
13-03-2011, 09:34 AM
|
 |
طالبة جامعية (كلية علوم)
|
|
تاريخ التسجيل: Jun 2008
العمر: 33
المشاركات: 527
معدل تقييم المستوى: 18
|
|
(5)
الجبنة الفلامنك
لو شكّت معلمتى منى للحظة واحدة أن تلميذها الذي رشحته لمسابقة أوائل الطلبة سيكون مصيره بعد أكثر من ربع قرن التسول في الشوارع لأضربت عن التعليم حينئذ و تركته , و لو علمت اليوم أن مصير أحد ثمار الفسيلة التي غرستها و أعتنت بها منذ ثلاثين عاما يسأل الناس الحافاً لطاش عقلها و ماتت كمداً
دائماً كانت أحلامي شديدة التواضع , فقط بيت دورين و في أحد المدن الجديدة و حديقة صغيرة حول البيت , أروي زرعها يومياً بخرطوم مياه , لا يهمني نوع المشروع الذي أمتلكه , يهمني فقط أن يكون مشروعاً ذو قيمة مضافة , زراعي كان أو صناعي , و الا يكون محلاً لبيع كروت الموبايلات و تنزيل النغمات و لا كافي شوب , و لا أي شيء على هذه الشاكلة
كما أني لا أحلم بسيارة , فأنا لا أحب أي شيء له علاقة بالتلوث ,
كنت أشتاق لأحلامي دائماً و أنا محشور في الميكروباص أو الأوتوبيس سواء كان ذلك في المنصورة أو القاهرة و أردد بداخلي أبيات جبران خليل جبران
يا بلادا حجبت منذ الأزل كيف نرجوك و من أين السبيل
أي قفر دونها؟ أي جبل سورها العالي و من منا الدليل
أسراب أنت أم أنت الأمل في قلوب تتمنى المستحيل
أَمَنامٌ يتهادى في القلوب فإذا ما إستَيقَظَت و لى المنام
أم غيوم طفن في شمس الغروب قبل أن يغرقن في بحر الظلام
كان أول أيام شهر رمضان سنة 2005 و كعادتي غيرت المكان اللي سرحت فيه في اليوم السابق , طفرة خيالية في إيراد اليوم الأول , كنت متوقع زيادة في الإيراد و لكن ليس بهذا الشكل
شيء عجيب 960 جنيها في يوم واحد , رب شعبان هو رب رمضان و أغنياء شعبان هم أغنياء رمضان و فقراء شعبان هم فقراء رمضان إذن ماذا حدث
لم يستمر الحال كما هو و لكن تناقص الأيراد تدريجياً ووصل الى 250 جنيها في اليوم العاشر و إستمر على هذا المعدل الى بداية العشر الأواخر ثم صعد تدريجياً الى أن وصل الى ذروته ليلة العيد حيث تخطى الألف جنيه بمائتين و فكة
كنت على علم أن شهر شوال يقترب معدل إيراده اليومي من الصفر و أنه الأجازة السنوية لمعظم الشحاتين , فقررت أن أعطي نفسي أجازة طويلة في شهر شوال
أنا أعمل مديراً لجراج أو موقف كبير للسيارات مجاورلأحد الفنادق” هذا ما عرفته عني زوجتي و أصدقائي المقربين , أما عن الإيراد اليومي فأخبرتها أنه البقشيش الذي أقتسمه مع العمال في الموقف حيث أن المرتبات ضعيفة و إقتسام البقشيش عرف معتاد عليه
حوالي 15000 جنيهاً كان أيراد شهر رمضان , ياااه تعبت جداً في هذا الشهر و أفطرت كل الشهر خارج بيتي حيث غيرت مواعيد العمل في شهر رمضان فكانت تبدأ من بعد صلاة الظهر الى ما بعد العشاء و التراويح , يتخللها الأفطار على أحد موائد الرحمن
شيء ممتع جداً أنك تفطر على مائدة الرحمن بين المساكين , موائد الرحمن ليس كلها مساكين و لكن يوجد بها شرائح كثيرة و قد تجد بها الأغنياء , فشيء عادي جداً أن ينزل رجل تبدو عليه علامات الثراء من سيارة فاخرة و يجلس بين الناس على مائدة الرحمن
قضيت أول يوم من أيام العيد نائماً و بدأت أعيّد صباح اليوم التالي , أول شيء كنت عاوز أشتريه جبنة فلمنك لأني نفسي فيها من عشرين سنة
لم أكن أبخل على نفسي في موضوع الأكل ده مطلقاً , أبسليوتلي و لكن الجبنة الفلامنك كانت لها معي حكاية , ممكن يفهم كلامي اللي دخلهم متوسط يعني اللي جاي على قد اللي رايح
الجبنة الفلامنك كان حظها وحش معايا جداً , فلو توفر معي المال و انا اتسوق من السوبر ماركت أو البقال , أتذكر الجبنة الفلامنك و أقوله يعطيني ربع فلامنك , فيبتسم البائع و يقول لي لسه خلصانة , أقول مش مشكلة أبقا أجيبها مرة تانية و عندما أشتاق اليها و أتذكرها تكون الحالة المادية ضعيفة فأفضل عليها الفول و الطعمية و عندما تتوفر الفلوس و تتوفر الجبنة الفلامنك عند البقال و أكون على وشك الشراء و أعطيت البقال طلباتي من جبن و زيتون و مخلل و عيش فينو , أطلع أنا فجأة و أقوله و لا أقولك معلش بلاش الفلامنك مقنعاً نفسي أن كفاية كده مصاريف النهارده و القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود
بدأت أجازتي بشراء ربع فلمنك و ربع زيتون إسود و عيش فينو (حيث أني مقتنع أن ربع الجبن بصفة عامة بيكون طعمه أحلى من النصف) و طالت أجازتي حتى نهاية شهر شوال
كانت أجازة ممتعة قضيتها في فسح عائلية و تسوق و شراء بعض الضروريات في المنزل و راحة أمام التليفزيون و النت كنت أنوي تغيير موبايلي القديم و لكن لم تأتي الفرصة , كان أسوأ ما في الأجازة أنها أنتهت و كان علي أن أبدأ مرحلة جديدة
من السعي مرة أخرى على أكل العيش
لم يبق على عيد الأضحى غير 40 يوماً , بدأت العودة الى العمل و كانت العودة ثقيلة علي و كأنها البداية رغم أنها تختلف عن البداية , شتاء و مدارس و نهار قصير تساوي إيراد قليل و لكن كان يوجد أمل قريب في العشر الأوائل من ذي الحجة و من ثم عيد الأضحى , , أيراد جيد في عشر ذي الحجة و لكن لا يقارن بشهر رمضان , أما عيد الأضحى فكنت أجهز له
العملة المتداولة في عيد الأضحى تختلف عن العملة التي أتعامل بها طوال السنة فالعملة هي اللحوم
العطاء يختلف في عيد الأضحى , فالعطاء الواحد بضع و ثلاثون جنيها و هو ثمن كيلو اللحم حينئذ و لكن تزامن ذبح الأضاحي في وقت واحد و ضيق الوقت ووزن اللحمة يحتاج الى طريقة ممنهجة من التعامل حتى لا تضيع حصيلة يوم كهذا لا يتكرر الا مرة واحدة في السنة
يحتاج هذا اليوم الى ما يعرف في علم الإدارة ب( كوردينيشن) تقريبا ترجمتها باللغة العربية تعني علم التنسيق
إستأجرت سيارة ب 200 جنيها أجوب بها الشوارع طوال يوم العيد بطريقة منظمة و سريعة أتابع من يذبح و من يسلخ و من يقطع و الحق من يوزع , طبعا كنت أترك السيارة بعيداً و أذهب ماشياً الى التوزيع
كان إيراد يوم العيد من اللحم حوالي 150 كجم بعتها جميعها لتاجر بثمن بخس ب 2000 جنيهاً
مرت سنة 2006 بشتائها و صيفها و رمضانها و جزء من 2007 حتى شهرأبريل و في ضحى يوم الخميس التاسع عشر من أبريل 2007 حدث لي شيء غريب كان من نتائجه رفع مدخراتي من 40 الف الى 70 الف جنيهاً
أكثر من سنة و نصف من الشقاء حصيلتها 70 الف جنيهاً , سنة و نصف برمضانين و أضحيين
أصيبت بالقرف من هذه المهنة بعد ذلك لم أعد أستحمل أن تكون يدي هي السفلى
الأن نحن على حافة الفصل الأخير من القصة الذي ستخالف أحداثه جميع التوقعات
و لكن لن يكون الفصل القادم هو الختام
لأن سنة و نصف من العمل في هذا المجال ليس بالشيء البسيط فسوف أتوقف في بعض المحطات قبل أن أصل بكم الى المحطة النهائية و هي الفصل الأخير من القصة , أكرر الذي ستخالف أحداثه جميع التوقعات
__________________
ليتنا مثـل الطفولـه بالبرائـه..مانخـون
ماندل الاطريق الصدق مانعـرف نفـاق
ليتنا مثل الامومه قلبـي وقلبـك..حنـون
لاانت ترضى في فراقي ولا انا بعدك يطاق
وليت شوقك لي مثل ماانا على حر اشتياق
صنعـــت لنفسـى قنـاع..بعيــد عن الخـداع والـزيـف والنفـاق..قنـاع لا يرسم ســوى فرحـى وابتسامتـى وسعادتـى المصطنعـه..قنـاع يخفـى الحـزن الـدفيـن بـــــ داخلى
|