الى جانب كل هذه الأشياء التى ممكن نقدمها لمصر ، مثلما فعل الاستاذ هانى الشرقاوى ، فأنا أرى أننا نستطيع أن نفعل الكثير لمصر عن طريق أن ندرس حضارتها وتاريخها ، فنعرف لماذا نحبها ، و أنا أذكر مقولة أعجبتنى للدكتور زكى نجيب محمود محاولا فيها تفسير عبارة هيرودوت " مصر مقبرة الغزاة " قال فيها أن من يدرس تاريخ مصر يعلم جيدا أنها كانت دائما مقبرة الغزاة ، ولكن ليس عن طريق القوة وحدها ، ولكنها مقبرة الغزاة لأنها كانت و مازالت الدولة الوحيدة فى العالم التى لديها القدرة على أخذ ثقافة المستعمر وهضمها وافراز ثقافة أخرى خاصة بها ، فعند أحتلال الرومان لمصر وهم كانوا متأثرين بالفلسفة اليونانينة ، استطاعت مصر استيعاب هذه الحضارة وهضمها وافراز مدرسة الاسكندرية و على رأسها أفلوطين التى استطاعت أن تفرز لنا فلسفة جديدة لها مذاق مصرى تجمع بين الوثنية الإغريقية والايمان ، و كذلك هضمت مصر الحضارة المسيحية ، وأفرزت طابعا خاصا بها يميل الى الاعتدال ، فمسيحى مصر مختلفون تماما عن مسيحى العالم ، وجاء الاسلام على مصر ، فهضمته مصر واستوعبته ، و أفرزت لنا فكر اسلامى يتميز بالوسطية ، فكلنا يدرك الفارق الكبير بين فهم المصريين للاسلام والذى يختلف كثيرا عن فهم الآخرين ، فهو يتميز بالوسطية والاعتدال التى نادى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاء العصر الحديث و اطلعت مصر على الحضارة الغربية عن طريق الحملة الفرنسية ، و بدأ أعلامنا فى محاولة الأخذ بركب هذه الحضارة القوية مع الارتباط بديننا وثقافتنا ، فكانت محاولات مثمرة للتوفيق بين الاثنين . و انا أناشد الجميع بدراسة تاريخ مصر الثقافى الحديث بداية من أول بعثة مصرية سافرت الى فرنسا ، وكان من نتائجها رفاعة الطهطاوى ، ومحاولات الامام محمد عبده ، وسعد زغلول وقاسم امين و زكى نجيب محمود و العقاد والامام عبد الحليم محمود و طه حسين و الشيخ محمد الغزالى والشيخ يوسف القرضاوى ، وعلماء ومثقفون كثيرين تزخر بهم مصر ، ومحاولات جادة لمحاولة التوفيق بين حضارة الغرب وتقدمه وبين ديننا وعاداتنا وتقاليدنا ، فلنقرأ تاريخنا جيدا حتى نعرف لماذا نحب بلدنا ، ولماذا هى جديرة بهذا الحب .