حسن كامل الصباح
العالم اللبناني "حسن كامل الصباح" (1894-1935) الذي قدم للبشرية حوالي 176 اختراعاً رغم عمره القصير 41 عامًا،بالإضافة إلى العديد من النظريات الرياضية في مجال الهندسة الكهربائية حتى أطلقتعليه الصحف الأمريكية لقب خليفة أديسون أو "أديسون الشرق"، وكان العربي الوحيد الذيمنحه معهد المهندسين الكهربائيين الأمريكيين لقب فتى العلم الكهربائي.
بيت علم:
ولد الصبّاح في 16 أغسطس عام 1894 في بلدةالنبطية بجنوب لبنان، ونشأ في بيت علم وفكر، فتوجهت اهتماماته نحو الاطلاع والثقافةوالتعرف على ما في الطبيعة من قوى، وشجعه على ذلك خاله الشيخ أحمد رضا الذي كانشغوفًا بالبحث والتعرف على الحقائق الطبيعية والاجتماعية والروحية.
وقد ظهرتعلامات الذكاء والنبوغ على "حسن كامل الصباح" وهو في السابعة من عمره عندما ألحقهوالده بالمدرسة الابتدائية فنال إعجاب معلميه، ثم التحق بالمدرسة السلطانية فيبيروت سنة 1908 فظهر نبوغه في الرياضيات والطبيعيات، وفى نهاية السنة الأولى لهفيها أدرك الصباح عدم صلاحية الكتب الدراسية المقررة عليه مع طموحاته العلمية؛ فبدأفي دراسة اللغة الفرنسية للاطلاع على العلوم التي لم يكن يجدها في الكتب العربيةآنذاك.
ثم التحق الصبّاح بالجامعة الأمريكية في بيروت، وأتقن اللغة الإنجليزيةفي مدة قصيرة، واستطاع حل مسائل رياضية وفيزيائية معقدة ببراعة وهو في السنةالجامعية الأولى، وشهد له أساتذته بقدراته، وتردد اسمه بين طلاب الجامعاتاللبنانية، ووصفه الدكتور فؤاد صروف - أحد أساتذته - في مجلة المقتطف بأنه شيطان منشياطين الرياضيات.
والتحق الصباح بقسم الهندسة في الجامعة الأمريكية، وأبدىاهتمامًا خاصًّا نحو الهندسة الكهربائية ونتيجة لما ظهر عليه من نبوغ في استيعابنظرياتها وتطبيقاتها تبرع له أحد الأساتذة الأمريكيين البارزين بتسديد أقساطالمصروفات الجامعية تقديراً منه لهذا التفوق حين عرف أن ظروف أسرة الصباح الماديةلا تسمح له بمواصلة الدراسة الجامعية.
وعندما بلغ سن تأدية الخدمة العسكرية اضطر "حسن كامل الصباح" إلى التوقف عن الدراسة عام 1916 والتحق بسرية التلغراف اللاسلكيوفى عام 1918 توجه إلى العاصمة السورية دمشق؛ حيث عمل مدرساً للرياضيات بالإضافةإلى متابعته دراسة الهندسة الكهربائية والميكانيكا والرياضيات، كما وجه اهتمامًاللاطلاع على نظريات العلماء في مجال الذرة والنسبية، وكان من القلائل الذيناستوعبوا هذه النظرية الشديدة التعقيد، وكتب حولها المقالات فشرح موضوع الزمانالنسبي والمكان النسبي والأبعاد الزمانية والمكانية والكتلة والطاقة وقال عنهالعالم إستون فيما بعد: كان الوحيد الذي تجرأ على مناقشة أراء أينشتاين الرياضيةوانتقادها والتحدث عن النسبية كأينشتاين نفسه.
وفى 1921 غادر دمشق وعاد إلىالجامعة الأمريكية مرة أخرى؛ لتدريس الرياضيات، وكان حريصاً على شراء المؤلفاتالألمانية الحديثة في هذا المجال، ولكن في الوقت نفسه كان الصباح تواقاً إلى التخصصفي مجال الهندسة الكهربائية.
وفى عام 1927 توجه "حسن كامل الصباح" إلى أمريكا،والتحق بمدرسة الهندسة الكبرى المسماة مؤسسة ماساتشوستش الفنية، لكنه لم يتواءم معالتعليم الميكانيكي في هذه المؤسسة، كما عجز عن دفع رسومها فتركها بعد عام، وانتقلإلى جامعة إلينوي ولمع نبوغ الصباح قبل نهاية العام الدراسي الأول في هذه الجامعة،فقدم أستاذ الفلسفة الطبيعية بها اقتراحًا للعميد بمنح الصباح شهادة معلم علوم (m.a) إلا أن العميد لم يوافق على الاقتراح؛ حيث كان يجب على الطالب أن يقضي عامينعلى الأقل في الجامعة قبل منحه أي شهادة.
ووضع الصباح نظريات وأصولا جديدةلهندسة الكهرباء؛ فشهد له العلماء بالعبقرية ومن بينهم العالم الفرنسي الشهير موريسلوبلان، وبعث إليه الرئيس الأمريكي آنذاك بخطاب يؤكد فيه إعجابه بنبوغه واختراعاته،وأرسلت إليه شركات الكهرباء الكبرى شهادات تعترف بصحة اختراعاته، ومنها شركةوستنجهاوس في شيكاغو وثلاث شركات ألمانية أخرى.
وفى عام 1932 منحه مجمع مؤسسةالكهرباء الأمريكي لقب "فتى مؤسسة مهندسي الكهرباء الأمريكية"، وهو لقب علمي لايُعطى إلا إلى من اخترع وابتكر في الكهرباء، ولم ينل هذا اللقب إلا عشرة مهندسين فيالشركة.
وفي مطلع عام 1933 تمت ترقيته في الشركة، ومنح لقب "فتى العلمالكهربائي" وذلك بعد انتخابه من جمعية المهندسين الكهربائيين الأمريكيين فينيويورك. واستطاع الصباح اكتشاف طرائق الانشطار والدمج النووي المستخدمة في صنعالقنابل الهيدروجينية والنووية والنيترونية.
وقد شملت علوم الصباح نواحي معرفيةعديدة في مجالات الرياضيات البحتة والإحصائيات والمنطق والفيزياء وهندسة الطيرانوالكهرباء والإلكترونيات والتلفزة، وتحدث عن مادة "الهيدرولية" وما ينتج عنها منمصادر للطاقة، واستشهد بشلالات نبع الصفا في جنوب لبنان ونهر الليطاني، كما كانت لهآراؤه في المجالات السياسة والاقتصادية والاجتماعية والحرية والاستعمار والمرأةوالوطنية والقومية العربية، وكان ذواقًا للأدب ويجيد أربع لغات هي: التركيةوالفرنسية والإنجليزية والألمانية.
اختراعات الصباح:
ويصل عدد ما اخترعه حسن كامل الصباح من أجهزة وآلات فيمجالات الهندسة الكهربائية والتلفزة وهندسة الطيران والطاقة إلى أكثر من 76اختراعًا سجلت في 13 دولة منها: الولايات المتحدة الأمريكية، وبلجيكا، وكندا،وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وأستراليا، والهند، واليابان، وأسبانيا، واتحاد دولأفريقيا الجنوبية. وبدأ اختراعاته عام 1927 بجهاز ضبط الضغط الذي يعين مقدار القوةالكهربائية اللازمة لتشغيل مختلف الآلات ومقدار الضغط الكهربائي الواقععليها.
وفي عام 1928 اخترع جهازًا للتلفزة يستخدم تأثير انعكاس الإلكترونيات منفيلم مشع رقيق في أنبوب الأشعة المهبطية الكاثودية، وهو جهاز إلكتروني يمكن من سماعالصوت في الراديو والتليفزيون ورؤية صاحبه في آن واحد.
كما اخترع جهازًا لنقلالصورة عام 1930، ويستخدم اليوم في التصوير الكهروضوئي، وهو الأساس الذي ترتكز عليهالسينما الحديثة، وخاصة السينما سكوب بالإضافة إلى التليفزيون.
وفي العام نفسهاخترع جهازًا لتحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة كهربائية مستمرة، وهو عبارة عن بطاريةثانوية يتولد بها حمل كهربائي بمجرد تعرضها لأشعة الشمس، وإذا وُضع عدد منها يغطيمساحة ميل مربع في الصحراء؛ فإن القوة الكهربائية التي يمكن استصدارها من الشمسعندئذ تكون 200 مليون كيلو وات، وقد عرض الصباح اختراعه هذا على الملك فيصل الأولملك العراق ليتبناه، ولكنه مات ثم عرضه على الملك عبد العزيز بن سعود لاستخدامه فيصحراء الربع الخالي، ولكن الصباح مات بعد فترة وجيزة.
وكان قد شرع قبيل وفاته فيتصميم محرك طائرة إضافي يسمح بالطيران في الطبقات العليا من الجو، وهو شبيهبتوربينات الطائرة النفاثة.
الموت المفاجئ:
وقد حدثت الوفاة المفاجئة مساء يوم الأحد 31 مارس 1935 وكانحسن كامل الصباح عائدًا إلى منزله فسقطت سيارته في منخفض عميق ونقل إلى المستشفى،ولكنه فارق الحياة وعجز الأطباء عن تحديد سبب الوفاة خاصة وأن الصباح وجد على مقعدالسيارة دون أن يصاب بأية جروح مما يرجح وجود شبهة جنائية خاصة وأنه كان يعاني منحقد زملائه الأمريكيين في الشركة، وذكر ذلك في خطاباته لوالديه.
وحمل جثمانالعالم اللبناني والمخترع البارع حسن كامل الصباح في باخرة من نيويورك إلى لبنان،وشيع في جنازة مهيبة إلى مثواه الأخير في مسقط رأسه ببلدة النبطية بجنوب لبنان،ورثاه رئيس شركة جنرال إلكتريك قائلا: إنه أعظم المفكرين الرياضيين في البلادالأمريكية، وإن وفاته تعد خسارة لعالم الاختراع.