
29-07-2011, 02:14 PM
|
 |
عضو متألق
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2008
العمر: 31
المشاركات: 3,125
معدل تقييم المستوى: 20
|
|
الحلقة الثانية :
لقد وقع الطائر فى الفخ
لتحميل الحلقة اضغط هنا
كان من عادة يحيى عندما ينتهى من صلاة الفجر والإستماع لحديث الشيخ أن يقضى فترة من الوقت فى قراءة أذكار الصباح ثم قراءة جزء كامل من القرءان الكريم ثم يصلى ركعتى الضحى
وبعدها يرجع إلى البيت ليأخذ قسطا من الراحة بانتظار طعام الفطور حتى يذهب إلى كلية الشريعة بنشاط
فإذا حان وقت الفطور تناوله مع أمه التى تبدو موفورة الشاط ضاحكة متفائلة لا تكل عن الحركة وأخته الصغيرة أسماء التى يحاكى وجهها استدارة البدر ببشرة ناعمة نقية وعينين بلون البن وصفاء السماء ولم تكن قطتها الكبيرة ذات الشعر الأبيض الطويل تفارقها ساعة من الزمان فهى تتبعها كظلها أينما ذهبت ولا تفارقها إلا ساعة النوم
أما أبوه فكان يخرج من البيت قبل أن يعود يحيى من المسجد ليذهب أبوه إلى شركته لمتابعة الصفقات ومراجعة الحسابات لقد كان أبوه كثير التبرع للمجاهدين والفقراء والأيتام والأرامل كان معروفا بالإحسان عند أهل المنطقة
لقد كان يحيى فى غمرة هذا كله متنقلا من طاعة إلى طاعة ومن عبادة إلى عبادة فمن بر الوالدين إلى صلة الرحم ومن الإعتكاف إلى الدعوة ومن قرءاة القرءان إلى التصدق ومن طلب العلم إلى حسن الخلق لم يكن يحيى يعلم بأن هناك ابتلاء عظيم ينتظره واختبار صعب يتربص به ليتحقق وعد الله
" الَـمَ * أَحَسِبَ النّاسُ أَن يُتْرَكُوَاْ أَن يَقُولُوَاْ آمَنّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ "
سنة الله فى الكون لا تتغير ولا تتبدل
إن الله سبحانه وتعالى يريد من عبده أن يحاول الصبر
أن يحاول الثبات
أن يحاول الإستعفاف
أما المعونة فمنه سبحانه
إن الله لا يتخلى عن عبده الضعيف وهو يتخبط فى دياجير الفتن وأمواج الشهوات إنه يمده بحبله المتين فمن استمسك به نجا ومن غفل عنه هلك وخسر
ولكن ؟
هل يتخطى يحيى هذا الإختبار الصعب بنجاح ؟!
أم ينكسر به المجداف فيتيه فى بحر الظلمات ؟!!
وفى ليلة الأحد كان القمر مكتملا تحيطه هالة من نور تطفى عليه جلالا وبهاءا عجيبا والسكون قد عم الحى والكل قد أطفأ مصباحه إلا ذلك القصر الأبيض فالنور لا يزال يشع من تلك الغرفة المطلة على حديقة القصر
إنها غرفة ليلى
لم تدع ليلى خادمتها تنام هذه الليلة من شدة لهفتها على سماع القصة كاملة
أخبرينى يا خديجة , أخبرينى عن كل ما رأيتِ
نظرت إليها خديجة ببرود وكانت ليلى متلفهة لسماع حديثها
فهزتها قائلة :
ماذا دهاك يا خديجة ؟ تكلمى
فأشاحت خديجة بوجهها إلى ناحية أخرى وقالت :
هل أنت جادة فى هذا الأمر ؟
فقطبت ما بين حاجبيها ونظرت إليها بعينيها النجلاوين وقالت تستنطقها : وماذا تظنين ؟
فتنهدت خديجة وهى ترجع خطوة إلى الوراء وقد وقع الضوء القليل الذى ينتشر من ضوء المصباح على صفحة خدها الأيمن فبدا بلون البن الغامق ثم رفعت يدها وحكت رأسها وقالت : لا أدرى ولكن ...
ضربت ليلى الأرض برجلها وقد صعدت الدم إلى وجنتيها وقالت : ولكن ماذا ؟
فأجابت بصوت هادئ عميق النبرات : يا سيدتى إن الوصول إلى القمر لأهون ألف مرة من الوصول إلى يحيى ثقى يا سيدتى أنه لم تر عينى مثله بين الشباب لا هنا ولا هناك
ونظرت من خلال النافذة وبقيت لحظات تنظر كالتمثال
أطرقت ليلى وتغير لونها وقالت بصوت كأنها انتزعته من بين آلامها : بالله عليك يا خديجة لا تحرمينى الهداية على يد ذلك الشاب المؤمن
ثم تنهدت تنهدة عميقة وقالت : أريد أن أتوب على يديه
شعرت ليلى أنها استطاعت أن تؤثر على خادمتها خديجة , تبسمت ليلى ونظرت إليها بلطف وقد لمعت عيناها على ضوء المصباح الذى يتسلط عليها ثم قالت بصوت هادئ خافت ودود : وآلان حدثينى يا خديجة أخبرينى عن كل شئ .
قالت الخادمة وقد انقادت إلى لهجتها : رأيت خادم المسجد الباكستانى يهم بدخول المسجد فاستوقفته وأخبرته بأننى أريد أن أقابل يحيى على انفراد لأسأله سؤالا فقهيا خاصا فأشأر برأسه أن نعم ثم دخل المسجد
انتظرت قليلا
وإذا بشاب قد أقبل متوسط القامة أزهر اللون تبرق أساريره بنور جذاب نحيفا تجلله المهابة ويعلوه الوقار يحس بروعته الناظر إليه أقسم يا سيدتى أننى لم أندم فى حياتى مثل ندمى هذه الليلة ندمت لأننى أقدمت فى مثل هذه المهمة على هذا الشاب الذى .... الذى يعيش فى هذه الدنيا ببدنه وروحه معلقة بالآخرة إنه ليس من النوع الذى تعرفينه لم تر عينى مثله قط لقد تمنيت من كل قلبى أن لو عدت أدراجى ولم أفاتحه
سكتت خديجة
وعادت تتكلم بصوت خافت مؤثر : لقد ارتفع هذا الشاب بروحه عن الأرض وأخذت تحوم حول عرش الرحمن حتى كدت أشعر بدفء الإيمان الذى يخرج من قلبه
كانت ليلى تصغى إليها باهتمام وقد سحرتها بوصفه وملكت عليها مشاعرها حتى تخيلته ملكا فى صورة إنسان
ومضت تستحثها : وماذا بعد ؟ تكلمى
قالت : أرى أن تتركى هذا الأمر
- أتركه (( قالت بدهشة وتعجب ))
أبعد كل ما ذكرتيه أتركه , كيف أترك أمرا بدأته سرت فيه خطوات
فلما رأت إصرارها عادت تروى ما حدث دون أن تعقب على كلامها الأخير : مددت يدى بالرقعة بتردد وتخاذل وخجل فتناولها وألقى عليها نظرة فتغير لونه وصعدت حرارة الغضب إلى رأسه وشعرت أننى ركبت مركبا صعبا وتمنيت فى هذه الساعة لو انشقت الأرض وابتلعتنى ولكننى أسرعت أقول له قبل أن يسمع منه ما يؤلمنى : إنها تريد أن تتحدث إليك بمشكلتها يا شيخ إنها لا تريد أن يطلع عليها غيرك
فرفع رأسه وقد سرى عنه بعض ما به : لتكتب مشكلتها
ثم وقع بكلمة واحدة " اكتبيها "
أعطانى الرقعة ثم دخل المسجد مرة أخرى
هنا صفقت ليلى بيدها ودارت حول نفسها طربا وهى تقول فى نفسها : لقد وقع الطائر فى الفخ
فى مساء يوم الخميس وكالعادة تجمع ماجد وحسن وأسامة يلعبون الورق ويشاهدون الفيلم الجديد الذى أحضره لهم ماجد
قال أسامة : لقد تأخر عماد
وما انتهى من كلامه حتى فتح عماد باب الغرفة برفق ثم أطل برأسه توقف الحضور عن اللعب كلهم ينظر تجاه الباب
دخل عماد وقد قص شعره مارينز مرتديا بنطالا ضيقا وقميصا قد فتح أزراره العليا لتبدو السلسلة الذهبية التى تحيط بعنقه تتوسط قطعة مرسوم عليها قلب حب
ابتسم عماد ابتسامة ماكرة وأخذ يلوح بمنديل معطر فى يده ثم أخذ يضحك ويضحك ويضحك حتى استلقى على الأرض من شدة الضحك وسط تعجب الحضور
سأل ماجد مستغربا : مالك أجننت ؟
لم يتوقف عماد عن الضحك ثم أخذ يقول وهو يلوح بالمنديل : هذا هو القفل الأول قد انفتح
علت الدهشة وجه حسن
ولم يصدق أسامة أذنيه وبقى ماجد بشعره المجعد وعينيه الخضراوين ينظر إليه دون أن ينطق
أما عماد فقد أخذ يصفق ويصيح : ألم أقل لكم !! سيعزف على العود بيده
وانفجر حسن وقد التهب وجهه الصغير بالغضب وضرب بقبضة يده على المنضدة وهو يقول : مستحيل
ألقى عماد الرقعة على المنضدة فتسابقت الأيدى للحصول عليها والإطلاع على ما فيها كان ماجد أسرع القوم إليها فخطفها وأخذ يلوح بها وهو يضحك وينظر إلى حسن ويقول : هذا هو صاحبك قد وقع
وقبل أن يقرأها وبخفة متناهية أدهشت الجميع خطفها عماد من يده ثم جذب ماجد وذهب به إلى غرفة مجاورة
وتزداد الأحداث اشتعالا
فتابعونا
|