
30-08-2010, 07:43 PM
|
طالبة جامعية عضو مثالي لعام 2011
|
|
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 3,789
معدل تقييم المستوى: 20
|
|
الحلقة الرابعة
استيقظ شريف من نومه ونظر الى الساعة التي كانت تشير الى الخامسة مساءً، خرج من حجرته فلم يجد احد بالصالة لكنه رأى أن كلاً من حجرة أمه وأخته مضاءتان فقرر رؤية أمه اولاً، فتح باب الحجرة ليجد أمه أمامه تقرأ القرآن وما أن شعرت به حتى رفعت عيناه له لتمنحه ابتسامة تحمل كل حنان الام الكبير مع نظرة يشوبها بعض الحزن الدفئ، نظرة لم يكن من الصعب على شريف أن يراها حتى أنه قال في رأسه " ربنا يستر " قالت أمه:
- إدخل ولا عايز عزومة.
ابتسم شريف مقترباً منها ليجلس على الكرسي المقابل لها قائلاً:
- إزيك يا أمي عاملة إيه؟!
- الحمد لله ، بخير طول ما انت وأختك بخير.
أطرق شريف برأسه دون أن يعلق فقالت أمه:
- عامل إيه في دراستك؟!
رفع بصره إليها مجيباً:
- بخير .. الحمد لله.
حدقت أمه في وجهه قليلاً ثم قالت:
- ناوي تعيد السنة النهائية كمان.
- لا يا أمي مش هاعيد.
- سمعت الكلام ده كتير .... لكن عمره ما تحقق.
قال شريف في ضيق:
- هيتحقق المرة ديه إن شاء الله.
زادت نظرة الحزن في عين أمه التي أدارت رأسها لتنظر لصورة معلقة على الحائط لشخص يرتدي ثوب المحاماه قائلة:
- تعرف... أبوك لو كان عايش ما كنش هيعجبه إلي إنت فيه ده.
ظهر الحنق والغضب على وجه شريف الذي أدار وجهه بالاتجاه المضاد للصورة قائلاً:
- وهو مش عايش..... يعني مش عارف حاجه.
- تفتكر؟!!
أدار رأسه لأمه التي إمتلأت عيناها بالدموع مضيفة:
- تفتكر إن في أي أب أو أم ماتوا مش عارفين ولادهم بيعملوا إيه ، مش عارف إن لو إبن عمل ثواب كبير بيتحط في ميزان والده ويرفع درجته في الجنة وبيسأل " من اين هذا يا رب " فيعرف إنه بسبب ولده.... قدمت إيه لوالدك من ساعة ما مات؟!
إنتفض شريف واقفاً قائلاً بصوتٍ مكتوم:
- وهو قدم لي إيه؟!!
إتسعت عينا أمه فقالت:
- قدملك كل حاجه... العلم ... الثقة... الدين... قدمك الحياة.
ابتسم شريف في سخرية قائلاً:
- وخدهم معاه .... لما سبني من غير حتى ما يودعني.
- شريف أرجوك كفاية لحد إمتى هتفضل تلوم والدك على شيء مالوش يد فيه؟! إنت كبرت وأكيد فاهم أبوك مات في حادثة يعني عمره إنتهى لحد كده، كفاية ضياع بقى ... انا مش عارفة إنت بتنتقم من مين؟!! من أبوك ولا من نفسك؟!! أبوك كانت احلامه ليك كتيرة قوي ..كان نفسه يعلمك كل حاجه... وعلمك كتير لكن ماعرفش إيه إلي جرى لك... ده حتى لما دخلت الحقوق إلي والدك كان نفسه تدخلها علشان تطلع زيه إتصورت إنك فقت لنفسك لكن للأسف ماحصلش.
كان شريف يتطلع إليها وقد حل الحزن العميق محل غضبه لكن لم يقل شيء فصاحت امه:
- إنطق انا بكلمك...
أغلق شريف عينيه قائلاً:
- عايزاني أقول إيه.... أنا كنت على أول الطريق .... وهو كان مرشدي الوحيد في طريق مليان مفارق ومطبات وفجأه إختفى بدون سابق إنذار كان طبيعي إني أقع.... وأتوه ... وانسى ، انا فكرت الف مرة انتحر بعد ما مات لكن جبني منعني فماكنش قدامي غير إني أعيش لحد ما موت لوحدي ...واهي أيام بقضيها.... إستسلمت زي ما هو إستسلم للموت بدون مقاومة.
- استعفر الله العظيم... إيه إلي انت بتقوله ده.... يا ابني هو عمره كده.
- وانا كمان عمري كده .
وقبل أن تقول أمه المزيد اسرع خارج الحجرة ليغلق الباب خلفه تاركاً امه يعتصرها الحزن والالم على إبنها الوحيد، وقف أمام حجرة أخته الوحيده شيرين محاولا التماسك فها هو حوار جديد مع أمه ينتهي نفس النهاية
وقبل أن يمد يده على مقبض الباب وجده يفتح وسمع صوت أخته:
- آه... إيه يا ابني انت خضتني.... واقف على الباب كده ليه؟ فزعتني.
لوح شريف بيده قائلاً:
- خلاص.... شفتي عفريت.... انتي كنتي رايحة فين؟!
- أبداً رايحة أعمل شاي... زهقت من المذاكرة وقلت أخد راحه.
- حلو قوي خليهم إتنين وهستناكي في أوضتك.
- ماشي بس ماتلعبش في حاجه.
- جرى إيه!!! هو مين الصغير هنا؟!!. يالا إمشي.
إتجهت للمطبخ بينما دخل حجرتها وجلس على مكتبها الذي إمتلأ بالكتب الاجنبية حيث تدرس شيرين في السنة الثانية بكلية الالسن فمد يده يتصفح بعض الكتب فسقطت ورقة مطويه من إحدى الكتب رفعها دون إكتراث وأراد أن يعيدها فى الكتاب إلا إن فضوله دفعه ليفتح الورقة وما أن سقطت عيناه على أول كلمتين بها حتى إشتعل جسده كله غضباً وهب واقفاً " من المحب .... العاشق "... كان خطاب غرامي مليء بمصطلحات الغزل الصريحة بل وبه من الكلمات ما يثير الغرائز، أخذ صدره يعلو ويهبط غير مصدق ما يقرأه ولم يفق إلا على صوت تحطم زجاج فرفع رأسه بسرعة وقد إحمرت عيناه تماماً فرأى أخته شيرين وقد أسقطت أكواب الشاي متطلعه إليه في فزع، إعتصر الخطاب في قبضته واتجه إليها ببطء وقد بلغ غضبه مداه ، أسرعت شيرين لأحد أركان الغرفة ملتصقة بالحائط وهي تلوح بذراعها قائلة في هيستريا:
- مش بتاعي ... صدقني مش بتاعي، ده بتاع واحدة صحبتي مانعرفش جالها منين .... بس .. بس هي طلبت مني إني أشيله معايا علشان والدتها بتفتش في حاجاتها دايماً...وهي بس كانت عايزة تعرف مين إلي بعت الجواب .. صدقني يا شريف .. مش بتاعي ... مش بتاعي.
اقترب شريف منها كثيراً وما أن رفع يده لينهال على وجهها بصفعة حتى سمع صوت أمه التي أتى بها صوت الزجاج المحطم تصرخ:
- شريف... انت هتعمل إيه؟!!
التفت شريف إليها ليجدها تقف على باب الحجرة تنظر له في ذهول بينما إنهارت شيرين وألقت بنفسها ارضاً مرددة:
- مش بتاعي ... مش بتاعي.
نظر شريف إليها وألقى عليها الخطاب واتجه للخارج في سرعة دون حتى أن يلبي ندءات أمه له، خرج شريف من المنزل غير مصدق ما حدث، سار في الشوارع بدون هدف، وسرعان ما أخذته قدماه إلى المكان الذي دائما يحب الذهاب إليه إلى ضفة النيل. وقف مستنداً على السور متطلعاً إلى النيل وقد إختفى لونه الازرق بأختفاء ضوء النهار وأكتسى بلون الليل الاسود ورغم برودة الجو في هذا الوقت من الشتاء وعدم وجود كثيرين في المكان ظل شريف واقف:
" أختي شيرين مش ممكن..... إزاي .... مستحيل "
كان يحدق في صفحة النيل غير مصدق، وبينما هو كذلك رأى أمامه صورة تتكون على مياه النيل إتضحت له رويداً رويداً فقال في ذهول وكأنها صورة حقيقية أمامه:
- بابا.... مش ممكن.
كان وجه ابيه حزين وغاضب وهنا سمع صوت والده وكأنه يخرج من داخله:
- ليه كده يا شريف.... ليه بتعمل كده.... ليه بتأذي نفسك والي حواليك؟
امتلأت عينا شريف بالدموع قائلاً:
- ليه انت سبتني وانا في أمس الحاجه ليك ؟
- انا سبتك بدون إختيار .... انا سبتك ومعك نصف كتاب الله... وكنت فاكر إن ده كفاية لكن الظاهر كنت غلطان.
- كنت مستنيك علشان نروح المسابقة وأسمع ال15 جزء، لكن انت ماجيتش.
- كان لازم تروح لوحدك ولو حتى بعد فترة ....مش تسيب كل حاجه وكأنك بتعاقبني.
- أعقبك!!!! أنا ماعرفش انا كنت بعاقب مين المهم إني كنت غاضب بشدة.
- وإيه النتيجة ضيعت أختك.
هز شريف رأسه قائلاً:
- لأ يا بابا لأ.... أنا ماضيعتهاش انا ما عملتش فيها حاجه، انا كنت مذهول.
- ليه نسيت أمة الرحمن.
دهش شريف وشعر كأنه يسمع هذا الاسم لأول مرة فأضاف والده:
- كما تدين ..تدان، والله يمهل ولا يهمل..... الله يمهل ولا يهمل.
ظلت الكلمات تتردد في رأس شريف فانفجرت الدموع من عينيه فدفن وجهه في كفيه واضعاً إياه على السورمنخرطاً في البكاء إلى أن تناهى إلى أذنه صوت أذان العشاء هدأ بعض الشيء رافعاً رأسه ناحية الصوت فرأى المسجد الذي إعتاد أن يصلي فيه مع و الده وأصدقاء طفولته وكم مر من الزمان لم يأتي فيه إلى هذا المكان وكم شعر برغبة قوية بالدخول إليه وبالفعل إتجه إليه ليصلي وما أن وقف بين المصلين وبدأ الأمام في قرأت سورة البروج ووصل إلى الآيه " إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ " بدأ يتذكر كل الافعال التي فتن فيها مؤمنين ومؤمنات وتذكر أمة الرحمن وبكى ...بكى بكاءاً شديداً لم يبكي مثله من قبل وشعر بشيءٍ يتغير في قلبه..... شيئاً طيب.
خرج شريف بعد إنتهاء الصلاة وقد إحمرت عيناه تماماً من البكاء إرتدا حذائه وقبل أن يبتعد أوقفته يد وضعت على كتفه وصوت رصين قائل:
- حمد لله على السلامة يا شريف .
التفت شريف ليسقط نظره على شاب ذو ملامح هادئة ملأت وجهه ابتسامة رائعة، ظل شريف يحدق في وجهه قليلاً فقال الشاب:
- نسيتني يا شريف.
ظهرت ملامح السعادة على وجه شريف وهو يقول:
- شهيد.... شهيد.
احتضنه شهيد قائلاً:
- الحمد لله كنت فاكرك نسيتني.
- مستحيل يا صاحبي.
سارا معاً واتجها لضفة النيل فقال شهيد:
- فاكر زمان كنا بعد ما بنخلص صلاة نيجي نقف هنا.... بس ده كان زمان..... زمان قوي..من سنين.
ابتسم شريف في حزن دون أن يضيف شيئاً نظر شهيد له قائلاً:
- الحمد لله إنك ماتأخرتش أكتر من كده.
- تفتكر ربنا هيقبل توبتي.
قال شهيد في خفوت:
- إن شاء الله هو قال إنه قابل التوب.... وهل يوجد أصدق من الله قيلا.
- بس أنا ظلمت وعلشان ربنا يقبل توبتي لازم أرد الحق لصحابه.
- لو تقدر ترد المظلمه ردها ولو ما ينفعش أطلب العفو منهم وإذا عفوا... الله سيعفو عنك. ومتنساش تصلي ركعتين توبة وتؤكد النيه.
صمت شريف قليلاً ثم قال دون أن ينظر لصديقه:
- وانت مش هتصلي ركعتين توبه؟!
نظر له شهيد مندهشاً:
- أنا!!! هو طبعاً لازم نجدد التوبة دايماً.... بس انت شايف حاجه معينه لازم أتوب منها.
- أيوة....... ظلمك ليا.
عقد شهيد حاجبيه مفكراً لثواني ثم قال:
- انا ظلمتك يا شريف!!
صمت شريف لثواني ثم قال في صوتٍ مختنقاٍ:
- ايوة ظلمتني ...
لما تسبني أضيع وتقف تتفرج عليا من غير ما تساعدني تبقى ظلمتني........
لما تشفني في بحر ذنوب وانت واقف على أرض الطاعة وتسيبني أغرق تبقى ظلمتني........
لما تقف تتفرج عليا وانا ببعد وما تحولش توصلي علشان تنصحني تبقى ظلمتني.........
صمت شريف عن المتابعة وقد عادت الدموع تملأ عيناه ثم أضاف:
- نسيت النشيد الي كنا بنردده...... فاكر أخر بيت فيه......
" سلامُ على الدنيا إذا لم يكن فيها...... صديقُ صدوقُ صادق الوعد منصفا "
وانت ماكنتش منصف معايا وسبتني..... إتنازلت عني...
ثم نظر لشهيد الذي إرتسم على وجهه كل مشاعر الحزن والألم مما أشعر شريف بالذنب فقال:
- سامحني يا شهيد مش قاصدي.... أنا بس كنت حاسس بالكلام ده فقلته.
نظر إليه شهيد قائلا في حزن:
- لا يا صاحبي .. انت عندك حق ... عندك حق.... سامحني.
ابتسم شريف قائلاً:
- خلاص يا سيدي هسمحك بس بشرط.
- أشرط يا سيدي برحتك... انا تحت امرك.
- تعدي عليا زي زمان ونروح نصلي الفجر سوا.
ضحك شهيد:
- ياه ده أحلى شرط سمعته في حياتى... موافق طبعاً.
احتضنا بعض ولأول مرة يشعر شريف بهذا الاحساس الذي إفتقده منذ زمن ..... الأمان.
يتبع
|