وبالتبعية فهم لا يقبلون كل علماء السُّنَّة، ويرفضون كل كتب الصِّحاح والسُّنة؛ فلا البخاري ولا مسلم ولا الترمذي ولا النسائي، ولا أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو ابن حنبل، كذلك لا خالد بن الوليد ولا سعد بن أبي وقاص ولا عمر بن عبد العزيز ولا موسى بن نصير، ولا نور الدين محمود ولا صلاح الدين، ولا قطز ولا محمد الفاتح، وهكذا..
ونتيجة نَبْذهم للصحابة وللتابعين ولكتب الحديث والتفسير، فإنهم اعتمدوا على الأقوال المنسوبة لأئمتهم، وهي في غاية الضعف من ناحية الرواية؛ ولذلك ظهرت عندهم البدع المنكرة الكثيرة، في العقائد والعبادات والمعاملات وغيرها. ونحن لا نقصد في هذا المقال تقصِّي هذه البدع، فإنَّ هذا يحتاج إلى عِدَّة كتبٍ، ولكن نشير إلى أصل المشكلة فقط؛ حتى نفهم تبعاتها، وإلاّ فالحديث سيطول إذا تحدثنا عن بدع التقيَّة والرَّجْعة، وبدع القول بتحريف القرآن، وبدع سوء الاعتقاد في الله U،
دع الأضرحة وما يفعل عندها، وبنائها في المساجد، والبدع المنكرة التي تُفعل في ذكرى يوم استشهاد الحسين t، وغير ذلك من آلاف البدع التي أصبحت ركنًا أصيلاً في الدين عند الاثني عشرية.
وكل ما ذكرناه حتى الآن ما هو إلا جزء من فكر فرقة الاثني عشرية، وهناك العديد من الفرق غيرها قامت في هذه الفترة من التاريخ، خاصَّة في الفترة المعروفة في التاريخ بفترة "حيرة الشيعة"، والتي بدأت في منتصف القرن الثالث الهجري بعد وفاة الحسن العسكري (الإمام الحادي عشر عندهم).
وبدايةً من هذا التوقيت بدأت تظهر المؤلفات والكتب التي ترسِّخ هذه العقائد والأفكار، وانتشرت هذه المناهج بشدَّة في منطقة فارس خاصة، وفي بلاد العالم الإسلامي بشكل عام، ولكنْ دون إقامة دولة تتبنَّى هذا الفكر بشكلٍ رسمي. ولكن عند نهايات القرن الثالث الهجري وبدايات القرن الرابع الهجري، حدثتْ تطورات خطيرة أدَّتْ إلى وصول الشيعة إلى الحكم في بعض المناطق، وكان لهذا تداعيات رهيبة على الأمة الإسلامية، وهذا ما سنتناوله في المقال القادم بإذن الله.
ونعيد القول بأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإننا لكي نأخذ قرارًا في أمر من الأمور، أو قضية من القضايا لا بُدَّ من العلم أولاً، وبعد أن تتوفَّر المعلومة الصادقة نستطيع عندها أن نقول: هذا يجوز، وهذا لا يجوز، أو الأَوْلى كذا وكذا. أما الكلام بالعاطفة دون دراسة فهذا يُورِد المهالك..
ونسأل الله U أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.
بقلم: د. راغب السرجاني