(وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الآية 46 من سورة الأنفال
حينها كان علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم و أحد أعمدة الجهاد ممن أزال أمر الشرك و أبدله هدى و نور بأمر الله خليفة المسلمين.
يتغير زمن البراءة و ابتغاء مرضاة الله أولًا و تتغير مبادىء البشر فهم يعمرون الدنيا أكثر من الآخرة ، يزرع الشيطان في أرضهم بذور الخلاف فتزهر الحروب و يذوي الأمان. ينقسم المسلمون لمعسكرين ، أحدهما يناصر الخليفة الشرعي علي ابن أبي طالب و الآخر يناصر معاوية بن أبي سفيان والي الشام الذي يحشد البشر تجاه الدنيا و يغدق عليهم العطايا ، يناصف هذا المعسكر أيضًا داهية العرب عمرو بن العاص.
في جو ملبد بغيوم الخراب ينتصر سيف علي و تنتصر حجته و ينتصر منطق الآخرة و النصر حليف الإيمان أينما كان ، في غمرة انتصار علي يخرج عمرو على الناس بفكرة تحكيم كتاب الله فيرفع جنوده المصاحف على أسنة الرماح مطالبين بالتحكيم.
أدرك علي الحصيف محاولة عمرو تجريده من النصر الذي أحرزه كما أدرك أن حيلة التحكيم قد انطلت على معسكره.
يبعث معاوية بن أبي سفيان عمرو بن العاص من جانبه ليفاوض أبا موسى الأشعري من طرف علي بن أبي طالب على ما فيه صلاح أمر المسلمين، لا لم يختر علي أبا موسى بل فُرض عليه من قبل أنصار علي. ظن علي أن أبا موسى رجل واضح و كبير في السن لا يجيد مناورات عمرو المعقدة .
يبدأ التحكيم و يبنتهي بأن يتفق الحكمان فيما بينهما أن يخلع كل منهما صاحبه (أي ينهيا حكم علي و معاوية) و يتركان للناس أن يختاروا غيرهما.
تقدّم أبو موسى الأشعري من الجموع التي تنتظر نتيجة التحكيم قائلًا :
"نخلع عليا ومعاوية ونستقبل الأمة بهذا الأمر فيولّوا منهم من أحبّوا عليهم .. وإني قد خلعت علياً ومعاوية فاستقبلوا أمركم وولّوا عليكم من رأيتموه لهذا الأمر أهلاً ".
وتلاه عمرو فقال: "... إن هذا قال ما سمعتم وخلع صاحبه ، وأنا أخلع صاحبه(أي عليًا) كما خلعه ، وأثبِّت صاحبي معاوية ".
تنتشر البلبلة في صفوف معسكر علي و يتفرق عنه الناس و تقع بينهم الفتنة. يزداد معاوية و صحبه رضا عن أنفسهم.
هذا الذي بدأ منتصرًا فتت الخلاف شمل أصحابه فزالت الخلافة الراشدة حيث الخليفة راعٍ لمصالح المسلمين عامة و له الطاعة ما دام يطيع الله و انتهى أمر الناس بعد ذلك إلى ملك عضود أولوياته بقاء الأسرة الحاكمة و سيادتها على البشر و الموارد بأي زعم كان ، يصيب النخر الأمة حتى تزول عن خلافة الأرض و يستبدلها الله بأمم شابة وعت بعض دروس التاريخ.
غيروا اسمي علي و معاوية و غيروا المناصب على مر العصور حتى الآن ، يبقى الثابت : (لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم).
|