الموضوع: السيرة النبوية
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 30-11-2010, 03:36 PM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 21
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

مساومات وتنازلات
ولما فشل المشركون في هذا الإغراء والترغيب ، فكروا في المساومة في الدين ، فقالوا له : صلى الله عليه وسلم : نعرض عليك خصلة واحدة لك فيها صلاح .
قال : ( وما هي ) ؟ .
قالوا : تعبد آلهتنا سنة ونعبد آلهتك سنة ، فإن كنا على الحق أخذت منه حظاً ، وإن كنت على الحق أخذنا منه حظاً ، فأنزل الله تعالى : ( قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ) إلى آخر السورة وأنزل : ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ) وأنزل أيضاً : ( قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله ) .
وكان المشركون حريصين على حسم الخلاف ، آملين ما رجاه عتبة بن ربيعة ، فأبدوا مزيداً من التنازل ، ومالوا إلى قبول ما يعرضه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن اشترطوا بعض التعديل والتبديل فيما أوحى إليه ، فقالوا : ( ائت بقرآن غير هذا أو بدله ) فأمره الله تعالى : ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ) ونبهه الله على عظم هذا ، فقال وهو يذكر بعض ما دار في خلد النبي صلى الله عليه وسلم من الخواطر حول ذلك : ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً ) وبهذه المواقف الصارمة تبين للمشركين أن النبي صلى الله عليه وسلم قائم بالدعوة إلى الدين ، وليس بتاجر حتى يقبل المساومة أو التنازل في الثمن . فأرادوا التأكد من ذلك عن طريق أخرى ، فأرسلوا إلى يهود يسألونهم عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالت لهم أحبار اليهود : سلوه عن ثلاث ، فإن أخبر فهو نبي مرسل ، وإلا فهو متقول . سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ، ما كان أمرهم ؟ فإن لهم حديثاً عجباً ، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هي ؟
فسألت عظماء قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك . فنـزلت سورة الكهف فيها قصة أولئك الفتية ، وهم أصحاب الكهف ، وقصة ذلك الرجل الطواف ، وهو ذو القرنين . ونزل في سورة الإسراء الرد على سؤالهم عن الروح ، وهو قوله تعالى : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) .
وكان هذا الإختبار يكفي لاقناع قريش بأن محمدأ صلى الله عليه وسلم رسول حقاً ، لو أرادوا الحق ، ولكن أبى الظالمون إلا كفوراً
وكأنهم لما اتضحت لهم الحقائق ، وتبين لهم الحق ، أبدوا بعض المرونة ، فقد أبدوا استعدادهم لاستماع ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم علهم يستجيبون ويقبلون ، ولكن اشترطوا أن يخصص لهم مجلس لا يحضره ضعفاء المسلمين ، وهم العبيد والمساكين الذين سبقوا إلى الإسلام ، وذلك لأن هؤلاء الكفار الذين طالبوا بذلك كانوا سادات مكة وأشرافها ، فأبوا واستنكفوا أن يجلسوا مع هؤلاء المساكين الذين كانوا أصحاب الإيمان والتقوى .
وكأن النبي صلى الله عليه وسلم رغب في استجابة مطلبهم هذا بعض الرغبة رجاء أن يؤمنوا به ، فنهاه الله عن ذلك ، وأنزل قوله : ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ) .
__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس