إن تاريخ الإشاعة قديم قدم الإنسان، وقد تطورت، وترعرعت مع تطور الحضارات القديمة، والحديثة؛ فقد استخدمها المصريون، والصينيون، واليونان في حروبهم قبل الميلاد بآلاف السنين للتأثير على الروح المعنوية للعدو، وقد ذُكر في كتاب الله عز وجل نماذج من تلك الشائعات؛ فمنذ فجر التاريخ؛ وبقراءة في تاريخ الأنبياء عليهم السلام، وقصصهم نجد أن كلاً منهم قد أثير حوله الكثير من الإشاعات من قبل قومه، ثم يبثونها، ويتوارثونها أحياناً.
ولا شك أن تلك الإشاعات كان لها الأثر في بعض المعوقات في طريق دعوة أولائك الأنبياء والرسل؛ فهذا نوح عليه السلام اتهم بإشاعة من قومه؛ بأنه يريد أن يتفضل عليكم؛ أي يتزعم، ويتأمر، ثم يشاع عنه أنه ضال: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)، وثالثة يشاع عنه الجنون: (وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ).
وهذا نبي الله هود عليه السلام يشاع عنه الطيش، والخفة؛ كما قال تعالى: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنْ الْكَاذِبِينَ)، ومرة يشاع عنه أنه أصيب في عقله: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)..
ثم هذا موسى عليه السلام يحمل دعوة ربه إلى فرعون وملئه وقومه؛ فيملأ فرعون سماء مصر، ويسمم الأجواء من حوله؛ بما يطلق عليه من شائعات؛ فيقول: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ).. ومما قال فرعون أيضاً: (أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى).. وبرغم هذه الأراجيف والأباطيل والشائعات من حول موسى عليه السلام فإن الحق ظهر، واكتسح في يوم المبارزة ما صنع السحرة؛ وألقي السحرة ساجدين؛ فبُهت فرعون أمام هذا المشهد، لكن أسعفته حيلته، ودهاؤه؛ بأن يلجأ من جديد إلى تلفيق الإشاعات؛ فنسب إلى موسى أنه كان قد رتب الأمور مع السحرة، وأن سجودهم، وإيمانهم محض تمثيل، واتفاق؛ لمآرب يحققونها جميعاً: (إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي المَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).. وقال سبحانه حكيا عن فرعون قوله: (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ)..