الفصل الرابع عشر
معركة عين جالوت
أحداث الفصل :
قام السلطان قطز بمهام كبيرة استعداداً للمعركة الفاصلة بينه وبين التتار منها:
1- توطيد أركان عرشه الجديد ضِدّ عواصف الفتن والمؤامرات.
2- القضاء على عناصر الفوضى والضرب على أيدى المفسدين.
3- معالجة الأمراء من المماليك مستعملاً مع بعضهم اللين، ومع بعضهم الشدة.
4- تقوية الجيش وجميع المؤن والذخائر.
5- تثبيت قلوب الناس وتحميسهم للاستماته فى القتال.
وقد نجح فى كل ذلك بفضل الله وبفضل صدق إيمانه، ومضاء عزيمته، وصرامته، وقوة بنيته ومتانة أعصابه، ثم بتشجيع زوجه (جلنار) التى وقفت معه فى كل الأمور تشد من أزره، وتخفف من أعبائه.
تحرك الجيش لحرب التتار فى رمضان بعد أن نجح السلطان فى إثارة طبقات الأمة كلها فاندمجوا فى الجهاد فى سبيل الله حتى إن الفساق كفوا عن المعاصى، وامتلأت المساجد بالمصلين، وخرج الناس جميعاً يبتغون إحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة.
توجه السلطان بالجيش إلى الصالحية، وأشرف بنفسه على ترتيب صفوفه وفرقه وتنظيم جيشه، وتشاور مع قواده فى الخطط الحربية، وعمل على أن يستفيد من صديقه القديم (بيبرس) ليكون فى طليعة الجيش ليتعرف على أخبار التتار.
وصل بيبرس إلى غزة، ووافاه السلطان، ثم (جلنار)، وتوجه السلطان إلى الفرنج الصليبيين فى عكا، وطلب منهم أن يلتزموا الحياد فى هذه المعركة، لأنه كان يخشى تعاونهم مع التتار، فاستجابوا له، وعرضوا عليه أن يرسلوا معه نجدة من عسكرهم فشكرهم، وقرر أنه سيعتمد على الله وعلى جيوشه. ثم خرج الجيش من عكا إلى (عين جالوت) وطوال المسيرة كان يردد أناشيد الكفاح لإثارة الحماسة فى الجند قبل بدء المعركة.
تمت المواجهة بين الجيشين، وغاب (هولاكو) بسبب موت أخيه، وأناب عنه قائده (كتبغا). واشتعلت المعركة، وأظهر فيها كل القواد والجنود شجاعة واستبسالا، وقد حاول الصبى التترى أن يخدع السلطان بشق صفوف التتار وقتل بعض رجالهم ثم العودة إلى صفوف المسلمين، ولكن السلطانة ( جلنار) شَكَّت فى أمر هذا الصبى فكيف يرجع سليما دون أن يصاب وهو من الأعداء وقد صدق شكها، فقد كان الصبى عند هجومه يهمس إلى التتار ويعلمهم موقع السلطان، وقد حدث أن هجم خمسة فرسان من التتار على مقر السلطان أثناء ارتداد الصبى التترى، ولكن السلطان قتل ثلاثة منهم، وكاد واحد منهم يقتل السلطان لولا ضربة قاتلة من فارس ملثم أنقذ السلطان، وضحى بنفسه وكان هذا الفارس هو (جلنار)!! حملها السلطان وهى تلفظ أنفاسها الأخيرة وهو يقول (واحبيبتاه) !! ولكنها قالت له : بل قل :واإسلاماه..
شاع خبر استشهاد جلنار فى الجيش فأثار فيهم الحماسة، وخلع السلطان خوذته واستمات فى القتال وكان يصرخ (واإسلاماه..) حتى شق صفوف التتار ووصل إلى قائدهم (كتبغا) .. بعد أن أظهر بيبرس بطولات رائعة فى تطويق جيش التتار وتقدم أحد الأمراء (جمال الدين آقوش) وطعن قائدهم طعنة قضت عليه مما ألقى الرعب فى صفوف التتار، وأخذوا يتقهقرون، وتقدم المسلمون يمطرونهم بوابل من السهام حتى سحقوهم سحقاً.
وانتهت المعركة بالنصر المبين على التتار، وحصلوا على غنائم كثيرة وخرَّ الملك المظفر شاكراً الله، مقدرا شجاعة الأبطال من المسلمين محذراً من الزهو والغرور، مترحما على الشهداء وعلى جلنار.