الموضوع: لطائف وطرائف
عرض مشاركة واحدة
  #77  
قديم 15-02-2011, 09:00 AM
عمروعبده عمروعبده غير متواجد حالياً
مدرس لغة عربية
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 4,766
معدل تقييم المستوى: 22
عمروعبده is on a distinguished road
افتراضي

حكاية المتنبي وبائع البطيخ.
حكاية المتنبي وبائع البطيخ





قيل للمتنبي :



قد شاع عنك من البُخل في الآفاق ، ما قد صار سَمَرا بين الرِّفاق . وأنت تمدح في شعرك الكرم وأهله ، وتذم البخلَ وأهله . ألست القائل:



ومن ينفق الساعات في جمع ماله ..... مخافة فقرٍ ، فالذي فعل الفقرُ



ومعلومٌ أن البخل قبيحٌ ، ومنك أقبح ؛ فإنك تتعاطى كِبَرَ النفس ، وعُلوَّ الهمة ، وطلبَ المُلك . والبخل ينافي ذلك .


فقـــــال :


إن للبخل سببًا . وذلك أني أذكر أني وَرَدْتُ في صِبَايَ من الكوفة إلى بغداد . فأخذت خمسة دراهم بجانب منديلي ، وخرجت أمشي في أسواق بغداد . فمررت بصاحب دكان يبيع الفاكهة ، ورأيت عنده خمسة من البطيخ باكورة . فاستحسنتها ، ونويت أن أشتريها بالدراهم التي معي . فتقدمت إليه

وقلت:



بكم تبيع هذه الخمسة بطاطيخ ؟


فقال بغير اكتراث :
اذهب ، فليس هذا من أكلك !


فتماسكت معه وقلت :
يا هذا ، دع ما يغيظ واقصد الثمن .


قــــال :

ثمنها عشرة دارهم !


فلشِدَّة ما جَبَهَنِي ( جَبَهَ : صَدَم ) به ما استطعت أن اخاطبه في المساومة . فوقفت حائراً ، ودفعت له خمسة دراهم فلم يقبل . وإذا بشيخ من التجار قد خرج من الخان ذاهبا إلى داره . فوثب إليه صاحب البطيخ من الدكان ، ودعا له ، وقال :


يا مولاي ، هذا بطيخ باكورة . بإِجازتك ( بعد إذنك ) أحمله إلى البيت ؟


فقال الشيخ :
ويحك ، بكم هذا ؟



قــــال:
بخمسة دراهم .


قـــــال :
بل بدرهمين !


فباعَهُ الخمسةَ بدرهمين ، وحملها إلى داره ، ودعا له ، وعاد إلى دكانه مسرورا بما فعل .


فقلـــت :


يا هذا ، ما رأيتُ أعجب من جهلك . اسْتَمْتَ ( استام البائع على المشتري : غالى في الثمن المطلوب ) علىَّ في هذا البطيخ ، وفعلت فعلتك التي فعلت ، وكنتُ قد أعطيتك في ثمنه خمسة دراهم ، فبعتَهُ بدرهمين محمولاً !


فقــــال:

اسكت ! هذا يملك مائة ألف دينار !


فعلمتُ أن الناس لا يكرمون أحدًا إكرامهم من يعتقدون أنه يملك مائة ألفِ دينار . وأنا لا أزال على ما تراهُ حتى أسمعَ الناسَ يقولون إن أبا الطيب قد ملك مائة ألف دينار .

__________________


إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
رد مع اقتباس