الموضوع: السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 30-11-2010, 03:00 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

التعذيب ومحاولة القتل
كان من الطبيعي أن يعود المشركون إلى ضراوتهم بعد الفشل ، وفعلاً عادوا إلى الشدة والبطش بالبقية الباقية من المسلمين ، بل مدوا أيديهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فمن ذلك أن عتيبة بن أبي لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : هو يكفر بالذي ( دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) ثم تسلط عليه بالأذى ، وشق قميصه ، وتفل في وجهه صلى الله عليه وسلم إلا أن البزاق رجع على عتيبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم أرسل عليه كلباً من كلابك ، فخرج عتيبة في ركب إلى الشام ، فلما نزلوا في الطريق طاف بهم الأسد ، فقال : هو آكلي والله ، كما دعا علي محمد ، قتلني وهو بمكة وأنا بالشام ، فلما ناموا جعلوه في وسطهم ، ولكن جاء الأسد وأخذه برأسه من بين الإبل والناس وقتله .
ومن ذلك أن عقبة بن أبي معيط وطيء برجله على رقبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد حتى كادت عيناه تبرزان .
ويؤخذ من سياق الحوادث أن المشركين بعد فشلهم في شتى محاولاتهم لكف الدعوة أخذوا يفكرون بجد في قتل النبي صلى الله عليه وسلم ولو أدى ذلك إلى سفك الدماء . ومما يدل على ذلك أن أبا جهل قال يوماً لقريش : إن محمداً قد أبى إلا ما ترون من عيب ديننا ، وشتم آبائنا ، وتسفيه أحلامنا ، وشتم آلهتنا ، وإني أعاهد الله لأجلسن له بحجر ما أطيق حمله ، فإذا سجد في صلاته فضخت به رأسه ، فأسلموني عند ذلك أو امنعوني ، فليصنع بعد ذلك بنوعبد مناف ما بدا لهم ، قالوا : والله لا نسلمك لشيء أبداً فامض لما تريد .
فلما أصبح أبو جهل أخذ حجراً كما وصف ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام يصلي ، وغدت قريش في أنديتهم ينتظرون ما يفعله أبو جهل ، وأقبل أبو جهل حتى دنا ، ثم رجع منهزماً ، منتقعاً لونه مرعوباً ، قد يبست يداه على حجره ، حتى قذفه من يده ، فقالت له قريش : مالك يا أبا الحكم ؟ قال : قمت لأفعل ما قلت البارحة ، فعرض لي فحل من الإبل ما رأيت مثل هامته وقصرته وأنيابه لفحل قط ، فهم بي أن يأكلني .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ذاك جبريل لو دنا لأخذه ) .
ثم حدث ما هو أشد من ذلك وأنكى ، وذلك أن قريشاً اجتمعوا يوماً في الحطيم ، وتكلموا في رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبدأ يطوف بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه ، فعرف ذلك في وجهه ، ثم مر بهم الثانية ، فغمزوه بمثلها ، فعرف ذلك في وجهه ، ثم مر بهم الثالثة فغمزوه بمثلها ، فوقف ، ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش : أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح ، فأخذت القوم كلمته ، كان على رؤوسهم طائراً وقع ، حتى إن أشدهم فيه ليرفؤه بأحسن ما يجد .
فلما كان من الغد اجتمعوا كذلك يذكرون أمره ، إذ طلع عليهم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، فأخذوا بمجامع ردائه ، وقالوا : أنت الذي تنهانا عما كان يعبد آباءنا ؟ قال : أنا ذاك ، فانقضوا عليه ، هذا يحثه ، وهذا يبلبله ، وأقبل عقبة بن أبي معيط فلوى ثوبه في عنقه ، فخنقه خنقاً شديداً ، وأتى الصريخ إلى أبي بكر : أدرك صاحبك ، فجاء وأخذ بمنكبي عقبة ودفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ يضرب هذا ، ويجاهد هذا وهو يقول : ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله . فانصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر ، وضربوه ضرباً لا يعرف وجهه من أنفه ، وكانت له أربع غدائر فما يمسون منها شيئاً إلا رجع ، فحملته بنو تميم في ثوب وأدخلوه منـزله ، ولا يشكون في موته ، فتكلم آخر النهار ، فسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاموه ، وخرجوا من عنده ، وعرض عليه الطعام والشراب فأبى أن يأكل أو يشرب حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما هدأ الليل وسكن الناس أوصلوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في دار الأرقم ، فلما وجده بخير ساغ له الطعام والشراب .
وقد خرج أبو بكر رضي الله عنه يريد الهجرة إلى الحبشة بعدما اشتد عليه الأذى وتضايقت عليه سبل الحياة ، ولما بلغ برك الغماد لقيه مالك بن الدغنة سيد القارة والأحابيش ، فسأله عن قصده ، فأخبره ، فقال : مثلك يا أبا بكر لا يخرج ، إنك تكسب المعدوم ، وتصل الرحم ، وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، فارجع واعبد ربك ببلدك ، ثم رجعا إلى مكة ، وأعلن ابن الدغنة في قريش عن جواره لأبي بكر ، فلم ينكروا عليه ، ولكن قالوا له : مر أبا بكر فليعبد ربه في داره ولا يستعلن ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا وضعفتنا ، فلبث أبو بكر بذلك فترة ، ثم بنى مسجداً بفناء داره ، واستعلن بصلاته وقراءته ، فذكره ابن الدغنة بجواره ، فرد عليه إبو بكر جواره ، وقال : أرضى بجوار الله .
وكان رجلاً بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، فينقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم ، وهم يعجبون منه ، وينظرون إليه ، فكان المشركون يؤذونه لأجل ذلك . وأثناء هذه الظروف القاسية التي كان يمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون حدث ما أفضى إلى إسلام بطلين جليلين من أبطال قريش طالما استراح المسلمون تحت ظل قوتهما ، وهما حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس