مدخل أساس، وأصل لا معدل عنه : إصلاح العلاقة مع الله .. وأن يكون الله ورسوله أحبّ إليك ممّا سواهما : ( .. والذين آمنوا أشدّ حبّاً لله .. )، وهذا ما يغفل عنه أكثر الناس .. فالحبّ الأوّل والأكبر ينبغي أن يوجّه إلى الهي تعالى، ومن صدق في توجيه قلبه لله ملأ الله قلبه بحبّه والأنس به، ففاض حبّه على علاقته بالناس ..
فكّر دائماً : لماذَا تحبّ .؟ وما البديل عن الحبّ .؟ فالتفكير بذلك يجعلك تستحضر المعاني التي تحدّثنا عنها آنفاً .. كما أنّ التركيز على التفكير بالبديل عن الحبّ يجعلك تعتقد أنّ الحب ضرورة، وليس ترفاً ..
الحبّ روح تفيض من الداخل، وليس صورة متصنّعةً، أو مظاهر شكليّة، فالتصنّع لا يثمر ولا يدوم، والمظاهر لا تغني عن الحقائق ..
كْن واثقاً بنفسك، إيجابيّاً بعيد النظر، واحذر المتشائمين والمثبّطين، وما أكثر المعلّمين الذين يحملون روح التشاؤم، ويتقنون فنّ التثبيط، وينشرون ذلك في مجالسهم، ولا يتركون فرصة تمرّ دون ذلك .!
انقطع عن دنياك وهمومك الخاصّة، فكثيراً ما غلبت على المعلّم همومه الخاصّة وضغوطها، فانعكس ذلك على مواقفه وعلاقته مع طلاّبه ..
الحبّ كلمة وسلوك .. فاستحضر الحبّ ومتطلّباته في كلّ موقف .. واتّخذ للحبّ وسائله وأساليبه، ونمّ في نفسك ثقافته، وتفنّن في تطوير نفسك في هذا المجال ..
الحبّ عطاء بسخاء، فلا تبخل، ولا تنتظر من الناس جزاءاً ولا شكوراً .. فيكفيك أجر الله وجزاؤه ..
ابدأ علاقتَك التربويّة بالتعبيرِ عن الحبّ .. كما رأيت في خبر تلك المعلّمة المتميّزة، فهو استفتاح مبارك، ومقدّمة لا بدّ منها .. لأنّها تحدّد مسار سلوكك، وتقودك إلى متطلّباتها ..
الحبّ المطلوب والمظاهر المرفوضة :
الحبّ الذي نتحدّث عنه ونريده هو الحبّ الحكيم المتّزن، المقدّرُ بقدره، القائم على المنهج بأصوله ومبادئه، لا على دغدغة العواطف الآنيّة، أو المواقف المريبة .. إنّه عاطفة إنسانيّة سامية، وحبّ أبويّ، تمليه الرحمة والشفقة، بعيد عن أيّ شبهة أو ريبة، ولا بدّ من التنبيه عمّا قد يلتبس به الحبّ المطلوب من أمور تخرج به عن مساره، وتستغلّ شرف مكانته، ونبل دوافعه، فيكون منفذاً لسلوك مريب، ومدخلاً للنفوس المريضة، لتقف مواقف الريبة والتهم، وإن لم تقارفها، ومن هنا فقد وجب التنبيه والتأكيد على ضرورة بُعد المعلّم المربّي غاية البعد عن أيّ موقف أو تصرّف من هذا القبيل، وقد جاء في الأثر : " من سلك مسلك التهم اتّهم " و " من أقام نفسه مقام التهمة فلا يلومَنَّ من أساء الظنّ به "، وفي لفظ " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقفن مواقف التهم " ( ) .
فليراقب المعلّم المؤمن ربّه، وليحاسب نفسه، وليعلم أنّ الناقد بصير، وأنّ الله تعالى مطّلع خبير، لا تخفى عليه خافية، يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، وليحذر مداخل الريب، ومزالق التهم، فهو مهمّة الأنبياء، فلا يدنّسنّها بأفعال السوقة الأشقياء ..
وبعد ؛ فإنّ الاحتياج للحب أهمّ احتياجات الإنسان وأرقاها .. بل إنّه محور احتياجات الإنسان وقطب رحاها .. ( )، فكيف لا يوليه التربويّون الاهتمام المناسب، في وضع البرامج والمناهج، وإقامة الدورات التأهيليّة والتطويريّة .؟! وكيف لا ينال ما يناسب أهمّيّته وقدره من المعلّم الذي هو أهمّ إنسان في حياة الطفل بعد والديه .؟!
أيّها المعلّم المربّي عندما تتعامل مع الطفل والناشئ بالحبّ فأنت تزرع الحبّ في مجتمعه وأسرته، وفي سلوكه ومستقبله .. وحريّ بطفل تربّى بالحبّ أن يكون له في المستقبل عطاء لأمّته بلا حدود ..
ويتمّم رسالة التربية بالحبّ معان فاضت بها المشاعر منذ مدّة، يناسب أن ألحقها بهذه المقالة، راجياً من الله النفع والأجر ..
قد رأيتُ الحبَّ نُوراً ..
كُن مُحبّاً .. ألفَ مَرّه ..
ذاتَ صُبحٍ .. ذاتَ بُكرَه ..
قد رأيتُ الحبَّ سِرَّه
يَملأُ الكونَ جمالاً .. وَنُضاراً ومَسَرَّه
قد رأيتُ الحبَّ نُوراً .. عبقريَّ الوِردِ ثَرَّه
شَعَّ ألواناً حِسَاناً كشَفَت عن قلبِي ضُرَّه
لَفَّني مَنه سَناءٌ .. يتدلّى مِن مَجرّه ..
ودنا منّي يناجي .. وحباني منه فِكرَه
وجِبالُ الحبّ تجري .. ثمّ نادتني مُسِرّه :
كُن مُحبّاً .. كُن مُحبّاً ..
كُن مُحبّاً .. ألفَ مَرّه ..
كُن لهذا الكَونِ زَهرَه
كُن سُمُوّاً .. كُن علاءً ..
يعرف الأشرافُ قَدرَه ..
كُن كتاباً ..
يَتبارَى الكونُ نَشرَه ..
لا تُبالي مَن مَلا الأحقادَ صَدرَه
ربُّكَ الأعلى حَسِيبٌ يَكفِكَ الجبّارُ شَرَّه
لا تُخاصِم مَن تَباهى بالمَضرّه
لا تقف بين الدنايا .. كُن كلَيثٍ شَامَ هِرَّه
كُن كصَقرٍ يتسامى .. حَسبه الجوزاء فَخرَه
أنتَ أسمَى مِن حَسودٍ غِلُّه قد زادَ مَكرَه
أنتَ أزكى مِن لئيم يتَوَلّى أبا مُرّه ..
أنتَ أسمى من سفيه يقطع الأيّام حَسرَه
أنتَ أثرى من شحيح يجمع الأوهامَ عُمرَه
ازرعِ الحبَّ ابتساماً واملأ الأرجاء عِطرَه
ازرعِ الحبَّ عطاءً دُونَ مَنّ وَاجنِ خَيرَه
ازرَعِ الحبَّ وفاءً وتنسّم منه نَشرَه
ازرَعِ الحبَّ وحاذِر أن تَظُنَّ الحبَّ مَكرَه
فصَحَا قلبي سَعيداً ..
مذ حباه الحبُّ زَورَه
زال عنّي برؤاها ..
غُمّةٌ تهتِكُ صَبرَه ..
غَرّدَ القلبُ سُرُوراً .. ومَضَى يكتُبُ شِعرَه .
الدكتور عبد المجيد البيانوني