الموضوع: السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 30-11-2010, 03:31 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 22
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

غزوة أحد
بينما كانت قريش تستعد للإنتقام من المسلمين بما أصيبت به في غزوة بدر إذا بهم يتلقون ضربة أخرى في القردة ، فازدادوا بها غضباً على غضب فأسرعوا في الإستعداد وفتحوا باب التطوع ، وحشدوا الأحابيش وخصصوا الشعراء للإغراء والتحريض ، حتى تجهز جيش قوامه ثلاثة آلاف مقاتل ، في ثلاثة آلف بعير ومائتي فرس ، وسبعمائة درع ، ومعه عدد من النسوة للتحريض وبث روح البسالة والحماس ، وكان قائده العام أبا سفيان ، وحامل لوائه أبطال بني عبد الدار .
تحرك هذا الجيش في غيظه وغضبه حتى بلغ إلى ضواحي المدينة ، وألقى رحله في ميدان فسيح على شفير وادي قناة قريباً من جبل عينين واحد ، وذلك يوم الجمعة السادس من شهر شوال سنة 3 ه‍ .
ونقل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نزول الجيش بنحو أسبوع ، فشكل دوريات عسكرية تحسباً للطواريء ، وحفظاً للمدينة ، فلما وصل الجيش استشار المسلمين حول خطة الدفاع ، وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن يتحصن المسلمون بالمدينة ، فيقاتل الرجال على أفواه الأزقة ، والنساء من فوق البيوت ، ووافقه رأس المنافقين عبد الله بن أبي وكأنه قصد الجلوس في البيت دون أن يتهم بالتخلف ، ولكن تحمس الشباب ، وألحوا على المجالدة بالسيوف في مكان مكشوف ، فقبل رأيهم ، وقسم الجيش إلى ثلاث كتائب ، كتيبة للمهاجرين ، وحمل لواءها مصعب بن عمير ، وأخرى للأوس ، وحمل لواءها أسيد بن حضير ، وثالثة للخزرج ، وحمل لواءها الحباب بن المنذر .
واتجه بعد صلاة العصر إلى جبل أحد فلما بلغ موضع الشيخين استعرض الجيش فرد الصغار ، وأجاز رافع بن خديج على صغره ، لأنه كان ماهراً في رمي السهام ، فقال سمرة بن جندب أنا أقوى منه ، أنا أصرعه فأمرهما بالمصارعة ، فصرع سمرة رافعاً فأجازه أيضاً .
وفي موضع الشيخين صلى المغرب والعشاء ، ثم بات هناك ، وعين خمسين رجلاً لحراسة المعسكر ، فلما كان في آخر الليل ارتحل قبل الفجر فصلاها بالشوط ، وهناك تمرد عبد الله بن أبي فرجع في ثلاثمائة من أصحابه ، وسرى لأجل ذلك الضعف والأضطراب في بني سلمة وبني حارثة ، وكادتا ترجعان ، ولكن ثبتهما الله ، وكان أولاً مجموع عدد المسلمين ألفاً فبقي سبعمائة .
وتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو جبل أحد من طريق قصير يترك العدو في جانب الغرب ، حتى نزل بالشعب عند منفذ الوادي ، جاعلاً ظهره إلى هضاب أحد ، وبذلك صار العدو حائلاً بين المسلمين وبين المدينة .
وهناك عبأ الجيش ، وعين خمسين رجلاً من الرماة على جبل عينين – وهو الذي يعرف بجبل الرماة – بقيادة عبد الله بن جبير الأنصاري ، وأمرهم أن يدفعوا الخيل ، ويحموا ظهور المسلمين ، وأكد لهم أن لا يتركوا مكانهم حتى يأتي أمره ، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا .
وعبأ المشركون جيشهم ، وتقدموا إلى ساحة القتال ، تحرضهم نسوتهم ، وهن يتجولن في الصفوف ، ويضربن بالدفوف ويثرن الأبطال ، وينشدن الأبيات :
إن تقبلـوا نعانـق ونفـرش النمـارق
أو تدبـروا نفـارق فـراق غير وامـق
ويذكرن أصحاب اللواء بواجبهم قائلات :
ويها بني عبد الدار ويها حماة الأدبار ضرباً بكل بتار
المبارزة والقتال :
وتقارب الجيشان فطلع طلحة بن أبي طلحة العبدري حامل لواء المشركين وأشجع فرسان قريش ، ودعا إلى المبارزة وهو على بعير ، فتقدم إليه الزبير بن العوام رضي الله عنه ، ووثب وثبة الليث حتى صار معه على جمله ، ثم أخذه واقتحم به الأرض وذبحه بسيفه فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون .
ثم انفجر القتال في كل نقطة وحاول خالد بن الوليد وهو على فرسان المشركين ثلاث مرات ليبلغ إلى ظهور امسلمين ، ولكن رشقه الرماة بسهامهم حتى ردوه .
وركز المسلمون هجومهم على حملة لواء المشركين حتى قتلوهم عن آخرهم وكانوا أحد عشر مقاتلاً فبقي اللواء ساقطاً ، وشدد المسلمون هجومهم على بقية النقاط حتى هدوا الصفوف هداً وحسوا المشركين حساً ، وأبلى أبو دجانة وحمزة رضي الله عنهما في ذلك بلاءً حسناً . وأثناء هذا التقدم والإنتصار قتل حمزة بنعبد المطلب أسد الله وأسد رسوله رضي الله عنه قتله وحشي بن حرب ، وكان عبداً حبشياً ماهراً في قذف الحربة ، وقد وعده مولاه جبير بن مطعم بالعتق إذا قتل حمزة ، لأن حمزة هو الذي قتل عمه طعيمة بن عدي في بدر ، فاختبأ وحشي وراء صخرة يرصد حمزة ، وبينما حمزة يضرب رأس سباع بن عرفطة – رجل من المشركين – صوب وحشي إليه الحربة ، وقذفها ، وهو على غرة ، فوقعت في أحشائه ، وخرجت من بين رجليه فسقط ولم يستطع النهوض حتى قضى نحبه رضي الله عنه .
ووقعت الهزيمة بالمشركين حتى لاذوا بالفرار ، وفرت النسوة المحرضات ، وتبعهم المسلمون يضعون فيهم السلاح ، ويأخذون الغنائم ، وحيئذ أخطأ الرماة ، فنـزل منهم أربعون رجلاً ليصيبوا من الغنيمة ، على رغم ما كان لهم من الأمر المؤكد بالبقاء في أماكنهم ، وانتهز خالد بن الوليد هذه الفرصة ، فانقض على العشرة الباقية بجبل الرماة حتى قتلهم ، واستدار هذا الجبل حتى وصل إلى ظهور المسلمين وبدأ بتطويقهم ، وصاح فرسانه صيحة عرفها المشركون فانقلبوا ، ورفعت لواءهم أحدى نسائهم فالتفتوا حوله وثبتوا ، وبذلك وقع المسلمون بين شقي الرحى .
هجوم المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإشاعة مقتله :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مؤخرة المسلمين ، ومعه سبعة من الأنصار واثنان من المهاجرين ، فلما رأى فرسان خالد تطلع من وراء الجبل نادى أصحابه بأعلى صوت : إلي عباد الله ! وسمع صوته المشركون – ولعلهم كانوا اقرب إليه من المسلمين – فأسرعت مجموعة منهم نحو الصوت ، وهاجمت رسول الله صلى الله عليه وسلم هجوماً شديداً ، وحاولت القضاء عليه قبل ان يصل إليه المسلمون ، فقال : صلى الله عليه وسلم : من يردهم عنا وله الجنة ؟ أو هو رفيقي في الجنة ، فتقدم رجل من الأنصار فدفعهم ، وقاتلهم حتى قتل ، ثم رهقوه فأعاد قوله ، فتقدم رجل آخر فدفعهم وقاتلهم حتى قتل ، ثم ثالث ، ثم الرابع ، وهكذا حتى قتل السبعة .
ولما سقط السابع لم يبق حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القرشيان طلحة بن عبيد الله وسعدبن أبي وقاص ، فركز المشركون حملتهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصابته حجارة وقع لأجلها على شقه ، وأصيبت رباعيته اليمنى السفلى وجرحت شفته السفلى وهشمت البيضة على رأسه ، فشجت جبهته ورأسه ، وضرب بالسيف على وجنته فدخلت فيها حلقتان من حلق المغفر ، وضرب أيضاً بالسيف على عاتقه ضربة عنيفة اشتكى لأجلها أكثر من شهر ، وكان قد لبس درعين فلم يتهتكا .
وقع كل هذا على رغم دفاع القرشيين الدفاع المستميت ، فقد رمى سعد بن أبي وقاص حتى نثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته وقال : ارم فداك أبي وأمي ، وقاتل طلحة بن عبيد الله وحده قتال مجموع من سبق ، حتى أصابه خمسة وثلاثون أو تسعة وثلاثون جرحاً ، ووقى بيده النبي صلى الله عليه وسلم فأصيبت أصابعه حتى شلت ، ولما أصيبت أصابعه قال : حس . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو قلت بسم الله لرفعتك الملائكة والناس ينظرون .
وخلال هذه الساعة الحرجة نزل جبريل وميكائيل فقاتلا عنه أشد قتال ، وفاء إليه صلى الله عليه وسلم عدد من المسلمين فدافعوا عنه أشد الدفاع ، وكان أولهم أبا بكر الصديق ، ومعه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما وتقدم أبوبكر لينـزع حلقة المغفر عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فألح عليه أبو عبيدة حتى نزعها هو ، فسقطت إحدى ثنيتيه ، ثم نزع الحلقة الأخرىفسقطت الثنيةالأخرى ، ثم أقبلا على طلحة بن عبيد الله فعالجاه وهو جريح . وأثناء ذلك وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة ومصعب بن عمير وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهم ، وتضاعف عدد المشركين أيضاً ، واشتدت هجماتهم ، وقام المسلمون ببطولات نادرة ، فمنهم من يرمي ،ومنهم من يدافع ، ومنهم من يقاتل ، ومنهم من يقي السهام على جسده .
وكان اللواء بيد مصعب بن عمير ، فضربوا على يده اليمنى حتى قطعت ، فأخذه بيده اليسرى ، فضربوا عليها حتى قطعت ، فبرك عليه بصدره وعنقه حتى قتل ، وكان الذي قتله عبد الله بن قمئة، فلما قتله ظن أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن مصعب كان يشبهه صلى الله عليه وسلم فانصرف ابن قمئة وصاح : إن محمداً قد قتل ، وشاع الخبر بسرعة ، وبإشاعته تخفف هجوم المشركين ، إذ ظنوا أنهم أصابوا الهدف ، وبلغوا ما أرادوا .
موقف عامة المسلمين بعد التطويق :
ولما رأى المسلمون بداية عملية التطويق تشتتوا وارتبكوا ، ولم يصلوا إلى موقف موحد ، فمنهم من فر إلى الجنوب حتى بلغ المدينة المنورة ، ومنهم من فر إلى شعب أحد ولاذ بالمعسكر ، ومنهم من قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسرع إليه فدافع عنه كما تقدم ، وبقي معظم المسلمين في دائرة التطويق ، ثابتين في أماكنهم ، يدفعون المطوقين ويقاتلونهم ،وحيث لم يكن بينهم من يقودهم بنظام فقد حصل في صفوفهم خبط وإرباك ، رجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم ، حتى قتل اليمان والد حذيفة بأيدي المسلمين أنفسهم ، فلما سمعوا خبر مقتل النبي صلى الله عليه وسلم طار صواب طائفة منهم ، وخارت عزائمهم ، واستكانوا ، حتى تركوا القتال وتشجع آخرون وقالوا : موتوا على ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وبينما هم كذلك إذ رأى كعب بن مالك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يشق الطريق إليهم ، فعرفه بعينه ، إذ كان وجهه تحت حلق المغفر والبيضة ، فنادى كعب بصوت عال : يا معشر المسلمين !! أبشروا ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ المسلمون يرجعون إليه ، حتى تجمع حوله ثلاثون رجلاً من أصحابه ، فشق بهم الطريق بين المشركين ، ونجح في إنقاذ جيشه المطوق ، وسحبه إلى شعب الجبل ، وقد حاول المشركون عرقلة هذا الإنسحاب ، ولكنهم فشلوا تماماً وقتل منهم اثنان أثناء هذه المحاولة .
وبهذه الخطة الحكيمة نجا المسلمون ، ولكن بعد أن دفعوا الثمن غالياً لما ارتكبه الرماة من الخطأ ومخالفة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
في الشعب :
وبعدما خرج المسلمون من دائرة التطويق ، ونجحوا في التمكن من الشعب حصل بينهم وبين المشركين بعض المناوشات الخفيفة الفردية ، ولم يجترىء المشركون على التقدم والمواجهة العامة ، وإنما بقوا في الساحة قليلاً ، مثلوا خلاله القتلى ، فقطعوا آذانهم وأنوفهم وفروجهم ، وبقروا بطونهم ، وبقرت هند بنت عتبة عن بطن حمزة حتى أخرجت كبده ، ولا كتها ، فلم تستطع أن تسيغها فلفظتها ، واتخذت من الآذان والأنوف قلائد وخلاخيل .
وجاء أبي بن خلف متغطرساً إلى الشعب يزعم انه يقتل رسول الله صلى اتلله عليه وسلم ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بحربة في ترقوته ، في فرجة بين الدرع والبيضة ، فتدحرج عن فرسه مرمراً ، ورجع إلى قريش وهو يخور خوار الثور ، فلما بلغ سرف – قريباً من مكة – مات لأجله .
ثم جاء رجال من المشركين يقودهم أبو سفيان وخالد بن الوليد ، وعلوا في بعض جوانب الجبل ، فقاتلهم عمر بن الخطاب ورهط من المهاجرين حتى أهبطوهم من الجبل ، وتفيد بعض الروايات أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قتل ثلاثة منهم .
وبلغ عدد قتلى المشركين اثنين وعشرين وقيل : سبعة وثلاثين ،أما المسلمون فقد قتل منهم سبعون : 41 من الخزرج ، و24 من الأوس ، و4 من المهاجرين ، وواحد من اليهود ، وقيل غير ذلك .
وبعد المحاولة الأخيرة الفاشلة من أبي سفيان وخالد بن الوليد أخذ المشركون يستعدون للعودة إلى مكة .
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لما تمكن من الشعب واطمأن فيه، جاءه علي رضي الله عنه ، بماء من المهراس وهو ماء بأحد ليشرب منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فوجد له ريحاً فلم يشرب منه ، بل غسل به الوجه ، وصبه على الرأس ، فأخذ الدم ينزف من الجرح ، ولا ينقطع، فأحرقت فاطمة رضي الله عنها قطعة من حصير ، وألصقته ، فاستمسك الدم ، وجاء محمد بن مسلمة بماء سائغ فشرب منه ، ودعا له بخير ، وصلى الظهر قاعداً ، وصلى المسلمون معه قعود اً .
وجاءت نسوة من المهاجرين والأنصار ، فيهن عائشة ، وأم أيمن ، وام سليم ، وأم سليط ، فكن يملأن القرب بالماء ويسقين الجرحى ، رضي الله عنهن أجمعين .
حوار وقرار :
ولما استعد المشركون للرجوع تماماً أشرف أبو سفيان على الجبل ، ونادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي نهاهم عن الإجابة ، فقال أبو سفيان : أما ههؤلاء فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر نفسه أن قال : يا عدو الله ! إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله ما يسوءك .
فقال أبو سفيان : قد كان فيكم مثلة ، لم آمر بها ولم تسؤني ، ثم قال : اعل هبل ، فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم الجواب ، فأجابوه الله أعلى وأجل .
ثم قال أبو سفيان لنا العزى ولا عزى لكم .
فعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم الجواب فأجابوه : الله مولانا ولا مولى لكم .
ثم قال أبو سفيان : أنعمت فعال ، يوم بيوم بدر ، والحرب سجال .
فقال عمر رضي الله عنه : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار .
قال أبو سفيان : إنكم لتزعمون ذلك ، لقد خبنا إذن وخسرنا .
ثم دعاه أبو سفيان وقال : أنشدك الله ياعمر ! أقتلنا محمداً ؟
قال عمر رضي الله عنه : لا وإنه ليسمع كلامك الآن .
قال : أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر .
ثم نادى أبو سفيان : إن موعدكم بدر العام القابل . فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه أن يقول : نعم هو بيننا وبينك موعد .
رجوع المشركين وقيام المسلمين بتفقد الجرحى ودفن الشهداء :
ثم رجع أبو سفيان إلى الحبشة ، وأخذ الجيش في الإرتحال ، وقد ركب الإبل وجعل الخيل بالجنب ، وكان هذا دليل قصدهم لمكة وكان من فضل الله على المسلمين ، إذ لم يكن بين المشركين وبين المدينة من يمنعهم عن الدخول فيها ، ولكن صرفهم الله الذي يحول بين المرء وقلبه .
فنزل المسلمون إلى ساحة القتال يتفقدون الجرحى والقتلى ، وقد نقل بعضهم بعض الشهداء إلى المدينة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بردهم إلى مضاجعهم ، ودفنهم في ثيابهم ، بغير غسل ولا صلاة ، وقد دفن الإثنين والثلاثة في قبر واحد ، وربما جمع الرجلين في ثوب واحد ، وجعل بينهما الإذخر ، وقدم في اللحد من كان أكثر حفظاً للقرآن ، وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة .
ووجدوا نعش حنظلة بن أبي عامر في ناحية فوق الأرض ، يقطر منه الماء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الملائكة تغسله ، وكان من قصته أنه كان حديثعهد بعرس ، وكان معها إذ سمع المنادي ينادي للحرب ، فتركها وخرج إلى ساحة القتال ، وقاتل حتى قتل ، وهو جنب ، فغسلته الملائكة ، فسمي غسيل الملائكة .
وكفن حمزة في برد إن غطى رأسه بدت رجلاه ، وإن غطى رجلاه بدا رأسه فجعلوا على رجليه الإذخر ، وكذلك مصعب بن عمير .
إلى المدينة وفي المدينة :
ولما فرغ رسول اله صلى الله عليه وسلم والمسلمون من دفن الشهداء ، والدعاء لهم ، رجعوا إلى المدينة ، وقد خرجت نسوة قتل أقاربهن ، فلقين رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق ،فعزاهن ودعا لهن ، وجاءت امرأة من بني دينار قتل زوجها وأخوها وأبوها ، فلما نعوا لها سألت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لها : إنه بحمد الله كما تحبين ، فقالت أرونيه ، فأشاروا لها ، فلما رأته قالت : كل مصيبة بعدك جلل : أي صغيرة .
وبات المسلمون في حالة الطوارىء ، يحرسون المدينة ، ويحرسونه رسول الله صلى ، وهم منهكون من الجرح والتعب ، والألم ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من متابعة حركات العدو حتى يناجزه في الميدان لو حاول العودة إلى المدينة .
غزوة حمراء الأسد :
فلما أصبح نادى في المسلمين ان يخرجوا للقاء العدو ، ولا يخرج إلا من شهد القتال بأحد ، فقالوا : سمعاً وطاعة ، وساروا حتى بلغوا حمراء الأسد على بعد ثمانية أميال من المدينة ، وعسكروا هناك .
أما المشركون فكانوا نازلين بالروحاء ، على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة ، يفكرون ويتشاورون في العودة إليها ، ويتأسفون على ما فاتهم من الفرصة الصالحة .
وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي من المناصحين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاءه بحمراء الأسد وعزاه على ما أصابه في أحد فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان ويخذله ، فلحقهم بالروحاء ، وقد أجمعوا ليعودوا إلى المدينة ، فخوفهم أشد التخويف ، وقال : وقال : إن محمداً خرج في جمع لم أر مثله قط ، يتحرقون عليكم تحرقاً ، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط ، ولا أرى أن ترتحلوا حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة .
فلما سمعوا هذا خارت عزائمهم ، وانهارت معنوياتهم ، واكتفى أبو سفيان بحرب أعصاب دعائية ، إذ كلف من يقول للمسلمين : ( إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ) حتى لا يطاره المسلمون ، وعجل الإرتحال إلى مكة .
أما المسلمون فلم يؤثر فيهم هذا الإنذار ، بل : ( زادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) وبقوا في حمراء الأسد إلى يوم الأربعاء ، ثم رجعوا إلى المدينة : ( فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس