3.طفلتان بقلب واحد و فرصة واحدة.
رسم الدكتور ستيفن فيشمان توأم سيامي علي لوحة في غرفة الإجتماعات بمستشفى بوسطن وربطهما عند الصدر و رسم بداخلهما قلب واحد يمتد فيهما.
نظر دكتور فيشمان إلى أبوي التوأم رامون و ساندرا سوتو ثم قال,"بعد ولادة التوأم يجب فصلهما فوراً و إلا ماتتا من أول يوم.و إذا فصلناهما فمن المستحيل أن تعيش كلتاهما".ترجم موظف بالمستشفي كلمات الطبيب للأسبانية ليفهمها الأبوان. أدرك الطبيب مدي الحب الذي يشعر به الأبوان لطفلتيهما.و تساءل إن كان بإمكانه إنقاذ إحداهن.
رامون و ساندرا من بورتريكو في أمريكا الجنوبية و عندما حملت ساندرا عام 1998 ذهبت للكشف الدوري في المستشفى و عندها أظهرت الموجات فوق الصوتية أن الطفلتين ملتصقتان من الصدر و البطن (و هذا ما يطلق عليه توأم سيامي) و لأن القلب مشترك بينهما فقد توقع الطبيب موت الطفلتين و عرض عليها الإجهاض. رفضت الأم و قررت انقاذ الجنين.
كان رامون قد رأى برنامج بالتلفزيون عن طفل من بورتريكو تم إنقاذه في مستشفي الأطفال في بوسطن , و لم تكن لديه أي معلومات عن المستشفى و لكنه قرر الإتصال علي أي حال. و لأن حظه طيب فإنه قد اتصل بمستشفى له خبرة بالتوائم المتصلة. عندما انصت دكتور فيشمان لقصة رامون أدرك أن الطبيب الأول لم يخطئ لأنه عندما يتشارك توأمان قلب واحد عادة ما يكون القلب مشوه بشكل قاتل. و لكنه لم يحب أن يحرمهما من الأمل لذلك فإنه أخبرهما أنه يرغب في تقييم الوضع و مساعدتهما.
وجهت طبيبة القلب ماري دير فيلد عصا الموجات الصوتية إلى بطن ساندرا و أخذت تدرس الصور الرمادية و البيضاء و السوداء التي ظهرت علي شاشة الفيديو. بدا القلب طبيعياً.
و بمتابعة الفحص أدركت الطبيبة أن أحد الطفلتين لا يصلها الدم مباشرة من القلب. كيف يصلها الدم إذاً؟ تابعت ماري عرض أشرطة الفيديو تباعاً حتي أدركت المشكلة بوضوح. في اليوم التالي ذهبت لترى فيشمان, قالت ماري,"الدم يسري من الطفلة ذات القلب إلي الأخري عبر شرايين في الحبل السري ثم يعود إلى الأولي عبر وريد في الكبد المشترك بينهما." اندهش فيشمان و قال,"لم أسمع بهذا الأمر من قبل." قالت ماري,"و لا أنا, لا يوجد حالة سابقة مماثلة لهما."
عندها قال فيشمان,"إذا يتعين فصلهما عند الولادة حالاً. لأن الحبل السري سيتم شبكه و قطعه فور الولادة و ذلك سيقطع الدم عن التوأم التي بلا قلب, فتموت في دقائق, و إذا لم يسرع فيشمان فإن السموم و حمض اللاكتيك من الطفلة الميتة سيقتل الطفلة الأخرى.
أحضر الطبيب الأبوين إلى غرفة الإجتماعات و رسم لهما الصورة و أخبرهما بأن أحد التوأمين ستموت و أنه لا يقدر أن يعد بأن الأخرى ستعيش. و عندها قال الأبوين," نحن نثق بك و نعطيك الإذن بأن تفصل التوأم."
تتكلف العملية بضع مئات ألوف الدولارات, و لا يملك آل سوتو إلا القليل من المال و ليس لديهما تأمين صحي كي يغطي التكاليف. تنازل دكتور فيشمان عن أجره كما تنازل المستشفى عن أجره. المال أمر مهم و لكنه لم يكن العقبة الوحيدة أمام العملية. عادة ما يدرس الأطباء تشريح التوأم المتصل لمدة أسابيع أو حتي شهور قبل عملية الفصل و هذا غير ممكن إذ يجب إجراء الجراحة فور الولادة. لرسم خريطة جراحية أخذ طبيب الولادة و طبيب الأشعة العديد من صور الأشعة المقطعية ثلاثية الأبعاد و التي صمّم علي أساسها فيشمان الخطة الجراحية مع فريق مختار من الجراحين. و لكنه كان يخشى أن يكون هناك وعاء دموي رئيسي لم تصوره الأشعة. "ماذا لو قابلنا شيئا لم نكن نتوقعه؟"
حدث بالفعل أمر غير متوقع, قبل موعد الولادة بإسبوع, شعرت ساندرا بصداع شديد و ألم في بطنها و عندما وصلت المستشفى كان ضغطها مرتفعاً بالإضافة لوجود الكثير من البروتين في بولها و هي علامات مرض خطير يهدد حياتها و لذلك تعين توليدها في الحال.
اتصلت طبيبة التوليد ديانا بفيشمان و أخبرته بذلك فأخبرها أنه من المستحيل أن يتم توليدها إلا إذا كانوا علي استعداد لفصل التوأم و إلا ماتتا في الحال. و لكن ديانا أصرت إذ أن حياة الأم في خطر. أخذ فيشمان يفكر, الساعة السابعة صباحاً في عطلة نهاية الإسبوع, كم من فريقه الجراحي موجود خارج المدينة؟ في المساء سيقام حفل زفاف أخت زوجته قال فيشمان لزوجته ," أنا آسف." فقالت," لا يهم, اهتم بأمر الطفلتين."
لحسن الحظ, استجاب معظم الطاقم الجراحي للإتصال بالتليفون و تواجد الجراحون في المستشفى الساعة الثامنة و النصف حيث انتظروا في حجرة العمليات 22 بينما تواجد فيشمان في حجرة الولادة في الشارع المقابل في مستشفي النساء.
تمت الولادة بيسر و عندما أخرجت طبيبة التوليد الطفلتين فإن كلتاهما كانت تبدو بلون وردي و بدأتا في الصراخ بشكل طبيعي. أثار المنظر إعجاب فيشمان, الطفلتان متقابلتان وجهاً لوجه و قد التف ذراع كل منهما حول أختها.
تم نقل الطفلتين بسرعة إلى مستشفى بوسطن عبر جسر للمشاة حيث بدأت إحداهما تبرد و لونها يغمق دليلاً علي أنها تموت. بدأ فيشمان العمل بفصل الصدر و القلب ثم قسم الكبد المشترك بينهما ثم بدأ في خياطة الأوعية الدموية المقطوعة, كان عملاً مرهقاً و بطيئأً ثم أغلق الصدر بغرز خارجية و أنهى العملية و كانت الساعة الرابعة لذلك بوسعه أن يلحق بحفل الزفاف.
اتصل فيشمان بساندرا ليخبرها أن العملية سارت علي ما يرام. ثم خرج إلى الأب ليخبره بأن ابنته في حالة حرجة و لكنها ثابتة. مرت الطفلة من العملية بسلام و هي الآن في الثانية من عمرها و لا تعاني من أي مشاكل صحية.
|