إلى محبي المغامرات :
قصص من واقع الحياة
إنقلاب سفينة.
عندما إنقلب قارب ايزابيل أوستي بعيداً عن الأرض، لم يوجد من ينقذها عدا شخص بمثل جرأتها.
كانت إيزابيل أوستي على متن قاربها الذي يبلغ طوله 20 متراً و يدعى ب- ر- ب في المنطقة المسمّاة الحفرة في المحيط الجنوبي حيث لا تصل طائرات البحث و إلانقاذ. قريباَ من القارة المتجمدة الجنوبية، أبعد ما يكون عن اليابسة عندما هبت رياح ذات ضغط منخفض من الغرب على قارب المرأة الفرنسية ذات الإثنين و الأربعين عاماً.
إيزابيل مشهورة في بلادها مثل نجوم الغناء. كانت تقطع سباقاً حول الدائرة القطبية وحدها في عام 98 يمتد السباق 43200 كيلومتراً حول العالم. قطعت 27200 كيلومتراً في 5 أشهر من مسافة السباق.وصل بها الإرهاق و الخوف مداه.
العاصفة أصابت القارب و قطعته مثل سكيناً حادة و ألقته على جانبه في المياه و قبل أن تخرج من الكابينة لتصحّح وضع القارب أصابت القارب موجة عالية فقلبته إلى أسفل.
هذه رابع مرة تخوض فيها إيزابيل هذا السباق. أكثر من ألف كيلوجرام من الماء يضغط فوق السفينة . المنظر الذي رأته من نافذة الكابينة المغلقة أشعرها بأنها في حوض للأسماك.نظرت أسفلها فرأت الأشرعة تتقطع و السارية تتحطم. تسرب الزيت من المحرك و ملأ القارب فجعل رائحة الكابينة لا تطاق.
قامت إيزابيل بتشغيل إشارة راديو تحدد فيها موقعها من إحداثيات الطول و العرض و ترسل هذا الموقع إلى أي قارب مجاور يمكن أن يستقبله. لا توجد سفن تجارية و لكن ربما يستجيب متسابق آخر لإشارة الإستغاثة.
ترى كيف ستنجو إيزابيل من هذه الورطة المميتة ؟
مرت إيزابيل بظروف صعبة خلال السباقات السابقة، ففي سباق عام 97 اختفى قارب المتسابق الكندي جيري روف في دائرة قطرها 160 كيلومتراً من المكان الذي توجد فيه إيزابيل الآن. لكن روف لم يشّغل الإشارة التي تحدد موقعه و بدونها لا أمل في أن تجده، صارعت إيزابيل أمواجاً بارتفاع 7 طوابق و رياح عاصفة و قامت بالبحث عنه ساعات طويلة. انقلب مركبها 6 مرات خلال البحث و أصابها الإعياء الشديد و لم تعد تميّز السحب من الأمواج وعندها اتصلت بادارة البحث و الإنقاذ الذين أعفوها من متابعة البحث عن روف فعادت إلى مواصلة السباق. تقول إيزابيل ," البحث عن روف كان أصعب ما مر بي في هذا السباق إذ أن حياته كانت معرضة للخطر و لكن لم يكن لدي الموارد التي تمكني من إيجاده فاضطررت للإنسحاب."
عندما التقطت إدارة السباق إشارة الإستغاثة من إيزابيل أرسلتها إلى إثنين من المتسابقين يمران بقرب إيزابيل هما الفرنسي مارك و الإيطالي سولديني و كلاهما على بعد 320 كيلومتراً منها. كان من الضروري الوصول إلى قاربها بسرعة فالعاصفة قادمة بسرعة 40 عقدة وعندها سترتفع الأمواج إلى 8 أمتار. كما أن البحث في الدائرة الواسعة عن القارب ليس سهلاً حيث معظم القارب في الماء و لا يبدو منه إلا قاعه. قال مارك إن قاربه انكسرت ساريته لذلك لن يتمكن من انقاذ إيزابيل. أما سولديني الذي أنفق ملايين الدولارات و 3 سنوات إستعداداً للسباق فلم يتردد و أرسل بريداً الكترونياً يقول لن أدع البحث حتى أجد إيزا.
في ظلام دامس و باستخدام إضاءة كشّاف، حاولت إيزابيل أن تصحح وضع قاربها بواسطة الأجهزة الموجودة بداخله فلم يمكنها ذلك. يوجد فتحة للنجاة من القارب في حالة انقلابه و هذا الباب هو أملها الوحيد إن وجدها أحد. أخذت تقلق من أن يصيب بعض حطام القارب أحد النوافذ فيدخل الماء إلى الكابينة.
سولديني شاب مغامر في 32 من عمره. أثناء سباق عبور المحيط الأطلسي مع أربع من رفاقه انقلب مركبه فيلا في عاصفة هوجاء.عاد القارب إلى وضعه الطبيعي و لكن البحارة غرق في الماء و لم يره أحد .
************************************************** ****************
أبحر سولديني لمدة 12 ساعة في اتجاه ب-ر-ب ثم اعترضته رياح قوية جداً فغيّر مساره و هو على بعد 80 كيلومتراً منها. و حين تغير اتجاه الرياح، قطع 16 كيلومتراً في ساعتين خلال مياه بارتفاع 8 أمتار. كان عليه أن يتمسك جيداً داخل قاربه حتى لا يتم قذفه من القارب بسبب الأمواج. ثم انخفضت سرعة الرياح و تحسن الطقس.وصل سولديني إلى الموقع الذي حددته إيزابيل في استغاثتها و هو موقع تقريبي بحوالي 1،6 كيلومتراً و لأن الرؤية ضعيفة و البحر هائج فإن هذه المسافة واسعة جداً و بدا البحث عن القارب المقلوب مثل البحث عن إبرة في كومة قش. قسّم سولديني البحر إلى شبكة من الإحداثيات و بدأ يبحث بانتظام خلالها. مضت أكثر من ساعة من البحث في المنطقة المتوقعة و لم يجد شيئاً، العاصفة قادمة و ربما يغرق القارب. كان سولديني على وشك أن يغير مساره لمنطقة بحث أخرى عندما رأى القارب لكن بلا أثر للربّان. أمسك مطرقة و ألقاها على القارب. سمعت إيزابيل صوت المطرقة فنظرت خلال باب النجاة و حين رأت سولديني، وضعت سترة النجاة و خرجت من باب النجاة إلى سطح الماء. اقترب سولديني منها و التقطها. ثم أكمل السباق. بدأت العاصفة فجعل سولديني القائد الآلي يتولى مهمة الملاحة، و أخذ يتكلم لساعات مع إيزابيل عن الإبحار. يقول سولديني ،"إنقاذ إيزا أعاد لي التوازن, إذ فقدت حياة خلال الإبحار و أنقذت واحدة.
بعد اسبوعين، وصل المتسابقين إلى الأورجواي في أمريكا الجنوبية،أشعل سولديني شعلات إنارة و أضاء
السفينة كما حلقت فوقه طائرة هيلكوبتر و ألقت بإضاءة قوية على القارب مما أيقظ روح المثابرة و التحمل
في المشجعين و هذه هي أهمية تلك السباقات. في المؤتمر الصحفي الذي تم في اليوم التالي ، سئل سولديني و إيزابيل، لماذا يكرران هذا السباق؟ فبدا حبهما الشديد للإبحار واضحاً. قال سولديني ،" إن هذه اللعبة تجعلني أعرف حدود قوتي الحقيقية. أما إيزابيل فقالت يكفيني هذا السباق أربع مرات و لكن ما يهم هو أنها تمكنت من الإبحار في المحيط الجنوبي العظيم. فعلت ذلك بكل مهارتي و عزيمتي حتى النهاية.
في عام 99، أبحر سولديني في نفس المسار و أكمل سباق حول العالم منفرداً و فاز به إذ قطع المسافة في 116 يوماً و 20 ساعة محطماً الرقم السابق بأربعة أيام و 21 ساعة.
|