القومية العربية
*اليقظة العربية
إذا كان القرن التاسع عشر قد شهد استعمار معظم البلاد العربية .. فانه قد شهد كذلك يقظة أسهمت إسهاما كبيراً في دعم حركته الوطنية التحررية … وفي الدعوة إلى تضامنه .. وإلى إقامة وحدة عربية .
وقد أدت هذه الحركة والدعوات إلى مقاومة الدول الكبرى الطامعة في البلاد العربية …… بل ومقاومة الدولة العثمانية التي كانت تسيطر على البلاد العربية خاصة الشام والعراق والجزيرة العربية .
ويجدر بنا قبل أن نتناول مظاهر اليقظة العربية أن نتعرف أولاً على القومية العربية .
*القومية العربية
*كيف نبتت فكرة القومية العربية عند العرب في العصر الحديث ؟
ومتى شعر العرب بأن لهم قوميه تميزهم عن القوميات المجاورة(الإيرانية - التركية ) رغم وجود رابطة الدين الواحد معهم ؟
للإجابة على هذه الأسئلة يجب الإشارة إلي فترة الحكم العثماني للبلاد العربية ..
-فقد سيطر العثمانيون على الوطن العربي من مطلع القرن السادس عشر .. وتفاوت حكمهم للمنطقة العربية بين الحكم المباشر والحكم غير المباشر .
-ثم بدأت بعض أجزاء الوطن العربي تخرج من تحت السيطرة العثمانية لحساب قوى أخرى
فانفرد محمد على بحكم مصر سنة 1805 م إلى أن احتلتها إنجلترا سنة 1882 م
واحتلت فرنسا الجزائر 1830م واحتلت تونس سنة 1881 م
وفرضت إنجلترا سيطرتها على ساحل عمان (الخليج العربي) منذ سنة 1820م . واحتلت عدن سنة 1839 م.
ولم يبق تحت السيطرة المباشرة العثمانية سوى بلاد الشام والعراق .
*وفي الشام (سوريا الكبرى) على وجه الخصوص نبتت فكرة القومية العربية أو العروبة خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر. لماذا ؟
كانت الدولة العثمانية منذ أواخر القرن التاسع عشر قد تدهورت أحوالها ..وأصبحت تعانى من أطماع الدول الأوربية وأطلق الأوربيون عليها لقب (رجل أوربا المريض) الذي ينتظر الجميع سقوطه لتقسيم أملاكه فيما بينهم .
5- وفي مواجهة الأطماع الأوربية لجأ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني إلي تبنى فكرة (الجامعة الإسلامية) لتوحيد شعوب الدولة تجاه أوربا .. إلا أن مشاعر الكراهية ضد الحكم العثماني كانت تمكنت من العرب لأسباب منها :
-تعطيل الحكم الدستوري في الدولة
-تدخل الدولة في شؤون الولايات لمراقبة الحركات المعارضة لها
وقد أدى هذا الوضع إلي مناقشة المثقفين العرب في بلاد الشام لطبيعة الحكم العثماني وانقسم المثقفون إلي فريقين :
-الفريق الأول :
ويتمسك بالدولة العثمانية (جامعة الإسلام ووريثة الخلافة) .. ومعظم هذا الفريق من العرب المسلمين ويطالبون بإصلاح أوضاع البلاد العربية ومراعاة حقوق العرب . وعارض بعضهم فكرة الخلافة لأنها لا تقع إلا في نسب قريش والأتراك بعيدين عن هذا النسب وقد تبلور هذا الفريق حول كتاب (أم القرى) الذي ألفه (عبد الرحمن الكواكبي ) داعيا فيه إلي إقامة خلافه عربية في مكة المكرمة .
-الفريق الثاني :
ويمثله العرب المسيحيون الذين قرأوا التاريخ قراءة غير ذاتية … واكتشفوا أن الحضارة العربية امتدت بالإسلام إلي بقاع كثيرة وأن المسيحيين اسهموا في بنائها … ولا يجب أن ينفصل المسيحيون مكونين قوميه مسيحية بل يجب أن يندمجوا مع المسلمين تحت لواء العروبة ضد الوجود العثماني .. وقد دعم هذا الفريق عروبة المسيحيين بتعريب نظام الكنيسة وأقامه الشعائر باللغة العربية سنة 1899 م في الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستنتينية وتبلور هذا الفريق حول كتاب (يقظة الأمة العربية ) الذي ألفه (نجيب عازورى ) ودعا فيه إلي انفصال الولايات العربية عن الدولة العثمانية .. وان تتكون من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين دولة موحدة وأن تكون الحجاز فقط مقر لخلافة إسلامية عربيه . مثل الفاتيكان في أوربا .
*التيار القومي العربي
- وقد فرض التيار القومي العربي نفسه بواقعية ملحوظة .. ومر بمرحلتين :
-المرحلة الأولى : خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى 1908م:
- المرحلة الثانية من عام 1908 م: حتى الحرب العالمية الأولى 1914م
المرحلة الأولى:
1-وفيها اقتصر الأمر على إثارة الوعي القومي العربي أدبياً وثقافيا .. وقام المسيحيون العرب بهذا الدور باعتبار الحركة القومية هي القطب المعادل للحركة الإسلامية التي تستبعد غير المسلمين .
ونتيجة إهمال العثمانيين للغة العربية .. قامت الإرساليات التبشيرية في الشام من الكاثوليك والبروتستانت باستخدام اللغة العربية فزاد الاهتمام بها .
2- وفي فترة الحكم المصري (1832 - 1840 م) شجع إبراهيم باشا نشاط البعثات التبشيرية واستمر نشاطها بعد زوال الحكم المصري .. وفتحت الإرسالية الأمريكية المدارس في لبنان 1866 م (الجامعة الأمريكية في بيروت فيما بعد)
*الطور العربي للحركة القومية العربية :
-يلاحظ أن فكرة القومية العربية تأثرت أول الأمر بالأدب بصفة عامة شأنها شأن بقية الحركات القومية في الشرق والغرب . وقد ظهرت في شكل إحياء اللغة العربية وآدابها القديمة وبعث التراث العربي الفكري .
-وقد ظهر ذلك واضحاً في تاريخ (البستاني) الذي قام بما يلي :
-حارب التعصب الدينى الذي ظهرت مساوئه أيام مذابح لبنان
-أنشأ جريدة (نفير سورية)
-أنشأ المدرسة الوطنية التي هاجمت التعصب الديني وتخرج منها جيل وطني يعتز بعروبته
-أصدر جريدة (الجنان) وجعل شعارها (الوطنية من الإيمان )
-وفي هذه المرحلة أنشئت جمعية الآداب والعلوم في بيروت سنة 1847م وانصب نشاطها على الإفادة من التراث العربي
-ثم أنشئت الجمعية العلمية السورية سنة 1857م وكانت تضم بين أعضائها المسلمين والمسيحيين والدروز .
*الطور السياسي للحركة القومية العربية :
-تطور الحركة العربية من هذا الطور الأدبي إلي طور العمل السياسي .. وقد تمثل في جمعية بيروت السرية سنة 1875م وقد تكونت على يد خمسة شبان من خريجي الكلية البروتستانتية .
-وقد قامت الجمعية بأول عمل ثوري في هذه الفترة وتضمنت منشوراتها السرية :
-مساوئ الحكم التركي
-الدعوة لقيام نظام الحكم الذاتي لسوريا ولبنان