تفسير سورة التحريم
{1} يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
سُورَة التَّحْرِيم [ مَدَنِيَّة وَآيَاتهَا اثْنَتَا عَشْرَة آيَة ]
"يَا أَيّهَا النَّبِيّ لِمَ تُحَرِّم مَا أَحَلَّ اللَّه لَك" مِنْ أَمَتك مَارِيَة الْقِبْطِيَّة لَمَّا وَاقَعَهَا فِي بَيْت حَفْصَة وَكَانَتْ غَائِبَة فَجَاءَتْ وَشَقَّ عَلَيْهَا كَوْن ذَلِكَ فِي بَيْتهَا وَعَلَى فِرَاشهَا حَيْثُ قُلْت : هِيَ حَرَام عَلَيَّ "تَبْتَغِي" بِتَحْرِيمِهَا "مَرْضَاة أَزْوَاجك" أَيْ رِضَاهُنَّ "وَاَللَّه غَفُور رَحِيم" غَفَرَ لَك هَذَا التَّحْرِيم
{2} قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ
"قَدْ فَرَضَ اللَّه" شَرَعَ "لَكُمْ تَحِلَّة أَيْمَانكُمْ" تَحْلِيلهَا بِالْكَفَّارَةِ الْمَذْكُورَة فِي سُورَة "الْمَائِدَة" وَمِنْ الْأَيْمَان تَحْرِيم الْأَمَة وَهَلْ كَفَّرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ مُقَاتِل : أَعْتَقَ رَقَبَة فِي تَحْرِيم مَارِيَة وَقَالَ الْحَسَن : لَمْ يُكَفِّر لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَغْفُور لَهُ "وَاَللَّه مَوْلَاكُمْ" نَاصِركُمْ
{3} وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
"وَ" اذْكُرْ "إذْ أَسَرَّ النَّبِيّ إلَى بَعْض أَزْوَاجه" هِيَ حَفْصَة "حَدِيثًا" هُوَ تَحْرِيم مَارِيَة وَقَالَ لَهَا لَا تُفْشِيه "فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ" عَائِشَة ظَنًّا مِنْهَا أَنْ لَا حَرَج فِي ذَلِكَ "وَأَظْهَرَهُ اللَّه" أَطْلَعَهُ "عَلَيْهِ" عَلَى الْمُنَبَّأ بِهِ "عَرَّفَ بَعْضه" لِحَفْصَةَ "وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْض" تَكَرُّمًا مِنْهُ "فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير" أَيْ اللَّه
{4} إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ
"إنْ تَتُوبَا" أَيْ حَفْصَة وَعَائِشَة "إلَى اللَّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبكُمَا" مَالَتْ إلَى تَحْرِيم مَارِيَة أَيْ سَرَّكُمَا ذَلِكَ مَعَ كَرَاهَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ وَذَلِكَ ذَنْب وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف أَيْ تَقَبُّلًا وَأَطْلَقَ قُلُوب عَلَى قَلْبَيْنِ وَلَمْ يُعَبِّر بِهِ لِاسْتِثْقَالِ الْجَمْع بَيْن تَثْنِيَتَيْنِ فِيمَا هُوَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَة "وَإِنْ تَظَاهَرَا" بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِي الظَّاء وَفِي قِرَاءَة بِدُونِهَا تَتَعَاوَنَا "عَلَيْهِ" أَيْ النَّبِيّ فِيمَا يَكْرَههُ "فَإِنَّ اللَّه هُوَ" فَصْل "مَوْلَاهُ" نَاصِره "وَجِبْرِيل وَصَالِح الْمُؤْمِنِينَ" أَبُو بَكْر وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا مَعْطُوف عَلَى مَحَلّ اسْم إنْ فَيَكُونُونَ نَاصِرِيهِ "وَالْمَلَائِكَة بَعْد ذَلِكَ" بَعْد نَصْر اللَّه وَالْمَذْكُورِينَ "ظَهِير" ظُهَرَاء أَعْوَان لَهُ فِي نَصْره عَلَيْكُمَا
{5} عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا
"عَسَى رَبّه إنْ طَلَّقَكُنَّ" أَيْ طَلَّقَ النَّبِيّ أَزْوَاجه "أَنْ يُبَدِّلهُ" بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف "أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ" خَبَر عَسَى وَالْجُمْلَة جَوَاب الشَّرْط وَلَمْ يَقَع التَّبْدِيل لِعَدَمِ وُقُوع الشَّرْط "مُسْلِمَات" مُقِرَّات بِالْإِسْلَامِ "مُؤْمِنَات" مُخْلِصَات "قَانِتَات" مُطِيعَات "تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات" صَائِمَات أَوْ مُهَاجِرَات
{6} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسكُمْ وَأَهْلِيكُمْ" بِالْحَمْلِ عَلَى طَاعَة اللَّه "نَارًا وَقُودهَا النَّاس" الْكُفَّار "وَالْحِجَارَة" كَأَصْنَامِهِمْ مِنْهَا يَعْنِي أَنَّهَا مُفْرِطَة الْحَرَارَة تَتَّقِد بِمَا ذُكِرَ لَا كَنَارِ الدُّنْيَا تَتَّقِد بِالْحَطَبِ وَنَحْوه "عَلَيْهَا مَلَائِكَة" خَزَنَتهَا عُدَّتهمْ تِسْعَة عَشَر كَمَا سَيَأْتِي فِي "الْمُدَّثِّر" "غِلَاظ" مِنْ غِلَظ الْقَلْب "شِدَاد" فِي الْبَطْش "لَا يَعْصُونَ اللَّه مَا أَمَرَهُمْ" بَدَل مِنْ الْجَلَالَة أَيْ لَا يَعْصُونَ أَمْر اللَّه "وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" تَأْكِيد وَالْآيَة تَخْوِيف لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ الِارْتِدَاد وَلِلْمُنَافِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ دُون قُلُوبهمْ
{7} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
"يَا أَيّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْم" يُقَال لَهُمْ ذَلِكَ عِنْد دُخُولهمْ النَّار أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعكُمْ "إنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ" أَيْ جَزَاءَهُ