دولة ميدان التحرير.. نموذج للمستقبل
حرية الرأي
لجان الترحيب تنتشر في كل مكان بالميدان، وعندما يقدمون لك بضع تمرات لا يفوتهم السخرية من الادعاءات التي روجها أبواق النظام بأنهم يتلقون دعما خارجيا وبأن جهات تقدم وجبات فاخرة وأموالا للثوار.
ويبتسم أحدهم وهو يعطيك التمرة قائلا: تفضل، وجبة كنتاكي الثوار. ثم يضيف ساخرا: الدولارات ستأخذها من الشخص الذي يقف إلى جواري.
وإذا كان التشدد في فرض النظام ودون أي تعسف أول ما يدهشك عندما تدخل "دولة ميدان التحرير"، فإن مصادر الدهشة ستتوالى بمجرد توغلك في الميدان المزدحم، فأجواء الحرية تبدو واضحة وملموسة حيث الفرصة متاحة دون قيود للتعبير عن الرأي حتى لو كان معارضا للثورة.
فعندما جاهر أحد الأشخاص بعدم تحمسه للثورة دعاه أحد الشباب للمناظرة وجلسا أرضا يتحاوران وقد تحلق حولهما العشرات بشكل عفوي، ليدور بينهما نقاش حر لم يعتده المصريون من قبل.
وانتهت المناظرة باقتناع هذا الرجل أنه حتى لو تضررت معيشته بعض الشيء في هذه الأيام فإن التحول إلى مستقبل أفضل يستحق بعض التضحية.
يلفت نظرك أيضا أحد الأركان المخصصة لقراءة الصحف مجانا، حيث تفاجأ بأنه لا يقتصر على الصحف المعارضة والمستقلة، وإنما يقدم لك الصحف الحكومية، وهو ما يعكس حرصا على عرض كل الآراء سواء كانت مؤيدة أو معارضة.
ومع أجواء الحرية فإن التعددية تبدو واضحة وجلية، حيث يختلط أبناء الطبقة الراقية بالمهمشين، ويزدحم الميدان بالرجال والنساء والشبان وحتى الأطفال والرضع، وكلما سرت في الميدان تجد المثقفين والسياسيين ورجال الدين والفنانين والعمال، مما يشعرك بأن هذه الثورة تعبر عن المجتمع المصري بكل أطيافه وطبقاته.
توزيع وجبات على المشاركين في المظاهرات بميدان التحرير (الجزيرة نت)
شباب مصر
وإذا اعتقدت بأن شباب العاصمة القاهرة هم مفجرو الثورة فستفاجأ بأن الكثيرين رفعوا لافتات تؤكد أنهم جاؤوا من مختلف أنحاء مصر، فهؤلاء من الصعيد وآخرون من سيناء، بينما نظم بعض أبناء محافظة المنوفية التي ينتمي لها الرئيس حسني مبارك مسيرة تجوب الميدان وتؤكد أنهم جاؤوا لتأكيد انضمامهم إلى المطلب الرئيسي للثورة وهو رحيل رأس النظام.
وفي بلد عانى من الفساد والرشوة وهيمنة سلطة المال، يؤكد المعتصمون على الدوام وعبر مكبرات الصوت، على مبدأ النزاهة والشفافية، فهم يرفضون تلقي أي تبرعات نقدية ويقبلون فقط الأدوية لعلاج الجرحى والأطعمة والأغطية من أجل الذين يرابطون في ميدان التحرير ويصرون على عدم الرحيل حتى يرحل الرئيس مبارك.
وعندما تنهي جولتك بميدان التحرير ستجد الخروج يجري بنظام متقن كما كان الحال لدى الدخول، ولا يجد كثير من الخارجين طريقة لإبداء إعجابهم بالنموذج الذي شاهدوه إلا الهتاف وهم يقتربون من الدبابات التي ترابط حول الميدان، مؤكدين أنهم يخرجون الآن لكنهم سيعودون من جديد
__________________

احيآنآ تبگي ..
و لآ تدري مآ آلقصة ..
غير أنك تعبت وتألمت وفقدت طعم الحياة ..!
(سنرحل عنكم يوما فأحسنوا الينا )
كيف أبكي ع الأشياء إذا ذهبت ** ونفسي التي تملك الأشياء ذاهبة
|