أولا: مفهوم مصطلح الليبرالية
الليبرالية مصطلح أجنبي معرب مأخوذ من (Liberalism) في الإنجليزية، و (Liberalisme) في الفرنسية، وهي تعني " التحررية "، ويعود اشتقاقها إلى (Liberaty) في الإنجليزية أو (Liberate) في الفرنسية، ومعناها الحرية .
وهي مذهب فكري يركز على الحرية الفردية، ويرى وجوب احترام استقلال الأفراد، ويعتقد أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية حريات المواطنين مثل حرية التفكير، والتعبير، والملكية الخاصة، والحرية الشخصية وغيرها.
ولهذا يسعى هذا المذهب إلى وضع القيود على السلطة، وتقليل دورها، وإبعاد الحكومة عن السوق، وتوسيع الحريات المدنية. ويقوم هذا المذهب على أساس علماني يعظم الإنسان، ويرى أنه مستقل بذاته في إدراك احتياجاته، تقول الموسوعة الأمريكية الأكاديمية: ((إن النظام الليبرالي الجديد (الذي ارتسم في فكر عصر التنوير) بدأ يضع الإنسان بدلا من الإله في وسط الأشياء، فالناس بعقولهم المفكرة يمكنهم أن يفهموا كل شيء، ويمكنهم أن يطوروا أنفسهم ومجتمعاتهم عبر فعل نظامي وعقلاني) .وقول جميل صليبا: " ومذهب الحرية (Liberalism) أيضا مذهب سياسي فلسفي يقرر أن وحدة الدين ليست ضرورية للتنظيم الاجتماعي الصالح، وأن القانون يجب أن يكفل حرية الرأي والاعتقاد " .
وقد أطلق مصطلح "الليبرالية" على عدة أمور، من أهمها: حركة فكرية ضمن البروتستانتية المعاصرة، وقد أطلق على هذه الحركة اسم "الليبرالية" لأنها تعتمد على حرية التفكير، وانتهاج الفكر العقلاني في التعامل مع النصوص الدينية. يقول " براتراند رسل " : بدأ يظهر في أعقاب عصر الإصلاح الديني موقف جديد إزاء السياسة والفلسفة في شمال أوروبا، وقد ظهر هذا الموقف بوصفه رد فعل على فترة الحروب الدينية والخضوع لروما مركزا في إنجلترا وهولندا.. ويطلق على هذا الموقف الجديد تجاه مشكلات الميدان الثقافي والاجتماعي اسم الليبرالية، وهي تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المميزة، فقد كانت الليبرالية أولا بروتستانتية في المحل الأول، ولكن ليس على الطريقة الكالفينية الضيقة، والواقع أنها أقرب بكثير إلى أن تكون تطورا للفكرة البروتستانتية القائلة: إن على كل فرد أن يسوي أموره مع الله بطريقته الخاصة، هذا فضلا عن أن التعصب والتزمت يضر بالأعمال الاقتصادية" .
والبروتستانتية في حد ذاتها اختصرت الطريق أمام الليبرالية العقلانية المحضة، وهذه الحركة الفكرية داخلها أطلق عليها اسم الليبرالية مع أنها لازالت حركة دينية لأنها فسرت الدين بطريقة معينة جعلته متوافقا مع الليبرالية العلمانية.يقول منير البعلبكي: " كما يطلق لفظ " الليبرالية " كذلك على حركة في البروتستانتية المعاصرة تؤكد على الحرية العقلية، و على مضمون النصرانية الروحي والأخلاقي، وقد كان من آثار هذه الحركة انتهاج الطريقة التاريخية في تفسير الأناجيل" .
فقد نشأت الليبرالية كردة فعل غير واعية بذاتها ضد مظالم الكنيسة والإقطاع، ثم تشكلت في كل بلد بصورة خاصة، وكانت وراء الثورات الكبرى في العالم الغربي (الثورة الإنجليزية، والأمريكية، والفرنسية)، ولكن نقاط الالتقاء لم تكن واضحة بدرجة كافية، وهذا يتبين من تعدد اتجاهاتها وتياراتها.يقول "دونالد سترومبرج" : "والحق أن كلمة الليبرالية مصطلح عريض وغامض، شأنه في ذلك شأن مصطلح الرومانسية، ولا يزال حتى يومنا هذا على حالة من الغموض والإبهام" .و في الموسوعة الشاملة: "تعتبر الليبرالية مصطلحا غامضا لأن معناها وتأكيداتها تبدلت بصورة ملحوظة بمرور السنين" .وتقول الموسوعة البريطانية: "ونادرا ما توجد حركة ليبرالية لم يصبها الغموض، بل إن بعضها تنهار بسببه" .وإذا ذكر اسم " الليبرالية " فإنه – كما يقول رسل - : تسمية أقرب إلى الغموض، يستطيع المرء أن يدرك في ثناياها عددا من السمات المتميزة" .
ومن أهم أسباب غموض مصطلح الليبرالية : غموض مبدأ الحرية:
حيث يعتمد مفهوم الليبرالية على الحرية اعتمادا تاما، ولا يمكن إخراج "الحرية" من المفهوم الليبرالي عند أي اتجاه يعتبر نفسه ليبراليا.
ولكن مفهوم، وكثرة كلام الناس فيه، لا يمكن تحديده وضبطه، لأن أصحاب الأفكار المختلفة في الحرية الليبرالية يعتمد كل واحد منهم على " الحرية " في الوصول لفكرته....... وقد خرجت أفكار مضادة لليبرالية من رحم الحرية التي تعتبر المكون الأساسي لليبرالية مثل الفاشية، والنازية، والشيوعية، فكل واحدة من هذه المذاهب تنادي بالحرية، وتعتبر نفسها الممثل الشرعي لعصر التنوير، وتتهم غيرها بأنه ضد الحرية.
وقد حصل التنازع بين اتجاهات الليبرالية في تكييف " الحرية"، والبرامج المحققة لها، ومن هذا المنطلق جاء المفهوم السلبي، والمفهوم الإيجابي للحرية.
----------------
ونستطيع أن نصل لخطورة الليبرالية بما كتبه الشيخ نبيل العوضي عنها الآتي :
(الليبرالية) تقوم في الأصل على ( الحرية )، الحرية في الاعتقاد وفي العبادة وفي التصرفات وفي العلاقات الاجتماعية وفي غيرها من أنواع السلوك، وهي تدعو المشرعين ومن يسن القوانين في جميع البلاد ألا يجعلوا هناك أمراً يقيد حريات الناس فلا دين ولا عرف ولا قيم تحكم الحريات طالما أنها لا تضر الآخرين!! فقط هذا هو الشرط الذي يصرحون به، أما أحكام الدين وما تعارف وأجمع عليه العقلاء أو سلم العارفون أنها من الأخلاق والقيم فلا يعترف به عند الليبراليين.
وحتى أكون واضحاً أكثر، فلا مانع عند الليبرالي أن يتزوج الرجل أخته!! أو ينكح أمه!! أو ابنته!! طالما يحصل الأمر بالتراضي ويجب على القانونيين أن يسمحوا بهذا لمن يريده، فالناس أحرار في علاقاتهم الجنسية، وإن صاح البعض من كتابنا أنه لا يقر بهذا ولا يرضى به فهذا لخوفه من ردة فعل مجتمعه وإلا فإن مفهوم الليبرالية لا يتعارض وهذه الفواحش والجرائم.
ولا مانع عند الليبراليين أن يتزوج الرجل رجلاً آخر، أو المرأة امرأة أخرى!! فالناس أحرار في اختيار شركائهم، ولهذا لا نستغرب أن تخرج علينا ليبرالية أكاديمية وتصرح بهذا وتقول إنها تدافع عن الرجل الذي يريد الزواج برجل آخر!! أو المرأة التي تريد الزواج من امرأة أخرى، والبلية التي تضحك أن هذه الليبرالية تقول أنا أمنع أبنائي من هذا لأنني أم!! وأسمح به لغيرهم لأنني حقوقية!! وكان يفترض أن تقول أنا أمنع هذا في بيتي لأنني أخاف من ردة فعل زوجي وأقربائي وأسمح به خارج البيت لأنه مبدئي وفكري!!
الليبراليون ليس عندهم أي مشكلة في أن يكون الإنسان اليوم مسلماً موحداً وغداً هندوسياً يعبد البقر وبعده يرجع ويصلي مع المسلمين ثم يعتنق اليهودية ويتبع التوراة المحرفة ثم يرجع مسلماً ويحج مع المسلمين ثم يكون ملحداً لا يؤمن بالإله... وهكذا، فالليبرالية لا تفرق بين اعتناق الإسلام أو عبادة بوذا أو السجود للأصنام أو نفي وجود الرب، فهذه اختيارات شخصية وتصورات ذهنية لا أكثر ولا ينبغي أن تؤثر في القوانين أوالحقوق أو العلاقات الإنسانية، فالعقيدة والدين ليسا أهم من الثياب التي يلبسها الإنسان ويغيرها متى شاء وينزعها متى شاء!!
الليبراليون يرون الناس أحراراً فيما يأكلون ويشربون ويلبسون، فشرب العصير الطيب مثل شرب الخمر الخبيث طالما لم يتسبب في الإضرار بالغير، ولبس الحجاب ليس أفضل من لبس (البكيني) أمام الرجال بل ربما التعري عندهم في كثير من الأحيان أفضل، وأكل الحلال مثل أكل الحرام سواء، فالناس أحرار فيما يفعلون ولا يحق لكائن من كان سواء كان مفتياً أو مربياً أو داعياً الى الله أو واعظاً أن ينفر الناس أو يحرم عليهم ما يريدون!! فالحجاب الشرعي قطعة قماش لا أكثر مثل ملابس البحر العارية والفرق فقط في عادات ا لناس وأفكارهم.
( الليبراليون ) يرون أسوأ قاعدة إسلامية شرعية هي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لأنها تتصادم مع أساس مذهبهم وفكرهم، فالمعروف بالنسبة لهم هو ما يشتهيه الناس وما يريدونه وما يهواه الخلق ولو كان أفحش الفواحش، والمنكر عندهم هو ما لا يريده الناس ولا يوافق أهواءهم ورغباتهم، وهم مع هذا الفهم الشيطاني للمعروف والمنكر إلا أنهم لا يرون الأمر إلا بالمعروف عندهم الذي يخالف الشريعة ويفسد الفطرة ولا ينهون إلا عما يعتبرونه منكراً وهو ما وافق الشريعة والفطرة، فهم في الحقيقة يصدق فيهم قول الباري جل وعلا: والمنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
قد يستغرب البعض منا عندما يرى كاتباً يدعو للسماح بشرب الخمور علناً أو تقبيل الرجال والنساء علناً، أو يدعو لفتح حمامات السباحة المختلطة أو يمدح مهنة الدعارة والبغاء أو تخرج أكاديمية فتدعو للسماح بزواج المثليين أو غيرها من الدعوات، وهؤلاء بالرغم من وقاحة كلامهم إلا أنهم يعتبرون من الليبراليين الصريحين الذين لا يريدون التناقض مع مبادئهم ولا يريدون إخفاءها، أما ما نراه من ليبراليين متمسكين بجزء من الشريعة فيصلون في المساجد ويقرأون القرآن وعندهم بعض المظاهر الإسلامية ولا يدعون للفجور والشذوذ صراحة، فهؤلاء إما أن يكونوا جاهلين بمعنى الليبرالية الحقيقي، أو أنهم يفعلون هذا من باب العادات وموافقة الناس، أو قد يكون تلبيساً على المؤمنين كما يفعل المنافقون أو أنهم متناقضون في حياتهم وأفكارهم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فهم يعيشون حيرة وإضراباً، أما الليبرالية الحقيقية فهي تؤمن بما قدمته في مقالي وتعتقد به بلا ريب والليبراليون لا يتبعون إلا أهواءهم، قال تعالى: أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون.
|