الموضوع: حد الرده
عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 01-07-2011, 05:50 AM
Khaled Soliman Khaled Soliman غير متواجد حالياً
معلم أول أ لغة إنجليزية
 
تاريخ التسجيل: Feb 2009
المشاركات: 9,294
معدل تقييم المستوى: 26
Khaled Soliman has a spectacular aura about
افتراضي

الفصل الرابع: الرد على الشبهات حول حد المرتد:
الشبهة الأولى: الاحتجاج بأن حد الردة لم يذكر في القرآن:
والجواب من أوجه:

الأول:
أن عدم ذكره في القرآن ليس بقادح ولا يسقط العمل به لأن معظم الشريعة قامت على السنة، وقد أوضح العلماء هذا بما لا مزيد عليه، ولكاتب هذه المقال رسالة بعنوان: "مكانة السنة في الشريعة الإسلامية".

وهذا الوجه وحده كاف في نقض هذه الشبهة التافهة، ومما يدل على بطلان هذه الشبهة أن هذا لم يورده أحد من أهل العلم سوى بعض المتأخرين ممن فسدت عقولهم وأفكارهم وهم ليسوا من أهل العلم لا من قريب ولا من بعيد.

والله تعالى لم يذكر في كتابه الكريم حد شرب الخمر وأنه يعاقب عليه وإنما ذكر تحريمه، ولم يذكر أن عقوبته أربعون جلدة أو ثمانون جلدة، لكن هذا لم يكن مانعاً من ذكر العلماء لحد الخمر في كتب الحدود لأن السنة وردت به والسنة حجة كالقرآن عند أهل العلم بل عند المسلمين كلهم.

وكذلك ليس هناك دليل على أن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان الستة، وإن كان القرآن قد دل على وجوب الإيمان بالقدر كما في قوله تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وقوله تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) وأمثالها من الآيات، لكن لم تذكر الآية أنه من أركان الإيمان، وإنما أشارت الآية إلى غيره من الأركان كقوله تعالى: (ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً) فهل يؤمن هؤلاء الصحفيون بأركان الإيمان الستة أو أن أمزجتهم لا تقبل هذا ؟

الثاني:
أن القرآن يشير من إلى حد المرتد فلا يحتج أحد بعدم وروده في القرآن، وقد تقدم الكلام على ذلك.
الثالث:
أن ذكر القرآن الكريم لحد القتل قصاصاً يدل بالأولوية على حد الردة، لأن حفظ الدين أولى من حفظ النفوس.



الشبهة الثانية: إن الإسلام يقرر حرية اختيار الدين، فالإسلام لا يكره أحداً على أن يعتنق أي دين يقول الله تعالى: (لا إكراه في الدين):
أما الآية وهي قوله تعالى: (لا إكراه في الدين)، فهي في الكافر الأصلي الذي لم يدخل الإسلام أصلاً، وقد جاء في تفسير هذه الآية قولان للمفسرين:

أحدهما: أنها منسوخة بآيات القتال، فلا تكون معارضة للحديث، وعلى القول بنسخها فإنه يكره جميع الكفار على الإسلام.
والقول الثاني: أنها محكمة غير منسوخة، وأنها نزلت في اليهود والنصارى والمجوس، وهم من تؤخذ منهم الجزية، وأنهم لا يكرهون على الإسلام إذا بذلوا الجزية، وأما المشركون والكفار فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو يقاتلون، لأنهم الذين نزل فيهم قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين)، وهذا قول أكثر المفسرين، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وآخرين منهم: سعيد بن جبير ومجاهد والشعبي وقتادة والحسن والضحاك.

وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن هذه الآية نزلت فيمن دخل اليهودية من أبناء الأنصار أنهم لا يكرهون على الإسلام. رواه أبو داود في "سننه".
وهذا القول رجحه شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، وعلى القول بأن الآية على عمومها فالمرتد مخصوص من الآية.
وسئل الشيخ الفوزان في "المنتقى": (ما مدى صحة الحديث القائل: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه الإمام البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما معناه وكيف نجمع بينه وبين قوله تعالى: "لا إكراه في الدين) وبين قوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" وبين الحديث القائل: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل" وهل يفهم أن اعتناق الدين بالاختيار لا بالإكراه ؟
فأجاب بقوله:
أولا:
الحديث "من بدل دينه فاقتلوه" حديث صحيح رواه البخاري وغيره من أهل السنة بهذا اللفظ: "من بدل دينه فاقتلوه".
وأما الجمع بينه وبين ما ذكر من الأدلة فلا تعارض بين الأدلة ولله الحمد، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عباس رضي الله عنهما" في المرتد الذي يكفر بعد إسلامه فيجب قتله بعد أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وأما قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" فلا تعارض بين هذه الأدلة، لأن الدخول في الإسلام لا يمكن الإكراه عليه، لأنه شيء في القلب واقتناع في القلب، ولا يمكن أن نتصرف في القلوب وأن نجعلها مؤمنة، هذا بيد الله عز وجل هو مقلب القلوب، وهو الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء سبحانه.

أما المرتد فهذا يقتل، لأنه كفر بعد إسلامه، وترك الحق بعد معرفته، فهو عضو فاسد يجب بتره، وإراحة المجتمع منه، لأنه فاسد العقيدة ويخشى أن يفسد عقائد الباقين، لأنه ترك الحق لا عن جهل، وإنما عن عناد بعد معرفة الحق، فلذلك صار لا يصلح للبقاء فيجب قتله، فلا تعارض بين قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" وبين قتل المرتد، لأن الإكراه في الدين هنا عند الدخول في الإسلام، وأما قتل المرتد فهو عند الخروج من الإسلام بعد معرفته وبعد الدخول فيه.

على أن الآية قوله تعالى: "لا إكراه في الدين" فيها أقوال للمفسرين منهم من يقول: إنها خاصة بأهل الكتاب، وأن أهل الكتاب لا يكرهون، وإنما يطلب منهم الإيمان أو دفع الجزية فيقرون على دينهم إذا دفعوا الجزية، وخضعوا لحكم الإسلام، وليست عامة في كل كافر، ومن العلماء من يرى أنها منسوخة.

ولكن الصحيح أنها ليست منسوخة، وأنها ليست خاصة بأهل الكتاب، وإنما معناها أن هذا الدين بين واضح تقبله الفطر والعقول، وأن أحدا لا يدخله عن كراهية، وإنما يدخله عن اقتناع وعن محبة ورغبة، هذا هو الصحيح). أ.هـ مختصراً.

الشبهة الثالثة: أن المرتد يقتل إذا كان معتدياً محارباً، وهذه هي الردة المغلظة لا الردة المجردة:
والجواب من أوجه:
الأول:
أن هذا القيد لم ينزل الله به من سلطان، ولا دليل عليه من الكتاب أو السنة مع القائل، وعمومات النصوص تدل على خلاف هذا.
الثاني:
أن هناك من قتل بحد الردة لأنه كفر كما فعل علي وغيره، وكما فعل الرجل الأعمى.
الثالث:
أن حد الردة واجب للردة نفسها لا لشيء آخر غيرها، سواء كان مستقلاً أو يكون قرينها في التسبب بالقتل، ولذلك علق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم بمجرد التبديل فقال: (من بدل دينه فاقتلوه) رواه البخاري.
قال شيخ الإسلام رحمه الله في "الصارم المسلول":
(الردة على قسمين: ردة مجردة، وردة مغلظة شرع القتل على خصوصها، وكلتاهما قد قام الدليل على وجوب قتل صاحبها، والأدلة الدالة على سقوط القتل بالتوبة لا تعم القسمين، بل إنما تدل على القسم الأول - أي : الردة المجردة -، كما يظهر ذلك لمن تأمل الأدلة على قبول توبة المرتد، فيبقى القسم الثاني - أي: الردة المغلظة - وقد قام الدليل على وجوب قتل صاحبه، ولم يأت نص ولا إجماع بسقوط القتل عنه، والقياس متعذر مع وجود الفرق الجلي، فانقطع الإلحاق، والذي يحقق هذه الطريقة أنه لم يأت في كتاب ولا سنة ولا إجماع أن كل من ارتد بأي قول أو أي فعل كان فإنه يسقط عنه القتل إذا تاب بعد القدرة عليه، بل الكتاب والسنة والإجماع قد فرق بين أنواع المرتدين).

ومن هنا يتبين أن تقسيم الردة إلى قسمين: ردة مجردة وردة مغلظة تقسيم صحيح باعتبار أن الردة المغلظة لا يعفى عن صاحبها كما يظهر من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وليس المراد من هذا التقسيم حصر إقامة الحد بصاحب الردة المغلظة فقط.
الشبهة الرابعة: أن حديث: (من بدل دينه فاقتلوه) ليس نصا في ردة المسلم, وإنما هو عام في كل رجل بدل دينه، كما لو بدل يهودي دينه إلى النصرانية، بل من يشمل من خرج من الكفر إلى الإسلام.


والجواب من وجهين:
الأول:
أن الحديث لا يتناول إلا المسلم الذي خرج من دينه ودخل في الكفر، لأن دينه الإسلام هو الدين الحق وغير دين الإسلام باطل، فإن الله يقول: (ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب) ويقول: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) ويقول: (إن الدين عند الله الإسلام) وقال الله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم) فسمى الله ما هم عليه أهواء وليست ديناً فلم يقل: (ولئن اتبعت دينهم) لأن دينهم باطل، وإن أطلق على عقائدهم في بعض المواضع أنه دين باعتبار ما يظنونه.

وعليه فالحديث مقتصر على من خرج من الإسلام، ولا يشمل من خرج من دين مبدل إلى آخر، وفهم سلفنا الصالح لهذا الحديث وغيره يدل على ذلك.

قال الحافظ في "فتح الباري": (فوضح أن المراد من بدل دين الإسلام بدين غيره لأن الدين في الحقيقة هو الإسلام قال الله تعالى ان الدين عند الله الإسلام وما عداه فهو بزعم المدعي) أ.هـ
وقد جاءت رواية قد أخرجها الطبراني في "الكبير" من حديث ابن عباس مرفوعا: (من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه).
فصرح بدين الإسلام، لكن قال الهيثمي في "مجمع الزوائد": (رواه الطبراني وفيه الحكم بن أبان وهو ضعيف).

الثاني:
حتى لو قلنا بالعموم فإن القول بالعموم لا يسقط الحد، فإنه لم يعتبر أحد أن عموم الحديث سبب لترك العمل به، وقد ذهب بعضهم إلى تعميم الحديث وأوجب من خرج من أي دين إلى أي دين وهذا هو قول لمالك، وإن لم يكن هو الصواب.
قال ابن عبد البر في "التمهيد": (وأما من خرج من اليهودية أو النصرانية أو من كفر إلى كفر فلم يعن بهذا الحديث، وعلى قول مالك هذا جماعة الفقهاء...وحكى عنه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أن الذمي إذا خرج من دين إلى دين كان للإمام قتله بظاهر الحديث والمشهور عنه ما قدمنا ذكره من رواية المزني والربيع وغيرهما عنه).
فذهب بعضهم إلى تعميم الحديث ولم يقل أحدهم إن تعميم الحديث مانع من القول به.
رد مع اقتباس