عمر رضي الله عنه، وقد أثبت معاوية بعد توفيق الله ـ بهذا الفتح جدارته وحسن قيادته، فأكسبه ذلك ثقة الجميع، فأسند له
أخوه يزيد ـ أمير دمشق ـ مهمة فتح سواحل الشام، وقد أبلى في ذلك بلاءً حسناً، فكان يقيم على الحصن اليومين والأيام
اليسيرة فربما قوتل قتالاً شديد، وربما رمى ففتحها، وكان
المسلمون كلما فتحوا مدينة ظاهرة أو عند ساحل رتبوا
فيها قدر ما يحتاج لها إليه من المسلمين فإن حدث في شيء منها
حدث من قبل العدو سربوا إليها الإمداد، ويرى الدكتور عبد
الرحمن الشجاع أن مدن الشام تساقطت تحت ضربات المجاهدين
الواحدة تلو الأخرى، لأن الروم كانوا من الهزيمة بمكان لا
تجعلهم يفكرون في المقاومة فتساقطت مدن بيروت، وصيدا،
ونابلس، واللد، وحلب، وأنطاكية، وكانت قيسارية آخر مدن
الشام فتحاً على يد معاوية بن أبي سفيان، وكان ذلك بعد القدس.
جهود معاوية رضي الله عنه على جبهة الشام :
لما تولى معاوية أمر الشام، وانطلق عمرو بن العاص لفتح
مصر، أصبحت مهمة حماية الحدود الشامية للدولة الإسلامية
والتوسع منها منوطة به، وتتلخص أهم إنجازاته العسكرية
في أمرين هما: سن نظام الصوائف والشواتي، وتكوين
أسطول بحري إسلامي لأول مرة في تاريخ الإسلام.
وهنا نأ تي لولاية معاوية رضي الله عنه
ونذكر بعض اقول الصحابة رضي الله عنهم في معاوية رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
قال عمر بن الخطاب عمر بن الخطاب إلى الشام فرأى
معاوية في موكب يتلقاه, وراح إليه في موكب, فقال له
عمر : يا معاوية, تروح في موكب وتغدو في مثله, وبلغني
أنك تصبح في منزلك وذوو الحاجات بباك : قال يا أمير
المؤمنين إن العدو بها قريب منا, ولهم عيون وجواسيس,
فأردت يا أمير المؤمنين أن يروا للإسلام عزاً، فقال له عمر :
إن هذا لكيد رجل لبيب, أوخدعة رجل أريب؛ فقال معاوية : يا
أمير المؤمنين, مرني بما شئت أصر إليه؛ قال : ويحك : ما
ناظرتك في أمر أعيب عليك فيه إلا تركتني ما أدري آمرك أم أنهاك.
علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : لا تكرهوا إمارة
معاوية فوالله لئن فقد تموه لترون رؤوساً تندر عن كواهلها
كأنها الحنظل. فهذا توجيه من أمير المؤمنين علي لأصحابه
لعدم كراهيتهم إمارة معاوية.
عبد الله بن عباس رضي الله عنه :
قال رضي الله عنه : ما رأيت رجلاً كان أخلق بالملك من
معاوية, وفي صحيح البخاري أنه قيل لابن عباس : هل لك
في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما أوتر إلا بواحدة قال : إنه
فقيه وذكر بن عباس معاوية فقال : لله درَّ ابن هند ما أكرم
حسبه وأكرم مقدرته, والله ما شتمنا على منبر قط, ولا
بالأرض ضَّناً منه بأحسابنا وحسبه وحين عزى معاوية
عبدالله بن عباس في الحسن بن علي بقوله : لا يخزيك الله
ولا يسوؤك في الحسن فقال : له ابن عباس : أما ما أبقى الله
لي أمير المؤمنين, فلن يسؤني الله ولن يخزيني-
سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه :
قال رضي الله عنه : ما رأيت أحداً بعد عثمان أقضى بحقٍّ من صاحب هذا الباب, يعني : معاوية
- أبو هريرة رضي الله عنه : كان يمشي في سوق المدينه وهو
يقول : ويحكم تمسكوا بصدغي معاوية, اللهم لا تدركني إمارة الصبيان
عبدالله بن المبارك- رحمه الله - :
قال : معاوية عندنا محنة, فمن رأيناه ينظر إليه شزراً, اتهمناه على
القوم, يعني الصحابة وسئل ابن المبارك عن معاوية فقال : ما أقول في
رجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سمع الله لمن حمده. فقال
خلفه : ربَّنا ولك الحمد؟ فقيل أيُّما أفضل؟ هو أم عمر بن عبد العزيز؟
فقال : لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
خير وأفضل من عمر بن عبدالعزيز
عمر بن عبد العزيز : رحمه الله :
قال ابن المبارك عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة
قال : ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنساناً قط إلا إنساناً
شتم معاوية, فإنه ضربه أسواطا
أحمد بن حنبل –رحمه الله- :
سئل الإمام أحمد : ما تقول رحمك الله فيمن
قال : لا أقول إن معاوية كاتب الوحي, ولا أقول
إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً؟
قال أبو عبدالله : هذا قول سوءٍ رديء, يجانبون
هؤلاء القوم, ولا يجالسون, ونبين أمرهم للناس
- الربيع بن نافع الحلبي - رحمه الله-
: قال : معاوية ستر لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, فإذا كشف الرجل الستر, اجترأ على ماوراء.
- قال ابن أبي العز الحنفي :
وأول ملوك المسلمين معاوية وهو خير ملوك المسلمين.
- القاضي بن العربي المالكي : رحمه الله :
تحدث ابن العربيِّ عن الخصال التي اجتمعت في معاوية
رضي الله عنه, فذكر منها : ... قيامه بحماية البيضة, وسدِّ
الثغور, وإصلاح الجند, والظهور على العدوِّ, وسياسة
الخلق, وقال في موضع آخر من كتابه العواصم من
القواصم : فعمر ولاه, وجمع له الشَّامات كلّها, وأقرَّه
عثمان, بل إنَّما ولاه أبو بكر الصَّديق, لأنَّه ولي أخاه يزيد,
واستخلفه يزيد, فأقرّه عمر, فتعلَّق عثمان بعمر وأقرَّه
فانظر إلى هذه السِّلسلة ما أوثق عُراهاوثبت أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم استكتبه ..., ثمَّ صالحه وأقرَّ له
بالخلافة الحسن بن عليِّ سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم.
-- يقول ابن تيمية – رحمه الله :
واتفق العلماء على أن معاوية أفضل ملوك هذه الأمة, فإن الأربعة
قبله كانوا خلفاء نبوة وهو أول الملوك, كان ملكه ملكا ورحمة
وقال : فلم يكن من ملوك المسلمين خيراً منهم في زمان معاوية
عقليته الفذه وقدرته على الاستيعاب :
امتاز معاوية رضي الله عنه بالعقلية الفذة, فإنه كان يتمتع
بالقدرة الفائقة على الاستيعاب, فكان يستفيد من كل مايمر به من
الأحداث, ويعرف كيف يتوقاها, وكيف يخرج منها إذا تورط فيها,
وكانت خبراته الواسعة وممارسته لأعباء الحكم على مدى أربعين
سنة, منذ ولاه عمر رضي الله عنه الشام, فكانت ولا يته على
الشام عشرين سنة أميراً, وعشرين سنه خليفةهذه الفترة الطويلة
التي تقلب فيها بين المناصب العسكرية والولاية المدينة اكسبتة
خبرة في سياسة البلاد, والاستفادة من كل الظروف والأوضاع
التي تمر بها, حتى استطاع أن يسير بالدولة عشرين سنة دون أن
ينازعه منازع, يقول الشيخ الخضري : أما معاوية نفسه, فلم يكن
أحد أوفر منه يداً في السياسة, صانع رؤوس العرب, وكانت غايته
في الحلم لا تدرك, وعصابته فيه لا تنزع ومرقاته فيه تزل عنها
الأقدام ومن المعلوم أن السياسة الناجحة تتوقف على القدرة على ضبط النفس عند الغضب, واحتواء الشدائد حتى تنجلي, ولمعاوية
في ذلك نصيب وافر -رضي الله عنه - وكانت تلك سياسته مع
العامة والخاصة, وهذه طريقه مع الملوك والسوقة
الشورى في عهد معاوية رضي الله عنه:
لم يكن معاوية بن أبي سفيان ممن يجهل فوائد
الشورى ويهمل الأخذ بها ، وما كان يصد في المهمات إلا عن مشورة، فقد كان يشاور ذوي الرأي
من الولاة ووجوه الناس وأشراف القوم وأهل العلم وكان ذلك
سنة من جاء بعده من الخلفاء من بني أمية،
وكان من كبار مستشاري معاوية رضي الله عنه عمرو بن
العاص، والمغيرة بن شعبة، وكان يستشير
الوفود التي كانت تأتيه، وكان الناس يتكلمون بحرية فيعرضون
آراءهم ، ويهتم الخليفة بها كل الاهتمام،
ويناقشهم فيها ويحقق ما يمكن تحقيقه منها والحكم يعتمد على
مستشارين أكفاء وكتّاب قادرين، أطلقت يدهم
في العمل،
هل عمّم معاوية سب أمير المؤمنين علي على منابر الدولة
الأموية ؟
الأثر الذي ذكره ابن سعد لا يصح، قال ابن سعد:
أخبرنا علي بن محمد، عن لوط بن يحي، قال: كان الولاة
من بني أمية قبل
عمر بن عبد العزيز كانوا يشتمون ة قبل عمر بن عبد
العزيز يشتمون رجلاً رضي الله عنه، فلما ولي هو ـ عمر بن عبد
العزيز ـ أمسك عن ذلك، فقال كثير عزة الخزاعي:
وليت فلم تشتم علياً ولم تخف
بـرياً ولـم تتبـع مقـالة مجــرم
تكلمت بالحـق المبين وإنمـا
تبيـن آيــات الهــدى بالتـكلم
فصدَّقت معروف الذي قلت
بالذي فعلت فأضحى راضياً كل مسلم
فهذا الأثر واهٍ، فعلي بن محمد هو المدائني فيه
ضعف وشيخه لوط بن يحي، واهٍ بمرة، قال عنه يحي بن معين: ليس بثقة، وقال أبو حاتم: متروك الحديث،
وقال الدارقطني: أخباري ضعيف ووصفه في الميزان: أخبار تالف لا يوثق به، وعامة روايته ع الضعفاء
والهلكى والمجاهيل، وقد اتهم الشيعة معاوية رضي الله عنه بحمل الناس
على سب علي ولعنه فوق منابر المساجد، فهذه الدعوة
لا أساس لها من الصحة، والذي يقصم الظهر أن الباحثين قد التقطوا هذه
الفرية على هوانها دون إخضاعها للنقد والتحليل، حتى
صارت عند المتأخرين من المُسلَّمات التي لا مجال
لمناقشتها، ولم يثبت قط في رواية صحيحة، ولا يعول على ما جاء في كتب
الدميري، واليعقوبي وأبي الفرج الأصفهاني، علماً بأن
التاريخ الصحيح يؤكد خلاف ما ذكره هؤلاء، من احترام وتقدير معاوية
لأمير المؤمنين علي وأهل بيته الأطهار، فحاكيه لعن
علي على منابر بني أمية لا تتفق مع منطق الحوادث، ولا طبيعة
المتخاصمين، فإذا رجعنا إلى الكتب التاريخية المعاصرة لبني
أمية، فإننا لا نجد فيها ذكراً لشيء من ذلك أبداً، وإنما نجده في كتب المتأخرين الذين كتبوا تاريخهم في عصر بني العباس بقصد
أن يسيؤوا إلى سمعة بني أمية في نظر الجمهور الإسلامي.
جهاده رضي الله عنه
ومن شهرته كمجاهد موفق في البر والبحر منذ عهد أبي بكر
وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكان له فتوحاته الكبرى في
الساحل الشمالي للشام، كما أن له الفضل ـ بعد الله ـ في تأسيس
البحرية الإسلامية وهزيمة الروم في البحر وانتزاع السيادة منهم
لأول مرة في تاريخ المسلمين، فالجهاد في سبيل الله أصل في
حياة المسلمين في عهد الدولة الأموية، ولم تكن الغنائم هي
الدافع للقيادة الإسلامية الرئيسي نحو الفتح والجهاد، وإن وجد
لدى بعض الأفراد وهؤلاء لا يخلو منهم جيش حتى على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم (( منكم من يريد الدنيا ... ))
وغيرها ولكن هذا بالطبع لا يمثل وجهة نظر المسلمين في
فتوحاتهم، ولا يمثل القيادة الفكرية التي كان يتبناها الخليفة
والقادة وينفذها الجند، كما أنه لا يمثل وجهة نظر الأمة ورأيها
العام، ومما يدل على ذلك مشاركة كبار الصحابة في ذلك
الوقت فيها وحثهم المسلمين على الجهاد في سبيل الله، وحوادث
الجهاد وجهود الأمويين على جبهات القتال توضح ذلك: فجبهة
الروم مثلاً وهي التي كانت مثار الشجاعة ومرتع البطولة ما
كانت تدر الربح الكثير بل كان بيت المال يئن منها، لأن حملاتها
ما كانت تنتهي إلى تقدم، خاصة إذا ذكرنا الحملات الثلاثة
الكبرى التي توجهت إلى القسطنطينية وتكلفت نفقات باهظة
لقد أعطى المجاهدون المسلمون في العهد الأموي صوراً رائعة
للتضحية والبطولة والتجرد وإخلاص النية لله في جهادهم، سواء
كانوا من القادة أو الأمراء أو من عامة الجند، أو من جماعات
العلماء والزاهدين والربانيين الذين فهموا عبادة الجهاد،
ومارسوا ذلك على نحو مثير للإعجاب ودافع إلى التأسي، وقد
توزعت صور الإخلاص والتضحية هذه على جميع جبهات القتال،
وفي جميع مراحل الجهاديدل دلالة واضحة على عمق التوجه
الإسلامي للفتوحات في العهد الأموي، وينفي الغبش الذي يثيره
المنحرفون عن بني أمية على أنصع منجزاتهم وأحراها بالفخر
والإعزاز، ومما شك فيه إسلامية الفتوح في العهد الأموي، وقد
كانت الحصيلة النهائية والحصيلة التاريخية لحركة الفتوح لذلك
العصر، امتداد عالم الإسلام إلى آفاق بعيدة وكسب ـ عبر امتداده
هذا ـ الأرض والإنسان، كما أنه حمى وعزّز في الوقت نفسه
منجزات الموجة الأولى في حركة الفتح التي قادها وخطط لها
الخلفاء الراشدون، فالموجة الثانية لحركة الفتوح هي التي بدأت
في عهد معاوية نفسه واستمرت فيما بعد لكي تبلغ أقصى اتساعها في عهد الوليد.
حركة الجهاد ضد الدولة البيزنطية :
كان معاوية رضي الله عنه يرى أن الخطر الأكبر من وجهة نظره
الدولة البيزنطية، وإن كانت قد خسرت أهم أقاليمها في الشرق ـ
الشام ومصر ـ إلا أن جسم الدولة لا زال سليماً لم يمس،
فعاصمتها باقية، وممتلكاتها في آسيا الصغرى وأوربا وشمال
إفريقيا لا زالت شاسعة وإمكانياتها كبيرة، وقدرتها على المقاومة
هائلة، وهي لم تكف بعد عن مناوأة المسلمين، وباختصار فهي
العدو الرئيسي والخطر الأكبر الماثل أمام المسلمين، وكان
معاوية رجل المرحلة وقادراً على فهم وتقدير هذا الخطر، وعلى
مواجهته، أيضا، فقد كان موجوداً بالشام منذ مطلع الفتوحات في
عهد أبي بكر الصديق، وأصبح والياً عليه ولمدة عشرين سنة
تقريباً، وهو يشكل مع مصر خط المواجهة الرئيسي مع الدولة
البيزنطية، فطول إقامة معاوية رضي الله عنه بالشام، أكسبته
خبرة واسعة بأحوال البيزنطيين وسياستهم وأهدافهم مما أعانه
على أن يعرف كيف يتعامل معهم، لكل ذلك فليس غريباً أن نرى
معاوية يولي حدوده مع الدولة البيزنطية وعلاقاته معها جل
اهتمامه ويرسم لنفسه نحوها سياسة واضحة ثابتة سار عليها
هو وخلفاؤه من الأمويين إلى نهاية دولتهم، وقد كان من أهدافه
الرئيسة الاستيلاء على عاصمتهم القسطنطينية
فبعد أن قضى معاوية على حركات المردة أو الجراجمة الذين
أستخدمهم الروم وسيلة لرصد حركات الدولة الإسلامية ونقاط
ضعفها وإبلاغ الروم عنها متخذين من مرتفعات طوروس وجبل
اللكام مقراً لهم بدأ الخليفة نشاطه البحري بإرسال حملات
بحرية استطلاعية منها حملة فضالة بن عبيد الأنصاري،
للوقوف على تحركات الروم وجلب المعلومات الدقيقة عنهم
لمنعهم من استخدام جزر قبرص، وأرواد، ورودس ذوات
الخدمة التعبوية والعسكرية في عملياتهم ضد الأسطول الإسلامي
وقد باشر أعماله الاستطلاعية بإحدى الشواتي وهي شاتية بسر
بن أبي أرطأة في البحر عام 43هـ وأعقبها بشاتية مالك بن
عبد الله بأرض الروم سنة 46هـ وصائفة عبد الله بن قيس
الفزاري بحراً وحملة عقبة بن عامر الجهني بأهل مصر في البحر
سنة 48هـ، وصائفة بن عبد الله بن كرز البجلي، وحملة بن عبد
الله بن يزيد بن شجر الرهاوي، وشاتيته بأهل الشام في سنة 49
هـ، وكان نظام الشواتي والصوائف مستمراً. فقد وضع
معاوية أمامه هدفاً واضحاً وهو محاولة الضغط على الدولة
البيزنطية من خلال الضغط على عاصمتها القسطنطينية تمهيداً
للاستيلاء عليها، ولعل معاوية رضي الله عنه كان يرمي إلى
إسقاط الدولة البيزنطية ذاتها بالاستيلاء على عاصمتها فهو يعلم
أن هذه العاصمة العتيدة هي مركز أعصاب الدولة ومستقر الأموال
والرجال، وفيها العقول المفكرة، فإذا سقطت في يده فإن هذا سيؤدي إلى
شلل كامل في الدولة كلها، وأمامه تجربة المسلمين مع الفرس، فبعد سقوط
المدائن عاصمتهم في أيديهم أصابهم الارتباك ولاحقهم الفشل، ولم تقم لهم
قائمة وزالت دولتهم، فإذا استطاع إسقاط عاصمة البيزنطيين فسيكون ذلك
نذيراً بإسقاط الدولة، ويستريح من خصم عنيد وعدو رئيسي، لذلك واصل
ضغطه ومحاولاته لتحقيق هدفه، وليس من المبالغة القول إن الدولة
البيزنطية ظلت على قيد الحياة مدة تقرب من ثمانية قرون، وهي مدينة
ببقائها لعاصمتها القسطنطينية، فمناعة المدينة وصمودها أمام محولات
الأمويين المستمرة لفتحها، حال دون ذلك وبالتالي حال دون سقوط الدولة
والدليل على هذا أنه عندما استطاع السلطان العثماني محمد الفاتح فتح
القسطنطينية والاستيلاء عليها في سنة 857هـ التاسع والعشرين من مايو
سنة 1453م كان إيذاناً بسقوط الدولة البيزنطية وزوالها من الوجود
يتبع