تاج الدين الموسى حدثنا صديقنا أبو محمود، مدرس اللغة العربية، قال:
على الرغم من الذمة الواسعة التي تمتاز بها لغتنا العربية التي جعلت لمخلوق مثل الكلب عدداً غفيراً من الأسماء وجادت علينا نحن البشر من أبنائها الميامين بما لا يعد ولا يحصى من الأسماء الطنانة والألقاب الرنانة والصفات الغريبة العجيبة التي لا علاقة لأشكالنا وشغلنا وطبيعة الحياة التي نعيشها بأكثرها، فقد اختلف المحروس ابننا البكر محمود، المتعلم، خرّيج الجامعة، مدرّس الرياضيات، مع زوجته المحروسة نوال، المتعلمة، خريجة الجامعة أيضاً، مدرّسة الاجتماعيات، على اسم مولودهما البكر قبل ولادته بسبعة أشهر، ذلك منذ أن بدأت تظهر علائم الحمل على الزوجة، وقبل أن تتمكن أجهزة التصوير الحديثة عند الأطباء من تحديد جنس الجنين.
تقول له: إذا كان المولود ذكراً فسمِّه على اسم أبيك، لكن إذا كان المولود أنثى أرغب أن نطلق عليها اسم أمي، فيقول لها: إن إطلاق اسم أبي على مولودنا الذكر البكر ليس لك منّة فيه، لأنه من عاداتنا وتقاليدنا التي لا يمكن الاستغناء عنها، أما إذا كان أنثى فلماذا نطلق عليها اسم أمك ولا نطلق عليها أسم أمي؟ فتقول له إن أمي التي حملتني تسعة أشهر، وأرضعتني سنتين، وسهرت الليالي قرب سريري كي أكبر، ودفعت دم قلبها كي أتعلم، وأعمل مدرّسة، وأزف إليك يا زوجي العزيز، في نهاية الأمر، تستحق مني أنا ابنتها البكر، ومنك يا صهرها المدلل، أكثر من أن نطلق اسمها على ابنتنا القادمة. فيقول لها: إن أمي أيضاً يا زوجتي العزيزة قامت بمثل الأشياء التي قامت بها أمك وأكثر وتستحق من ابنها البكر أكثر من إطلاق اسمها على ابنتنا، أم تريدين أن أصبح على كل شفة ولسان إذا سمعت كلامك هذا، لأن الذي يسوى والذي لا يسوى سيقول إنك مسيطرة عليّ ولا كلمة مسموعة لي في البيت؟!
في آخر زيارة لبيتنا قلت لهما على سبيل المزاح: أنا يا أولاد من أنصار أن يأخذ الإنسان اسماً مؤقتاً عند ولادته يستمر فيه عشرين سنة على الأقل ثم يستبدل بهذا الاسم اسماً آخر جديداً أو يستمر فيه، ذلك حسب الأمور التي ستؤول إليها شخصيته... فمن غير المعقول أن يستمر مخلوق كمديرنا (باسم) بمثل هذا الاسم ووجهه لا يضحك للرغيف الساخن... أصلاً شخص كهذا لو كان هناك عدل في توزيع الأسماء لكان اسم (عابس) كثيراً عليه. أما زميلنا سعيد الذي لم يمر عليه يوم سعيد في حياته فلا يناسبه سوى اسم تعيس، أو بائس في أحسن الأحوال. ثم إن كل هذا (كوم) واسم زميلتنا العانس ألطاف (كوم) ... ألطاف التي لا تتشاجر مع نصف زميلاتها وزملائها في اليوم الواحد وحسب، بل تتشاجر مع ذباب وجهها، لا يليق فيها من أسماء سوى أنياب أو كرابيج أو صفعات... وبناء عليه أقترح عليكما أن تطلقا على المولود القادم اسماً مؤقتاً عند مجيئه، وبعد بضع سنوات تعيدان النظر بهذا الاسم... فإذا كان المحروس ذكراً (مسخرجياً) يحب المزاح والفرفشة والسهر ومتفوقاً في القراءة فامنحوه اسم جده لأبيه. وإذا كان جاداً عابساً (بيتوتياً) ينام قبل الدجاج ويستيقظ قبل صياح الديوك ومتفوقاً في الحساب فأطلقوا عليه اسم جده لأمه. أما إذا كان المولود أنثى سمراء تحب الموسيقا والأكل الجاهز فأعطوها اسم جدتها لأبيها، وإذا كانت حنطية تحب الشغل في المطبخ فامنحوها اسم جدتها لأمها.
أما عندما حان وقت انتهاء الزيارة فقد طلبت منهما أن يقفلا الحديث في هذا الموضوع لسبعة أشهر بعد أن ذكَّرتهما بالمثل الذي يقول: (لنشوف الصبي نصلي ع النبي)!
تاج الدين الموسى
__________________
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
|