القسم الأول : الاقتصاد كعلم أو مذهب ماهو المذهب الاقتصادي؟ وماهو علم الاقتصاد؟ لابد من التنويه بأن لعلم الاقتصاد، خلافاً لبقية العلوم الطبيعية، تعريفين أو أكثر، تختلف باختلاف المذهب الاقتصادي الذي يراد تطبيقه. وسنتناول أولاً التعريف بشكل عام. فعلم الاقتصاد: هو العلم الذي يتناول تفسير الحياة الاقتصادية وأحداثها وظواهرها، وربط تلك الأحداث والظواهر بالأسباب والعوامل العامة التي تتحكم بها. وأما المذهب الاقتصادي: فهو عبارة عن النهج، الذي يفضل القائمون على تفسير الحياة الاقتصادية، -بالطريقة التي يتبعونها- تطبيقه في حياة المجتمع، وحل مشاكله العلمية والعملية وبتعبير آخر: العلوم الاقتصادية: هي دراسات منظمة للقوانين الموضوعية التي تتحكم في المجتمع في حياته الاقتصادية، والمذهب الاقتصادي هو عبارة عن نهج خاص للحياة، يطالب أنصاره بتطبيقه لتنظيم الوجود الاجتماعي على أساسه، بوصفه المخطط الأفضل الذي يحقق للإنسانية ماتصبو إليه من رخاء وسعادة على الصعيد الاقتصادي. وعلى هذا، فالمذهب هو دعوة عمل وتصميم، والعلم كشف أو محاولة كشف عن حقيقة وقانون. لهذا السبب كان المذهب عنصراً فعالاً وعاملاً من عوامل الخلق والتجديد، وأما العلم فهو يسجل مايقع في مجرى الحوادث الاقتصادية كما هو دون تصرف أو تلاعب. وعلى هذا الأساس، فقوانين المادية التاريخية علم، والنهج الاشتراكي مذهب -حسب ماركس- والقوانين الطبيعية علم، والنهج الرأسمالي مذهب -حسب آدم سميث وريكاردو-. إلا أنه إذا تبين لنا -كما تبين لدى قسم كبير من الباحثين العصريين- أن ماركس لم يكن على صواب في تفسير المادية التاريخية والقوانين الطبيعية التاريخية، بل إنه تصرف بها وأخذ منها ما يناسبه، وأن آدم سميث وريكاردو قد حصرا القوانين الطبيعية في ظل النظام الحر المطلق، أي أنها ليست كالقوانين الطبيعية في الفيزياء والكيمياء، تطبق في كل مجتمع، وكل زمان ومكان، وهي بذلك لاتتصف بصفة العلم، أدركنا أن الاقتصاد كعلم ليس له أساس موضوعي، فلم يبق إذاً إلا الاقتصاد كنهج. إن ماقصد إليه النهجان -في الواقع- من إصباغ صفة العلم على نهجيهما، هو التدويل لكل نهج من جهته، وجعله صالحاً لتطبيقه لكل شعب على وجه الأرض، ولكل زمان ومكان، بغية مد هيمنته وسيطرته على العالم أجمع* . أما وقد أثبت النظام الماركسي فشله على أرضه بالذات في عمر لم يتعد النصف قرن، وتربع الثاني وحده على عرش متداعي الأركان لسوف لايطول به العهد أيضاً لسنوات، فإن ماكان أساسه هشاً لايؤمل له الصمود "وإن للباطل جولة ثم يضمحل....". * وإلا كيف قامت قبلهما حضارات يعجز اللسان عن وصفها، وكيف استثمرت خلالها ثروات الأرض بشكل يفوق ماهو عليه الآن إتقاناً، وجودة، ومتانة؛ وكيف ساهمت كافة الشعوب في ذلك حسب إمكاناتها وعلومها وثقافاتها وتراثها -دون أن توصم بالمتخلفة- ودون قوانين المادية التاريخية في النظام الماركسي، وقوانين العرض والطلب في ظل الحرية. المطلقة في النظام الرأسمالي؟!....
__________________
عندما يعلن بعض العلمانيين انكارهم لوجود الله أصلا, فلم يعد هناك مجال للكره, بل أتبرى منها و ألعنها. عندما يعلن بعضهم أن الله موجود و لكن اختصاصاته لا علاقة لها بحياة الانسان, هنا أيضا أنا أتبرى و ألعن ..عندما تصبح الفلسفة النفعية البراغماتية ركيزة للعلمانية, و مبادئ الميكافيلية روحا لها, هنا أغلق الباب في وجها..عندما تدعو الى فصل الدين عن الدولة و السياسة, و تقيم العالم على أساس مادي قبيح, هنا أحس بمدى خبث سريرتها
|