عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 31-08-2010, 08:03 AM
الصورة الرمزية أزهار الخريف
أزهار الخريف أزهار الخريف غير متواجد حالياً
عضو متواصل
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 1,054
معدل تقييم المستوى: 17
أزهار الخريف is on a distinguished road
افتراضي

الحلقة الثانية: مفاجأة "قَدَر" لا زلت أظنّها خيالاً !!


كتبها/ محمد المنيراوي




تمام العاشرة مساءً من أول أيام الحرب ساد الأجواء قليل من الهدوء غير الآمن بالنسبة لنا، ولكن سرعان ما قطعه صوت الطائرات الإسرائيلية التي شَرعت في قصف مكان الكمين الذي مكثت به لإنجاز مهمتي الجهادية المتمثلة في تفجير نفسي في قوات المشاة في حين تمكّني منها أو اقترابها مني، ومن ثم تباغتهم عناصرنا المنتشرة في الكمائن المعدة على طول المنطقة.


بعد دقائق عصيبة بدأت أرتال الآليات بالتقدّم تجاهي أنا واثنين من المجاهدين حيث اتخذنا من أحد منازل المهجورةمكاناً للكمين الذي أعدناه، فأحالت تلك الآليات الدنيا جحيماً فلم نستطع رؤية ما يحدث، إلا أننا بقينا متأهبين
لصد أي هجوم على المنطقة..حينها كنت مجهزاً بـ"حزام ناسف" إضافة إلى سلاحي المجهز بكل ما أريد من رصاص وقنابل وذخيرة.

بقى ثلاثتنا ثابتين في مكان الكمين الذي أصبح شبه محاصر، ومرت لحظات والوضع يزداد سوءاً، ولكننا تسلحنا بالتضرع لله والتسبيح، لكي يفك كربنا وينصرنا على أعدائنا، تقدّمت الآليات، وبدأت الاشتباكات بيننا،
وكانت تزداد ضراوة مقابل ثباتنا وحماسنا في المواجهة، واشتدت الضربات الجوية التي شنت بشكل عشوائي أيضاً، لكننا الاستشهاديين الذين عشقوا وترقّبوا تلك اللحظات، سعياً نحو الشهادة.

ومضت ساعات إلا أن الأجواء لا تزال مضطربة وقاسية..وعند الساعة الثانية فجراً ًرصدت القوات الإسرائيلية المتسللة حركة رفيقيّ المجاهدين وهما يغادران المنزل المهجور –مكان الكمين-، فسارعت إلى تجهيز نفسي للعملية
التي انتظرتها بلهفة، وبقيت بمفردي ينتابني شعور بين الخوف والرجاء، وتزايدت ضرباتهم للمنزل..وأخيراً أعطى الجنود المهزومون الضوء الأخضر لطائرات الـ f16 بقصف المنزل لتحيله إلى ركاماً،
ومع الضربة الأولى نطقت الشهادتان، وظننت أن لقاء ربي قد اقترب، وتوالت الضربات فلم يبق حجر فوق حجر في المنزل!.

قوات الاحتلال تخلصت من المنزل بكامله وممن فيه من بشر، لكنها لم تتخلص من العناية الإلهية التي كانت تحرسنا في كل أوقاتنا.. حتى خرجت من تحت الركام المهول بعد طول إغماء وفقدان لوعيي..حينها حرّكتُ يداي فتحركت،
ثم رأسي فتحرك، وكانت تلك اللحظات عبارة عن وهم وخيال لا زال في مخيّلتي، وصرت أتساءل هل أنا موجود من قَبل وأشارك في معركة حقيقية أم أنها أحلام سعيدة في منامي؟.

بمجرد أن فقت من الموقف الذي كنت به سارعت إلى السجود شكراً لله الذي حفّني برعايته، ولكنني حتى اللحظة لم أتفقّد جسدي إن كنت مصاباً كوني خرجت من بين ركام وحطام هائلين، إلا أنني فوجئت بأنني سليم ولم أصَب بأذى أو مكروه..
كانت تلك اللحظات من أصعب ما واجهت في حياتي، خصوصاً حينما نظرت إلى المنزل من حولي فلم أجد له أي أثر، فشعرت وكأن قلبي انخلع من مكانه، وأحسست بالإعياء والخوف الشديدين وأنا مازلت طريح الأرض
لم أستطع الوقوف على قدميّ.

جلست وأنا لم أصدق ما حدث، فأخرجت التمر والماء من جعبتي، وهو طعامنا الدائم وقتها، فأكلت خمس تمرات وشربت قليل من الماء ثم دعوت الله أن يثبتني في تلك المحنة وأن يوفقني في مهمتي التي صممت على تنفيذها.

مضى وقت قليل حتى بدأت أسمع تحركات واسعة ومخيفة للآليات تتخطى المنزل وتدخل إلى المنطقة، فكانت الفرصة تحوم حولي لإتمام مهمتي بتفجير نفسي فلم يكن بإمكاني المكوث أكثر من ذلك، حتى خرجت من مكاني قيبل أذان الفجر
وبزوغ النهار ونظرت إلى ما حولي، ففوجئت بآلية إسرائيلية تقف على بعد سبعة أمتار من نقطة تمركزي، وفكرت قليلاً..ولكنها ليست الهدف..فالهدف معروف وهو "الجنود المشاة" الخارجين من آلياته.

مكثت في مكاني أنتظر الفرصة السانحة، لكن مع أذان الفجر وتحت ضربات المجاهدين تراجعت القوات الغازية إلى الوراء وأنا مازلت أشعر بفوضى عارمة داخل جسدي ولم أستطع التركيز، حتى تمكنت بعدها بالانسحاب إلى منطقة
الانطلاق ورؤية إخواني المجاهدين اللذان رافقاني من جديد، فتبسّمت لهم، واتخذنا من لغة العيون وسيلة للتحدث إلى بعضنا وأقسمنا من خلالها أن نكمل الطريق.

__________________
أنا لا انكر أن البغى فى الدنيا ظهر
والضمير الحى فى دوامة العصر انصهر
أنا لا انكر أن الوهم فى عالمنا المسكون بالوهم انتشر
ولكن نصر الله ات , وعدو الله لن يلقى من الله سند
لن ينال المعتدى ما يبتغى فى القدس....
ما دام لنا فيها ولد