولعل مردَّ ذلك إلى اعتماد (الاتحاد) تحديد وقت الفجر على أساس : (12) درجة بعد غروب الشمس، وهو الوقت المقابل لغياب الشفق الأحمر عند العشاء ، المقدر أيضًا بـ(12) درجة بعد غروب الشمس ، بينما اعتمد مسجد باريس (18) درجة ، وهو مقابل غياب الشفق الأبيض عند العشاء، ويؤدي هذا الاختلاف عمليًّا إلى دخول وقت الفجر حسب توقيت مسجد باريس قبل توقيت الاتحاد بربع الساعة، ويتأخر العشاء (حسب توقيت المسجد) نصف ساعة عن توقيت (الاتحاد)، ويقع كثير من المسلمين بسبب هذا الاختلاف في ارتباك فالفجر مرتبط بالإمساك، وصلاة التراويح مرتبطة بالعشاء .
ويرى كثير من المصلين أن توقيت الاتحاد أكثر ملاءمة من التوقيت الآخر وخاصة في فصل الصيف، حيث يحدد توقيت المسجد العشاء عند منتصف الليل تمامًا في منتصف يونيو، والفجر بالثالثة والنصف، ويؤيد علماء مقيمون في فرنسا توقيت (الاتحاد) على اعتبار أن الشفق الأبيض لا يغيب في فرنسا في فصل الصيف، والاعتماد على درجة
(12) في تحديد مواقيت الصلاة هو المعتمد عن (مالك) و (الشافعي) و (أحمد) وأحد قولي (أبو حنيفة) (رضي الله عنهم) وإلى الآن لم تنجح المحاولات الرامية إلى توحيد مواقيت الصلاة للجميع .
3. إجازة يوم العيد :يأمل المسلمون أن يأتي أول أيام العيد يوم عطلة رسمية كيوم الأحد، ليتمكنوا من إقامة الشعائر، وإشراك الأولاد بهجة العيد، بينما يضير ذلك بعض الأحزاب الفرنسية، فقد صادف العيد يومًا عطلة رسمية فزحف المسلمون بالآلاف إلى المساجد، التي اكتظت بجموعهم، فصلوا في الشوارع المحيطة بها، وهو ما دفع بعض الأحزاب العنصرية إلى دق ناقوس الخطر، ومطالبة الحكومة الفرنسية باتخاذ إجراءات تَحُول دون تقدم الإسلام واتساع مظاهر الانتماء إليه في فرنسا .
4. صورة مشوهة :
ويعاني المسلمون في كثير من الأحيان من جهل الفرنسين بحقيقة الصيام ونظرتهم إليه كنوع من أنواع تعذيب الجسد، أو الأعمال الشاقة التي يفرضها المسلم على نفسه، وإن كانوا يعلنون تقديرهم لهذا الجلَد والصبر عن الطعام والشراب والتدخين ومقاربة النساء، ومما يزيد في التجهيل ما تبثه بعض محطات التلفاز العربية والعالمية من برامج مخصصة لرمضان يسمونها (سهرات رمضانية)، تمتلئ بالرقص والتهريج، وهو ما يدفع الفرنسيين إلى الظن بأن المسلمين يصومون نهارًا، ويعذبون أنفسهم بالجوع والعطش، ليملئوا بطونهم ويُشبعوا شهواتهم ليلاً .
وتقوم بعض المطاعم العربية كذلك بتقديم برنامج خاص برمضان، يبدأ من المغرب إلى وقت الإمساك، يتخلله حفل رقص وغناء ماجن . وللأسف لا يوجد من يتصدى لهذه الحملات التي تسيء الإسلام والمسلمين وجوهر عبادة الصوم، قصد أصحابها أو جهلوا .