عبد القديرخان
ليس حل مشكلات العالم الإسلامي قنبلةنووية ، ولكن ماداموا يفعلون فعلينا أن نمتلك مصادر القوة ، هذه وجهة النظرالباكستانية في مشروعها النووى ، قد يوافق عليها البعض وقد يرفضها آخرون ، لكن هذاما صار فعلاً وتطور علي يد العالم الباكستاني عبد القدير خان ولد الدكتور عبدالقدير خان في ولاية بوبال الهندية عام 1936 لا يصغره سوى أخت واحدة من بين خمسة منالإخوة واثنتين من الأخوات. كان والده عبد الغفور خان مدرسًا تقاعد عام 1935، أيقبل ولادة ابنه عبد القدير بعام واحد؛ ولذا نشأ الابن عبد القدير تحت جناح أبيهالمتفرغ لتربيته ورعايته.
كان لوالد عبد القدير خان تأثير كبير في حياة ابنه؛حيث كان الوالد إنسانًا عطوفًا ورقيقًا؛ فعلّم ابنه تقدير الحياة وحب الحيوانات،حتى إن القردة القاطنة بتلال مارجالا التي تحيط بمنزل الدكتور عبد القدير قد علمتعنه ذلك، فتأتي إليه في كل مساء بعد رجوع الدكتور عبد القدير من يوم عمل شاق لتأكلمن يديه!! كانت زليخة بيجوم والدة الدكتور عبد القدير خان سيدة تقية تلتزم بالصلواتالخمس ومتقنة للغة الأوردية والفارسية؛ ولذلك نشأ الدكتور عبد القدير خان متدينًاملتزمًا بصلواته.
تخرج عبد القدير خان من مدرسة الحامدية الثانوية ببوبال؛ليستجيب لنداء إخوته بالهجرة إلى الباكستان أملاً في حياة أفضل وفرص أكبر؛ حيث كانيرى أن الفرص المتاحة له ببوبال محدودة، وربما لم يكن لينجز أكثر من كونه مدرسًامثل أبيه وعيشه حياة خالية تمامًا من الأحداث المثيرة.
تخرج عبد القدير في كليةالعلوم بجامعة كاراتشي عام 1960، وتقدم لوظيفة مفتش للأوزان والقياسات، وهي وظيفةحكومية من الدرجة الثانية. كان عبد القدير أحد اثنين من بين 200 متقدم قُبِلوابالوظيفة، وكان راتبه 200 روبية في الشهر. ربما لو استمر الدكتور عبد القدير خان فيهذه الوظيفة لتدرج في مناصبها؛ لولا رئيسه المباشر في العمل؛ والذي كان يفرض علىعملائه أن يدعوه على الغداء لإتمام أوراقهم، فلم يتقبل عبد القدير الشاب هذهالتصرفات التي اعتبرها نوعًا من الرشاوى؛ فاستقال من وظيفته.
قرر عبد القدير خانالسفر إلى الخارج لاستكمال دراسته وتقدم لعدة جامعات أوروبية؛ حيث انتهى به الأمرفي جامعة برلين التقنية؛ حيث أتم دورة تدريبية لمدة عامين في علوم المعادن. كما نالالماجستير عام 1967 من جامعة دلفت التكنولوجية بهولندا ودرجة الدكتوراة من جامعةلوفين البلجيكية عام 1972.
لم يكن ترك الدكتور عبد القدير خان لألمانيا وسفرهإلى هولندا سعيًا وراء العلم.. بل كان ليتزوج من الآنسة هني الهولندية التي قابلهابمحض الصدفة في ألمانيا. فتمت مراسم الزواج في أوائل الستينيات بالسفارةالباكستانية بهولندا.
حاول الدكتور عبد القدير مرارًا الرجوع إلى الباكستان ولكندون جدوى. حيث تقدم لوظيفة لمصانع الحديد بكراتشي بعد نيله لدرجة الماجستير؛ ولكنرفض طلبه بسبب قلة خبرته العملية، وبسبب ذلك الرفض أكمل دراسة الدكتوراة في بلجيكا؛ليتقدم مرة أخرى لعدة وظائف بالباكستان، ولكن دون تسلم أية ردود لطلباته. في حينتقدمت إليه شركة FDO الهندسية الهولندية ليشغل لديهم وظيفة كبير خبراء المعادنفوافق على عرضهم.
كانت شركة FDO الهندسية أيامها على صلة وثيقة بمنظمة اليورنكو- أكبر منظمة بحثية أوروبية والمدعمة من أمريكا وألمانيا وهولندا. كانت المنظمة مهتمةأيامها بتخصيب اليورانيوم من خلال نظام آلات النابذة Centrifuge system. تعرضالبرنامج لعدة مشاكل تتصل بسلوك المعدن استطاع الدكتور عبد القدير خان بجهده وعلمهالتغلب عليها. ومنحته هذه التجربة مع نظام آلات النابذة خبرة قيمة كانت هي الأساسالذي بنى عليه برنامج الباكستان النووي فيما بعد.
حين فجرت الهند القنبلةالنووية عام 1974 كتب الدكتور عبد القدير خان رسالة إلى رئيس وزراء الباكستان فيحينها "ذو الفقار علي بوتو" قائلا فيها: إنه حتى يتسنى للباكستان البقاء كدولةمستقلة فإن عليها إنشاء برنامج نوويّ". لم يستغرق الرد على هذه الرسالة سوى عشرةأيام، والذي تضمن دعوة للدكتور عبد القدير خان لزيارة رئيس الوزراء بالباكستان،والتي تمت بالفعل في ديسمبر عام 1974. قام رئيس الوزراء بعدها بالتأكد من أوراقاعتماده عن طريق السفارة الباكستانية بهولندا، وفي لقائهما الثاني عام 1975 طلب منهرئيس الوزراء عدم الرجوع إلى هولندا ليرأس برنامج الباكستان النووي.
حين أبلغالدكتور عبد القدير خان زوجته بالعرض -والذي كان سيعني تركها لهولندا إلى الأبد- مساء نفس اليوم سألته إن كان يعتقد أنه يستطيع إنجاز شيء لبلده.. فحين رد بالإيجابردت على الفور: ابق هنا إذن حتى ألمّ أغراضنا في هولندا وأرجع إليك. ومنذ ذلك الحينوآل خان في الباكستان.
توصل الدكتور عبد القدير خان بعد فترة قصيرة من رجوعه إلىالباكستان إلى أنه لن يستطيع إنجاز شيء من خلال مفوضية الطاقة الذرية الباكستانية،والتي كانت مثقلة ببيروقراطية مملة. فطلب من بوتو إعطاءه حرية كاملة للتصرف من خلالهيئة مستقلة خاصة ببرنامجه النووي. وافق بوتو على طلبه في خلال يوم واحد وتم إنشاءالمعامل الهندسية للبحوث في مدينة كاهوتا القريبة من مدينة روالبندي عام 1976 ليبدأالعمل في البرنامج. وفي عام 1981 وتقديرًا لجهوده في مجال الأمن القومي الباكستانيغيّر الرئيس الأسبق ضياء الحق اسم المعامل إلى معامل الدكتور عبد القدير خانللبحوث.
بدأ الدكتور عبد القدير خان بشراء كل ما يستطيع من إمكانات من الأسواقالعالمية، وفي خلال ثلاث سنوات تمكن من بناء آلات النابذة وتشغيلها بفضل صِلاتهبشركات الإنتاج الغربية المختلفة وسنوات خبرته الطويلة.
يقول الدكتور عبد القديرخان في إحدى مقالاته: أحد أهم عوامل نجاح البرنامج في زمن قياسي كان درجة السريةالعالية التي تم الحفاظ عليها، وكان لاختيار موقع المشروع في مكان ناءٍ كمدينةكاهوتا أثر بالغ في ذلك. كان الحفاظ على أمن الموقع سهلا بسبب انعدام جاذبية المكانللزوار من العالم الخارجي، كما أن موقعه القريب نسبيًا من العاصمة يسّر لنا اتخاذالقرارات السريعة، وتنفيذها دون عطلة. وما كان المشروع ليختفي عن عيون العالمالغربي لولا عناية الله تعالى، ثم إصرار الدولة كلها على إتقان هذه التقنيةالمتقدمة التي لا يتقنها سوى أربع أو خمس دول في العالم. ما كان لأحد أن يصدق أندولة غير قادرة على صناعة إبر الخياطة ستتقن هذه التقنية المتقدمة".
حين علمالعالم بعدها بتمكن الباكستان من صناعة القنبلة النووية هاج وماج؛ إذ بدأت الضغوطعلى الحكومة الباكستانية من جميع الجهات ما بين عقوبات اقتصادية وحظر على التعاملالتجاري وهجوم وسائل الإعلام الشرس على الشخصيات الباكستانية. كما تم رفع قضيةظالمة على الدكتور عبد القدير خان في هولندا تتهمه بسرقة وثائق نووية سرية. ولكن تمتقديم وثائق من قبل ستة أساتذة عالميين أثبتوا فيها أن المعلومات التي كانت معالدكتور عبد القدير خان من النوع العادي، وأنها منشورة في المجلات العلمية منذسنين. تم بعدها إسقاط التهمة من قبل محكمة أمستردام العليا. يقول الدكتور عبدالقدير خان: إنه حصل على تلك المعلومات بشكل عادي من أحد أصدقائه؛ إذ لم يكن لديهمبعد مكتبة علمية مناسبة أو المادة العلمية المطلوبة.
يتلخص إنجاز الدكتور عبدالقدير خان العظيم في تمكنه من إنشاء مفاعل كاهوتا النووي (والذي يستغرق عادة عقدينمن الزمان في أكثر دول العالم تقدمًا- في ستة أعوام) وكان ذلك بعمل ثورة إدارية علىالأسلوب المتبع عادة من فكرة ثم قرار ثم دراسة جدوى ثم بحوث أساسية ثم بحوث تطبيقيةثم عمل نموذج مصغر ثم إنشاء المفاعل الأولي، والذي يليه هندسة المفاعل الحقيقي،وبناؤه وافتتاحه. قام فريق الدكتور خان بعمل كل هذه الخطوات دفعة واحدة.
استخدمفريق الدكتور خان تقنية تخصيب اليورانيوم لصناعة أسلحتهم النووية. هناك نوعان مناليورانيوم يوليهما العالم الاهتمام: يورانيوم-235 ويورانيوم 238. ويعتبراليورانيوم235 أهمهما؛ حيث هو القادر على الانشطار النووي وبالتالي إنشاء الطاقة. يستخدم هذا النوع من اليورانيوم في المفاعلات الذرية لتصنيع القنبلةالذرية.
ولكن نسب اليورانيوم 235 في اليورانيوم الخام المستخرج من الأرض ضئيلةجدا تصل إلى 0.7 % وبالتالي لا بد من تخصيب اليورانيوم لزيادة نسبة اليورانيوم 235؛إذ لا بد من وجود نسبة يورانيوم 235 بنسبة 3-4% لتشغيل مفاعل ذري وبنسبة 90 % لصناعة قنبلة ذرية. يتم تخصيب اليورانيوم باستخدام أساليب غاية في الدقة والتعقيدوتمكنت معامل كاهوتا من ابتكار تقنية باستخدام آلات النابذة، والتي تستهلك عُشْرالطاقة المستخدمة في الأساليب القديمة. تدور نابذات كاهوتا بسرعات تصل إلى 100ألفدورة في الدقيقة الواحدة. يقول الدكتور خان: في حين كان العالم المتقدم يهاجمبرنامج الباكستان النووي بشراسة كان أيضًا يغض الطرف عن محاولات شركاته المستميتةلبيع الأجهزة المختلفة لنا! بل كانت هذه الشركات تترجّانا لشراء أجهزتها. كان لديهمالاستعداد لعمل أي شيء من أجل المال ما دام المال وفيرًا! قام الفريق الباكستانيبتصميم النابذات وتنظيم خطوط الأنابيب الرئيسية وحساب الضغوط وتصميم البرامجوالأجهزة اللازمة للتشغيل. وحين اشتد الهجوم الغربي على البرنامج وطبق الحظروالعقوبات الاقتصادية بحيث لم يتمكن الفريق من شراء ما يلزمهم من مواد.. بدأالمشروع في إنتاج جميع حاجياته بحيث أصبح مستقلا تماما عن العالم الخارجي في صناعةجميع ما يلزم المفاعل النووي.
امتدت أنشطة معامل خان البحثية لتشمل بعد ذلكبرامج دفاعية مختلفة؛ حيث تصنع صواريخ وأجهزة عسكرية أخرى كثيرة وأنشطة صناعيةوبرامج وبحوث تنمية، وأنشأت معهدا للعلوم الهندسية والتكنولوجية ومصنعًا للحديدوالصلب، كما أنها تدعم المؤسسات العلمية والتعليمية.
نال الدكتور خان 13 ميداليةذهبية من معاهد ومؤسسات قومية مختلفة ونشر حوالي 150 بحثًا علميًا في مجلات علميةعالمية. كما مُنح وسام هلال الامتياز عام 1989 وبعده في عام 1996 نال أعلى وساممدني تمنحه دولة الباكستان تقديرًا لإسهاماته الهامة في العلوم والهندسة: نيشانالامتياز.