ـــــــــ*×*ـــ((2))ـــ*×*ـــــــــ
كنت دائما أتطلع إلى أن أكون دات نفع للآخرين
لكنها ظلت أفكارا نظرية
أكثر منها تطبيقية إلى حد... إلى حد يوم من الأيام
فنحن تقريبا طوال دراستنا
نأخد من الجميع و لا نعطي شيئا!
نأخد من آبائنا و أمهاتنا، وقتهم و جهدهم و
مالهم و حنانهم و رعايتهم...
نأخد من الأساتدة و المعلمين و المدربين طاقاتهم و
معرفتهم... و صبرهم و سعة صدورهم
كما نأخد من الطبيعة من حولنا ثرواتها
الطبيعية، و نلقي بفضلاتنا فيها (ليس نوعا من العطاء المستحب )
و نقول في كل
يوم : أريد أن أكون إيجابيا!!
أما آن لهاته الشعارات التي نتغنى بها، كشباب
مثقف، ليلا و نهارا دون أن نبدي حراكا، أن تتحول إلى واقع، إلى حقيقة ملموسة، فنعطي
شيئا؟؟
و الحقيقة أنني لم أكن أختلف عن الجميع في التشدق بالشعارات البراقة،
و إلقاء الكلمات الرنانة على أسماع زميلاتي، فينظرن إلى فصاحتي و أفكاري الإبداعية
بإعجاب ثم أنظر إلى نفسي و أقول : كفاك نفاقا!!
إلى أن جاء يوم...
كان
دلك مند حوالي أسبوعين، كنت جالسة في المكتبة العمومية، أطالع مجلدا ضخما من
المصطلحات الطبية المعقدة، التي لم أتعود عليها بعد... حين تناهى إلى مسمعي أصوات
تتحدث بصوت عال غير بعيد عني.
رفعت رأسي في انفعال واضح : يا عالم ياناس، أريد
أن أركز!! ألا تكفيني المعادلات المعقدة و التركيبات الغريبة التي أكتشفها كل يوم
في جسمي، فتشعرني تارة بالغثيان و تارة بالفزع و أخرى بالدهشة و الحيرة أمام عظمة
الخالق، ليأتي بعض المشوشين و يفسدوا علي محاولاتي المتكررة و غير المجدية للتركيز
!!!!
طبعا لم تنبس شفتاي بكلمة مما ورد سابقا، بل اكتفيت بالعض على شفتي و
التمتمة في حنق : لا حول و لا قوة إلا بالله!!
التقطت أدناي كلمات استرعت
انتباهي، فما لبثت أن تركت ما بين يدي، و نسيت أصلا أي مصطلح كنت بصدد المراجعة، و
رحت أتابع الحديث باهتمام...
كانت الفتاتان تجلسان غير بعيد عني، مما جعل
الحوار مسموعا تماما من حيث أجلس...
كان الحزن الشديد باديا على إحداهما، و كان
في صوتها غصة، تغالب دموعها بصعوبة فيخرج صوتها مبحوحا...
ـ ... المرض في وضع
متقدم، و الطبيب يقول أنه إن لم تجر العملية في أقرب وقت فحياتها ستكون
مهددة!!
ـ يا حبيبتي يا نهى، شفى الله أمك و عافاها! إن شاء الله بعد العملية
ستكون بخير، لا داعي للقلق، و احمدي الله أنكم اكتشفتم المرض قبل فوات
الأوان...
ـ المشكلة ليست هنا يا حنان! المشكلة أن العملية بااااهظة الثمن جدا!!
و لن يكون في مقدور أبي أن يوفر ثمنها بسهولة... و أنت تعلمين أن مصاريف الكلية
ليست بالقليلة عليه، و مصاريف إخوتي الصغار أيضا... أبي مهموم جدا هاته الأيام،
حاله النفسية أسوأ من وضع أمي الجسدي، إحساسه بالعجز يقهره! كما أنه لا يجد من
يقرضه المبلغ...
تنهدت الفتاتان في حرقة...
و سرحت ببصري للحظات و قد
استولت علي حالة من الدهول
أين الإيجابية يا مرام؟؟ أين روح المبادرة؟؟
و
وجدتني أقف فجأة وسط القاعة بحركة مفاجأة أوقعت الكرسي و جعلت كل العيون تتوجه نحوي
في دهشة
فنظرت حولي في خجل، ثم جمعت أدواتي على عجل و خرجت من القاعة لا ألوي
على شيء...
إنها فرصتك يا مرام... فرصتك ليستخدمك الله فلا
تضييعيها...