الموضوع
:
كلمات تصنع حياتك
عرض مشاركة واحدة
#
2
06-07-2011, 06:29 PM
الاستاذ محمد الطنطاوى
مدرس كيمياء ثانوى
تاريخ التسجيل: Jul 2008
المشاركات: 2,812
معدل تقييم المستوى:
0
حياتك (3)
كلماتك تصنع حياتك (3)
(2) كلماتك تصنع حياتك
لأنها تؤثر وتغير فى المشاعر بل وفى القرارات
نعم الكلمات تغير من مشاعرنا بل ومن قراراتنا وإليكم هذين الموقفين الرائعين:
الموقف الأول
?
رجل أعمى يجلس بجوار عمارة واضعاً قبعته بين قدميه ووضع بجواره لافتة مكتوب عليها (أنا أعمى أرجوكم ساعدونى).. مر رجل إعلانات بالأعمى ونظر فى قبعته فلم يجد بها سوى قروش قليلة فوضع فيها المزيد ودون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وكتب إعلاناً آخر.. ثم مضى وعاد فى نهاية اليوم فوجد أن قبعة الأعمى قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية.. الأعمى عرف الرجل من وقع خطواته فسأله إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة؟ فقال له: نعم. فسأله ماذا كتبت عليها؟ فأجاب لا شئ غير الصدق فقد أعدت صياغتها فحسب وابتسم وذهب..لم يعرف الأعمى ما كتب عليها.. لكننا الآن نعرف.. أتدرون ماذا كتب عليها؟ لقد كتب (نحن فى فصل الربيع.. لكننى لا أستطيع رؤية جماله).
ولو تأملنا هذا الموقف لوجدنا أن الأعمى لم يتغير.. والمكان لم يتغير.. والقبعة لم تتغير.. وشكل اللوحة لم يتغير.. والناس لم تتغير.. ما الذى تغير إذن؟ ما الذى جعل مشاعر الناس وقراراتهم تتغير؟ ما الذى جعل شخصاً يمر صباحاً ولا يضع شيئاً ثم هو هو من يضع فى المساء؟
لم يتغير شئ أيها الأحبة إلا
«الكلمات »
.. فالجملة الأولى كانت جملة تسول عادية لا تجذب الكثيرين أما الجملة الثانية فكانت أكثر جذباً للانتباه كما أنها لم تكن تقليدية..
تغير الكلمات أدى إلى تغير المشاعر وتغير القرارات.. وهكذا دائماً الكلمات لديها القدرة على تغيير المشاعر وتغيير القرارات.
--------------------
الموقف الثانى
?
بعد غزوة حنين كانت غنائم المسلمين كثيرة وكان هناك قوم حديثى عهدٍ بالإسلام وكانوا من غير الأنصار فأكثر رسول الله
r
لهؤلاء القوم من العطاء لكى يتألف قلوبهم ويحببهم فى دينهم مما أغضب الأنصار بل إن بعضهم قد أشار إلى أن رسول الله قد فضّل أهل مكة وقبائل العرب الأخرى عليهم.. وعلم النبى
r
بذلك فطلب أن يُجْمَعَ إليه الأنصار وبعد أن اجتمع الأنصار إليه بدأ النبى
r
يحدثهم حديثاً رقت له القلوب وذرفت من أجله العيون وتغيرت المشاعر وتبدلت القرارات.. فماذا كانت هذه الكلمات التى فعلت كل ذلك؟
* تأملوا معى هذا الموقف البديع.. الأنصار ثائرون غاضبون.. ثم هم بين يدى النبى
r
مجموعون.. ومن النبى
r
مخاطبون.. وإليه يسمعون.. فماذا كانت كلمات النبى المعصوم.. لقد قال وما أجمل وأروع.. وما أرق وأبدع ما قال.
«
يا معشر الأنصار مقالة بلغتنى عنكم، وجدة وجدتموها علىّ فى أنفسكم؟ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله؟ وعالة فأغناكم الله، وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟
قالوا: بلى، الله ورسوله أمن وأفضل»..
فى هذا الاستهلال الرائع يعلمهم النبى أن مقالتهم بلغته وأنه علم أن هناك بعض الضيق فى نفوسهم.. ثم يبين لهم فضل الله عليهم.. فهو الذى يسر لهم سبل الهداية وأغناهم بعد أن كانوا عالة.. وأزال ما كان بينهم من عداوة.. فيقر الأنصار بـمَنِّ الله وفضله.. لكن الحبيب لم يكتف بذلك إنما يطالبهم بأن يردوا عليه ويبينوا فضلهم فيأبى الأنصار ذلك فهم يعلمون أن لله ورسوله المن والفضل، لكن رسول الله يطمئن قلوبهم بأن يذكرهم بأنه يذكر فضلهم ولا ينسى معروفهم وإحسانهم فيقول: «
ألا تجيبونى يا معشر الأنصار؟
قالوا: بماذا نجيبك يا رسول الله؟ لله ولرسوله المن والفضل. قال:
أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتم ولصدقتم: آتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، وطريداً فآويناك، وعائلاً فآسيناك
»
يا الله، النبى
r
هو من يذكر الأنصار بأنهم هم من صدقوه ونصروه وآووه بعد أن كان مكذباً مخذولاً طريداً، أى رقةٍ هذه يا رسول الله، أى إقرار بالمعروف هذا يا رسول الله، أى تسريةٍ عن القلوب هذه يا رسول الله، صلّى عليك الله يا خير خلق الله، وصدقت رسول الله حين أخبرتنا أنك أوتيت جوامع الكلم.
* بعد الكلمات السابقة بدأت نفوس الأنصار تهدأ إذ تذكروا فضل الله عليهم وتيقنوا أن رسول الله يحفظ لهم فضلهم.. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد وكلمات النبى الرائعات لم تنته عند هذا الحد.. بل إنَّ القادم أروع.. واسمعوا إلى النبى وهو يقول «
أوجدتم يا معشر الأنصار فى أنفسكم فى لعاعة من الدنيا تألفت بها قوماً ليسلموا ووكلتكم إلى إسلامكم؟ ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله
r
إلى رحالكم؟ فوالذى نفس محمد بيده، لولا الهجرة لكنت امرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شعباً، وسلكت الأنصار شعباً، لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار
».. فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله
r
قسماً وحظاً.
أيها الأحبة:
صدقونى حين أقول لكم: كلمات صادقة بمشاعر صادقة تفعل بالنفوس والقلوب الكثير وتغير من المشاعر والقرارات الكثير.
* ومن هذين الموقفين الرائعين إلى موقف ثالث يؤكد كذلك على هذا المعنى.
الموقف الثالث
?
فى أحد الندوات كنت أتحدث تحت نفس عنوان هذا الكتاب «كلماتك تصنع حياتك» ومن غير قصدٍ منى ذكرت بعض الكلمات التى لم تعجب بعض الحاضرين لدرجة أن بعضهم قد أرسل إلىّ بعد المحاضرة ورقة يعاتبنى فيها على ذلك وكان معهم كل الحق فهذه الكلمات حتى وإن كانت عن غير قصد إلا أنه لم يكن هناك أى داعٍ لقولها.. هذه الكلمات رغم أنها كانت مجرد كلمة أو كلمتين إلا أنها أثارت ضيق بعض الحاضرين وأثرت على مشاعرهم وربما قراراتهم تجاه المحاضرة..
بعد أن وصلنى هذا العتاب ووجدت أن أصحابه معهم الحق اعتذرت صادقاً عما قلت فإذا بالمعارضين يتحولون إلى مؤيدين بل إننى حين طالبتهم مداعبا مسترضياً بالتصفيق قاموا بالتصفيق بحرارة.. إذن ما أغضبهم فى البداية كلمة ربما لم تكن تمثل واحدًا من الألف من المحاضرة وما أرضاهم فى النهاية وغير مشاعرهم أيضاً كلمة ربما شعروا بصدقها فتغيرت مشاعرهم وقراراتهم لدرجة أن بعضهم أخبرنى أنه كان قد كتب تقييمه للمحاضرة قبل أن أعتذر وكان يتمنى لو استطاع أن يحصل على ورقة التقييم مرة أخرى بعد الاعتذار ليغير ما كتبه.
* لا شك إذن أننا نستطيع أن نؤكد أن كلماتنا تصنع حياتنا لأنها تؤثر وتغير فى المشاعر بل وفى القرارات، والمواقف هنا أكثر من أن تحصى، وأكاد أجزم أنكم جميعاً قد تعرضتم لمواقف غيرت فيها الكلمات مشاعركم وقراراتكم.
الكلمة تفعل كل هذا:
كلمة قد تزيد مشاعر الحب لديك.. وأخرى قد تعمق مشاعر البغض لديك.. كلمة قد ترفع من همتك وعزمك.. وأخرى قد تثبط همتك وعزمك.. كلمة قد تخفف حدتك وثورتك..وأخرى قد تستفز غضبك وحميتك.. لذلك أعيدها وأكررها وأنا بها مؤمن موقن:
كلماتك تصنع حياتك
لأنها تؤثر فى المشاعر
وتغير في القرارات
__________________
( الاستاذ محمد الطنطاوى)
استاذ الكيمياء بمدرسة فيشا سليم الثانوية المشتركة
الاستاذ محمد الطنطاوى
مشاهدة ملفه الشخصي
زيارة موقع الاستاذ محمد الطنطاوى المفضل
البحث عن المشاركات التي كتبها الاستاذ محمد الطنطاوى