الديمقراطية علمانيّة أم دينيّة؟:
يدعى البعض ان الديمقراطية الغربية علمانية تقوم على فصل الدين عن الدولة.. ولكنّ الحقيقة أن الأحزاب المؤسسة للسياسة الغربية الديمقراطية تزخر بالتيارات الدينية اليهودية والمسيحية!!
ففي حين ينشط العلمانيون العرب في سلخ الأمّة العربيّة من عروبتها وأصالتها ودينها، نجد الديمقراطية الغربية قائمة على تلك الأحزاب الدينية بل والمتطرفة.
وإذا ما أخذنا بريطانيا كدراسة حالة، عن طريق دراسة ساهجال ويوفال- ديفيز، نجد الملكة هي الرئيس الرمزيّ للكنيسة الإنجليزية.. بل إن هيئة الكنيسة العليا تساهم في مجلس اللوردات بشكل فعال، وهناك قوانين الكفر (التجديف) Blasphemy law التي تمنع التعرض للكنيسة والمذهب الأنجليكاني المسيحي، بينما تبيح هذه القوانين هذا الأمر ضد الديانات الأخرى!!
كما أن المسيحية أعطيت من خلال مرسوم إصلاح التعليم الصادر سنة 1988 مكانة قانونية وأيديولوجية تجعلها تجسّد الثقافة والهوية القوميتين.
وبهذا صار متّبع الديانات الأخرى مواطنا ناقص الأهلية!!
ولذلك استخدم الحزب المسيحي الديمقراطية الليبرالية لخدمة أهدافه فجاء المنع في فرنسا وبريطانيا للطالبات المسلمات من لبس الحجاب أو غطاء الرأس، في الوقت الذي لا يُمنع اليهوديّ من لبس شودره وقلنسوته ورباط الرأس!
هذه هي العلمانية الغربية: صليبية جديدة بغطاء التحرر والتمدن!!
ولذلك وفي أغلب دول أوروبا الغربية الأخرى ـ غير بريطانيا وفرنسا ـ فإن التيار السياسي السائد فيها هو التيار المسيحي الديمقراطيّ.. وبعد الحرب العالمية الثانية استطاعت الأحزاب المسيحية أن تفوز في الانتخابات في أغلب دول أوروبا الغربية، ولم تقلّ هذه الأحزاب عن ثلث أصوات الناخبين!
ومبدأ هذه الأحزاب المسيحية يقوم على الشخصانية (personalism) الذي يقول: بأن الإنسان يحقق طموحه من خلال قيامه بمسؤولياته تجاه الأسرة والجماعة الوطنية، وهو ما يتعارض مع مبادئ الحرية الليبرالية المبنية على الحرية الشخصية!!.. وأما بقية مبادئ هذه الأحزاب الدينية فهي مستمدة من تعاليم الكنيسة الكاثوليكية!
فهذه الأحزاب الدينية تجعل الحرّيّة في ترابط الأسرة وتضامن المرأة مع الرجل، هذا في حين يسعى العلمانيّ العربيّ إلى تمرد المرأة العربية في وجه الأسرة والمجتمع!
هذا هو النموذج الغربي العلمانيّ الديمقراطيّ، يحمل طابعا دينيا ورجعيا، مما يجعل أحلام السيد (فوكوياما) تتبدّد، لأن النموذج الذي تنبأ بأنه سوف يعمّ العالم ليس إلا نموذجا تجريديا مثاليا لم يُطبق لحظة على وجه الأرض!.. لأن الأحزاب التي تشارك في الحكم الآن في أوروبا معادية للديمقراطية، أو متمسكة بها ولكن عبر صيغ ليبرالية محافظة أو متدينة مسيحية، تتبنى ضمنا أو صراحة روح التمييز بين المواطنين على أساس الدين والمنشأ والمعتقد.. هذه الأحزاب الدينية في أوروبا هي الحاكمة، والتي يتمثلها العلمانيّ العربيّ "المتحذلق المغفل" لاهثا وراء السيد الغربيّ، و لو دخلوا جحر ضب لدخله!
ولذلك الآن في أوروبا يثبّت اليمين الديني أقدامه على الساحة السياسية شرقها وغربها، وتتلاحم صفوفه من اليمين المحافظ الرجعي العنصري إلى يمين الوسط، في حين تتفتت قوى اليسار وتتوزع على ألوان الطيف السياسيّ.
__________________
تحيا مصر أم الدنيا
|