الهجرةُ ومبدأ الشورى .
كلَّنا نعرفُ أن قريشاً اجتمعتْ في دارِ الندوة ، وتشاوروا كيف يفعلونَ بالرسولِ صلى الله عليه وسلم ؟ نعم .. تآمروا واختلفوا في الرأي ، لكنهم اتفقوا على أن يجتمعَ عددٌ من أمزاعِ القبائلِ وأفرادها ليقتلوا الرسولَ صلى الله عليه وسلمَ فيَضِيعُ دمُه بين القبائلِ .
ما أشبهَ الليلةَ بالبارحة ، وما أقربَ عِلاقةَ الماضي بالحاضرِ والحاضرِ بالماضي ؛ أعداءُ الله جادونَ لحربِ دينِ الله ، جادون لحربِ الدعاة ، كما كان أولئكَ جادينَ في دارِ الندوة ، فقط .. اختلفتِ الأدوارُ واتفقتِ الأهدافُ ، اختلفتِ الوسائلُ واتفقتِ الغايات .
كما أجد أن كفارَ قريشٍ في دارِ الندوةِ يشعُّون حماساً لإنهاءِ هذه الدعوةِ المحمديةِ ، أجد واللهِ أعداءَ الله يتطايرُ النومُ من أعينِهم حماساً لحربِ الدعاةِ وحربِ الإسلام ، أجدُ أن الدعاةَ يفتقرونَ إلى شيءٍ مما نجده عندَ أعداءِ اللهِ وهو الحماسُ لدعوتهِم ومبادئِهم ، والتخطيطِ البعيدِ المستمر ، كفارُ قريشٍ جلسوا يتشاورون ويعقدون ويتآمرون ، والسؤال المهم الذي ينبغي أن نستفيده : هلِِ المسلمونَ يتشاورونَ فيما يتعلقُ بأمورِ دينهم وعقيدتهم ؟ هل يلتقونَ ليتدارسوا أوضاعَ المؤامراتِ على هذه العقيدة ، وعلى هذا الدينِ ؟ كفارُ قريش في دارِ الندوة ، وكفارُ العصرِ الحاضرِ في دورٍ كثيرةٍ ، يتشاورونَ ويخططونَ ، والمسلمونَ نائمون ، كفار قريش في دار الندوة سلكوا السبيل الذي يحقق لهم أهدافهم ، وبنفس القوةِ وبنفسِ المنطقِ أعداءُ الإسلام في العصر الحاضر يسلكونَ السبيلَ ذاتَه ، ولهذا فإن الرسولَ صلى الله عليه وسلم علاجا للمشكلة التي مرَّ بها والمؤامرة التي حلت به واجه التخطيطَ بالتخطيط ، والقوةَ بالقوة ، والحكمة بالحكمة ، والأسلوبَ بالأسلوب .
__________________
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هموا ذهبت أخلاقهم ذهبوا
|