الدعاء عند نصف الليل
حدثنا عبد العزيز بن عبد الله: حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبد الله الأغر، وأبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة رضي الله عنه:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له)
هذا الحديث، حديث عظيم، ذكر بعض أهل العلم أنه بلغ حد التواتر ولا شك أنه حديث مستفيض مشهور، شرحه شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب مستقل لما فيه من الفوائد العظيمة.
ففيه ثبوت النزول لله سبحانه وتعالى، والنزول من صفات الله الفعلية وهذا النزول حقيقة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أضافه إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأنه أفصح الخلق كما قال الشاعر
وأفصح الخلق على الإطلاق .. نبينا فملعن الشقاق
وأنه أنصح الخلق، وأنه لا يساويه أحد من الخلق في النصيحة للخلق، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يريد للعباد أن يضلو بل يريد لهم الهداية.
فإذا قال ينزل ربنا، فأي إنسان يقول خلاف هذا اللفظ فقد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم، إما: بأنه غير عالم، أو بأنه لا يريد النصح للخلق، أو بأنه غير فصيح يعني عيي، يريد شيئاً ولا ينطق به.
هذا النزول هل يستلزم أن الله عز وجل يخلو منه العرش أو لا؟
الجواب: أصل هذا السؤال بدعة، وإيراده غير مشكور عليه مورده، لأننا نسأل هل أنت أحرص من الصحابة على فهم صفات الله، إن قال نعم فقد كذب وإن قال لا فقلنا فليسعك ما يسعهم فهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال. أنت مأمور أن تصدق الخبر.
أفضل السبل في هذا التوقف وعدم الخوض في هذا السؤال ثم أنه لا يخلو.
هل تقله السماء؟ ولكن هذا لا يكون لأنك لو قلت أن السماء تقله لزم أن يكون محتاج إليها، وهذا مستحيل والله تعالى غني عن كل شي.
هل السماء الثانية وما فوقها تكون فوق الله سبحانه وتعالى؟ لا، لأنه العلي، ولا يمكن أن يكون فوقه شيء.
الذي ينبهت من هذا هو الذي يقيس الله على خلقه، فلا تقول كيف ولما !!
هل يصح أن نقول للسائل هذا السؤال بدعة؟ نعم يصح، كما قال مالك لمن سأله، لأن الصحابة لم يسألوا هذا السؤال.
ولكن إذا كان الشخص يريد التبين لأنه يظن في الله ظنون غير صحيحة. وهذا يؤدي إلى التمثيل أو التعطيل، في هذه الحالة نبين له.
من المعلوم أن ثلث الليل ينتقل من مكان إلى آخر، فثلث الليل في الشرق غيره في الغرب، فكيف نوفق بين هذا وتقييد نزول الله عز وجل في ثلث الليل؟
هذا والحمدلله السؤال عنه بدعة!! كف عنه.
إذا كنت في أرض والوقت ثلث الليل فهذا وقت النزول وإن كنت في بلد والوقت وقت نهار فهذا ليس وقت نزول.
ولكن إذا كان لا بد من الإجابة فنقول ( ليس كمثله شيء) فهو في البلد التي فيها ليل نازل والتي تكون في النهار ليس نازل. وانتهينا ولا تقول لم أو كيف.
هل الذي ينزل هو الله عز وجل أو لا؟
ذكرنا أن الله عز وجل هو الذي ينزل وهكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله وأنصح الخلق وأفصح الخلق وأصدق الخلق.
لكن قال بعض الناس إن الذي ينزل امر الله وقال آخرون الذي ينزل رحمة الله وقال آخرون الذي ينزل ملك من ملائكة الله######
وهذا كله باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفصح الخلق ولو كان المراد أن ينزل أمره أو رحمته أو ملكه فإنه يتهم الرسول صلى الله عليه وسلم ملبس على الأمة ويغش الأمة، فإذاً الذي ينزل هو الرب عز وجل.
والذي يقول لمثل هذا التحريف تأويل، فكل تأويل لا يدل عليه دليل هو تحريف.
أمر الله لا ينتهي بالسماء الدنيا (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) وهذا ليس السماء الدنيا فقط، وفي هذا بطل تفسير أن أمر الله الذي ينزل.
ورحمة الله تنزل في كل وقت إلى الأرض وما الفائدة إذا كانت الرحمة لم تصل إلى الأرض؟ فبطل تفسير الرحمة.
هل يمكن للأمر أو الرحمة أن تقول: من يدعوني فاستجيب له##
الذي يقوله الله عز وجل
أما ملك من ملائكتي، فإن الملك إذا نزل إلى السماء الدنيا لا يمكن أن يقول من يدعوني وإذا قال ذلك، صار مشركاً لأن الذي يقول _أمن يجيب المضطر إذا دعاه_ هو الله عز وجل.
وبهذا بطل تحريف هذا الحديث إلى هذه المعاني.
وتحريف نصوص الصفات من القرآن والسنة يجرى فيها هذا المجرى يعني كل التحريفات إذا تأملتها وجدت أنه يترتب على تفسيراتهم من المفاسد أضعاف ما يترتب على المفاسد التي توهموها لو أجروا اللفظ على ظاهره ولهذا نجد الصحابة رضي الله عنهم سلموا من هذا.
ملاحظة: الأحكام يمكن للعقول الدخول فيها لكن صفات الله طريقها الخبر المجرد فلا تلقي لصفات الله نفياً أو إثباتاً إلا الكتاب والسنة.
(ويبقى وجه ربك) إذا قال قائل لا أثبت الوجه حقيقة لأن ظاهره التمثيل، نقول أنت كاذب لأن الله تعالى لم يذكر وجهاً مطلقاً ولكن ذكر وجهاً مضافاً، فالتمثيل باطل لأن الصفات مضافة لله عز وجل.
فهل يد الفيل كيد الهرة؟
فلا يمكن أن تفهم من قول القائل يد فيل أنها كقول القائل يد هر، فكيف تفهم إذا قيل يد الله أنها كيد زيد وعمرو؟
فكل من قال أن ظاهر نصوص الصفات التمثيل فإنه كاذب، كاذب سواء تعمد الكذب أو لم يتعمده.
ثم هناك آية تمحي كل ما ادعي أنه تمثيلاً وهي (ليس كمثله شيء) فلا تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض. فوجه الله ليس كمثله شيء.
كما يؤمن الإنسان بأن الخالق هو الله يؤمن بأن النازل هو الله لأن الخلق أضيف إلى الله كما أضيف النزول.
أما قوله: من يدعوني فاستجيب له: ففي هذا إثبات القول لله وأنه بحرف وصوت.
من يدعوني: حروف أم لا؟ حروف
والقول لا بد أن يكون بصوت وإن كان من بعد سمي نداءً ومن قرب نجاء.
ونحن لا نسمع هذا القول؟ فنقول: أخبرنا الذي من قوله عندنا أشد يقيناً من سمعنا، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم.
الدعاء أن تقول يارب
أسألك الجنة (على سبيل المثال): هذا سؤال
يارب اغفرلي: هذا استغفار
اذا قال القائل: اللهم إني أسألك الجنة _هذا دعاء وسؤال_ الدعاء: اللهم، لأن أصلها: يا الله.
##اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم## هذا الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر
فيه دعاء واستغفار وسؤال.
من في من يستغفرني ومن يسألني: والمراد به التشويق، وليس الاستخبار، لأن الله تعالى يعلم كل شيء.
وفي هذا الله تعالى يشوق عباده أن يدعوه ويستغفروه ويسألوه. وفي هذا غاية الكرم والجود أنه سبحانه وتعالى هو الذي يشوق عباده إلى سؤاله ودعاؤه ومغفرته. كقوله _يا أيها الذين آمنو هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم_ ففيه التشويق والرفق والرقة. ولم يقل يا أيها الذين آمنو آمنو بالله وإن كان قاله في آية أخرى لأن المقام يقتضي ذلك.
المهم أن في هذا الحديث وأمثاله من كرم الله عز وجل ما هو ظاهر لمن تأمله وأهم شيء في ما تكلمنا عليه مسألة الصفات فأنا أكرر أن تلتزموا فيها ما التزمه السلف وأن لا تحيدوا فيها يميناً ولا شمالاً وأن لا تسألوا ما لم يسأل عنه السلف لأن في ذلك تنطع وابتداع.
فإن الإنسان كل ما تعمق في هذه الأمور، أخشى أن ينقص في قلبه من إجلال الله وتعظيمه بقدر ما نقص من هذا التعمق في البحث في هذه الأمور.
ملاحظة: صفات النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الشرح، أنه أعلم الخلق وأفصح الخلق وأنصح الخلق وأصدق الخلق، هي مقومات قبول الخبر.
الصفات الفعلية من الصفات المتعلقة بمشيئة الله
والصفات الاسمية هي اللازمة لله عز وجل.
يتبع
باذن الله