د.عبد الحليم عويس: الإسلام طوق النجاة للأمة في كل مراحلها التاريخية
د.عبد الحليم عويس: الإسلام طوق النجاة للأمة في كل مراحلها التاريخية
26 - 2 - 2008
أجرى الحوار: أسامة الهيتمي
الدكتور عبد الحليم عويس باحث أكاديمي تخصص في دراسة التاريخ والحضارة، وقدم العديد من الدراسات والأبحاث العلمية للمكتبة العربية، وهو أيضًا مفكر إسلامي عرك الحياة الفكرية عبر دخوله الكثير من المعارك والمحاورات في مواجهة ما يروجه أعداء الإسلام والمشروع الإسلامي من مقولات مفتعلة؛ استندوا في ترديدها إلى فهم مغلوط وخاطئ لنصوص القرآن أو التراث الإسلامي.
وقد تحمل الدكتور عويس على عاتقه من خلال عمله كأستاذ للتاريخ في العديد من الجامعات، فضلًا عن كونه كاتبًا صحفيًّا أن يفند تلك الدعاوى؛ مبرزًا الدور الحضاري للإسلام، ومدى الإسهامات الجليلة التي قدمها وما زال يقدمها الإسلام للحضارة الإنسانية على الرغم من حالة الضعف التي ربما تعيشها أغلب دول الإسلام.
لواء الشريعة كان لها هذا الحوار مع الدكتور عويس الذي تركز على إبراز دور الشريعة الإسلامية في بناء الحضارة، والرد على ما يثار من شبهات حول تطبيقها.
* لواء الشريعة: لعله من مناط الفخر لدى المسلمين أن الإسلام أنشأ حضارة كانت بمثابة النبراس لكل الحضارات، غير أن الغرب استطاع أن ينشئ حضارة أيضًا ما زالت لها الهيمنة والسيطرة على العالم حتى الآن.. هل ثمة فوارق بين الحضارتين، وما هي هذه الفوارق؟
** بالتأكيد يوجد فوارق بين الحضارتين، فالمنهج الإسلامي يقوم على عدة أمور: أولها: تقدير الله حق قدره، فنحن لا ننسى أننا أصحاب منظومة دينية، ولا ننكر أن الدين هو أساس الحياة، وكما يقول فلاسفة كثيرون: إن الإنسان يستطيع أن يعيش بدون أشياء كثيرة، ولكنه لا يستطيع أن يعيش بغير دين. فالمنظومة الإسلامية الحضارية تعطي للدين أولوية، وتقدر الله حق قدره، أما المشروع الغربي للحضارة؛ فقد أنزل الله منزلة لا تليق به حتى جعلته بطلًا في بعض الأساطير عند اليونانيين، وجعلت هناك إلهًا للخير، وإلهًا للشر، وثالثًا للجمال، ورابعًا للحب.
إلا أن المشروع الحضاري الإسلامي يعطي الكمال المطلق لله، وينزهه عن الشبيه كما في قوله تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} الشورى:11.
كما أن الإسلام وضع حلولًا فاصلة بين الحلال والحرام، والأشياء التي حرمها لم يكن تحريمها عبثًا، ولكن لأنها ضارة بالإنسان. أما الحضارة الغربية فقد أغفلت جانب مراقبة الله؛ فالحرية عندها بديل عن الدين، والعقل بديل عن الله، والحرية لها حدود نسبية يتفق عليها البشر، وبالتالي تستطيع أن توسعه أو تضيقه كما فعلوا في بلاد السويد عندما أباحوا كل شيء؛ ولذلك فهم الآن يعانون الأمرين من ذلك بعد ارتفاع معدلات الجريمة والانتحار بنسب مخيفة، وهذا ما يؤكد علة أن الإنسان لم يخلق كي يضع لنفسه دينًا باسم الحرية.
ونحن المسلمين نؤمن بالعقلانية أكثر من الغرب، ولكن العقلانية المنسجمة مع ما أنزل به الوحي وهو القرآن الكريم.
الأمر الثالث في الفوارق بين المشروعين الإسلامي والغربي: هو أن المشروع الحضاري الإسلامي يعطي أولوية للبناء الداخلي، فالله -عز وجل- يقول: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} الرعد: 11. فالنهضة والحضارة لا تقومان بالعوامل الخارجية ولا بالمعونات.
لذا فأنا أرى أن ما يأتينا من مساعـدات أوروبية وأمريكية هو وبال علينا؛ لأنه يعودنا الخمول والكسل، فيجب أن تعتمد الأمم في بناء نهضتها على الأفراد والعوامل الداخلية، وأهمها الإنسان وعلاقته بالكون وبمن حوله من البشر، واستغلال الإنسان للوقت والاستفادة منه.
أما في الحضارة الغربية فهي حضارة شيئية فقط، وتجعل من الإنسان وسيلة فهي تعد المرأة سلعة تباع وتشترى، ثم تدعي بعد ذلك أنها تدعو لتحرير المرأة، ومساواتها بالرجل، وهي في الحقيقة تمتهن كرامتها.
أما الحضارة الإسلامية فهي -كما ذكرت- حضارة متوازنة تقدر الأشياء بقدرها ولا تبخسها حقها، وترى أن الروح أيضًا ضرورية كما أن العقل ضرورة، فالإسلام يجمع بين هذه الثلاثية في تآلف شديد.
كما أن الأخلاق في الحضارة الإسلامية مطلقة وليست نسبية كما هي في الحضارة الغربية، فالسرقة هي السرقة، والكذب هو الكذب لا تحوير لهما كما هو الحال في الغرب.
* لواء الشريعة: لكن البعض يحاول أن يستغل تفوق الحضارة الغربية بالدعوة إلى التخلي عن المشروع الإسلامي باعتباره غير قادر على مواجهة التحديات المعاصرة.. ما رأيكم؟
** لن يتقدم المسلمون قط إلا عندما يعودون للإسلام، ففي كل العصور التاريخية كان الإسلام هو صمام الأمان، وكان هو طوق النجاة بالنسبة للأمة الإسلامية حتى في عصرنا الحديث؛ إذ أن كل الدول التي كانت تسعى للاستقلال أيام كفاحها ضد الاستعمار كانت تعتمد على الإسلام، ولعل ثورة الجزائر أكبر دليل على ذلك فهي لم تنجح إلا عندما ظهر أشخاص مؤمنون بالله على رأسهم عبد الحميد بن باديس، وجمعية علماء المسلمين الذين رددوا نشيده حتى حفظه كل جزائري:
شعب الجزائر مسلم *** وإلى العروبة ينتسب
من قال حاد عن أصله *** أو قال زاغ فقد كذب
كما فسر ابن باديس القرآن في جامع الزيتونة فيما يسمى بمجالس التذكير، واحتفلت الجزائر كلها بختمه للقرآن، وانطلق الجهاد الجزائري معتمدًا على الإسلام، وهكذا كان الشأن في أكثر الدول الإسلامية؛ حيث الإسلام هو وقودها والمحرك لنهضتها واستقلالها فكيف يقال: إنه لا يصلح للتطبيق؟
أما فيما يتعلق بالشريعة الإسلامية فحسبنا أن مؤتمر لاهاي «دنهاخ» للقانون الدولي قد اعترف بأن الشريعة الإسلامية أكثر الشرائع صلاحية ومناسبة لكل زمان ومكان.. إذا فحصنا الإسلام فسوف نجد أن قيمه كلها باعثة على العلم والعمل، وأداء الواجبات مع الحقوق، وتحصيل العلوم واعتبار طلب العلم فريضة .. العمل عبادة.. فكيف يقال: إن الشريعة لا تصلح للتطبيق؟ يكفينا أن يقول وول ديوارنت في موسوعته «قصة الحضارة»: «لقد بقي الإسلام هو أستاذ العالم لأكثر من عشرة قرون» كذلك فإن علماءنا في كل فروع العلوم الإنسانية والتطبيقية سيبقون أساتذة العالم الحقيقيين.
* لواء الشريعة: ألا تتفق معنا أن هذه الدعوات ربما أثمرت نتائجها خاصة، وأننا نلاحظ خفوت صوت المتحدثين عن الشريعة فضلًا عن المطالبين بها مقارنه بالعقود الماضية؟
** في الحقيقة يعود الفضل في إثارة تطبيق الشريعة الإسلامية إلى الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد سقوط المد الشيوعي والأيدلوجية الشيوعية؛ إذ كان لا بد من ملء هذا الفراغ.. والحقيقة أن الرئيس السادات كان يتميز -مهما اختلفنا معه- بقدر من الإيمان، فقد كانت مصر في عهده تعيش نسبة استقلالية كبيرة؛ لأنها انعتقت من الاتحاد السوفيتي، وكانت أمريكا تغازله وتعمل على أن يكون لها موطئ قدم في مصر، فلعدة سنوات ولعلها من عام 1970م إلى 1977م كان الرئيس تقريبًا حرًّا في اتخاذ قراره، لكن بعد ذلك تطورت الأمور؛ فقبل في الدخول في كامب ديفيد، وبدأت ضغوط شروط كامب ديفيد الصهيونية تخترق المجتمع المصري، وتحارب الإسلام بوسائل قولية وعملية مختلفة؛ لذلك فإن الرئيس السادات قد انقلب بتأثير هذا الاتجاه الجديد إلى محارب لكل التيارات التي كان لها اعتراض على كامب ديفيد، والتطبيع مع الصهيونية بالشكل الذي يمكنها من اختراق قلوبنا وعقولنا وصناعاتنا وكل شيء في حياتنا.
ومنذ ذلك الوقت لاسيما بعد أن عرفنا طريقنا إلى المعسكر الليبرالي الأمريكي، واندمجنا فيه، وأصبحنا نؤمن بما قاله السادات في آخر حياته من أن الحلول كلها بيد أمريكا، وأن كل أوراق اللعبة في يد أمريكا؛ فقدنا القدرة على استقلالية القرار، وبدأنا ندخل في صدامات داخلية ضد الإسلاميين والوطنيين والقوميين لصالح الليبرالية والإمبريالية والصهيونية حتى نخضع الشعب للوضع الجديد.
وقد رأت الأمة أن الصدام المباشر مع الحاكم ليس هو الحل، كما أن الحاكم بدأ يلعب لعبة مزدوجة فهو يعطي للإسلام أقوالًا كثيرة وبعض المباني والدرجات المالية، لكنه يسحب من قيمه ومن ثوابته أشياء كثيرة، بل وأصبحت الوظائف الدينية مرة أخرى متهالكة، وكان الشيخ عبد الحليم محمود والشيخ جاد الحق علي جاد الحق هما أبرز من وقفوا في وجه تيارات الغزو الليبرالي المصحوب بهيمنة على صناع القرار وعلى الإعلام والتربية بواسطة المتعاونين معهم.
ومن هنا كان لا بد أن يخفت صوت تطبيق الشريعة؛ فالحاكم يتظاهر بأنه لا يخالف الشريعة لكنه في الحقيقة لا يكاد يمر شهر إلا ويهجم على الشريعة من خلال أعوانه هجومًا منظمًا مفتعلًا المعارك الصغيرة التي تشوه الشريعة؛ فمرة يتكلم عن الربا وإباحته في حالات التعامل مع البنوك، وتارة يتكلم عن الخلع وحق المرأة فيه بطريقة تهدم البيوت، وتارة يتكلم عن القضاء بطريقة تهز مكانة القاضي وهذه المؤسسة العظيمة التي يجب أن تكون مصونة، وتارة يتكلم في التعليم وهو يقصد تحديثه تحديثًا علمانيًّا، ومرة يتكلم في تحديث الخطاب الديني وهو يقصد تأنيث هذا الخطاب وتهجينه بحيث يتماشى مع كل الأمور، وتارة يجلب لنا مؤتمرات للسكان تبيح زواج المثليين، وتؤيد الشذوذ، وتدافع عن مرضى الإيدز الذين عملوا أعمال قوم لوط تحت شعارات وكلمات جوفاء، ومن هنا وقعت الأمة في حيرة، وبدأ الانحراف في شبابها في زيادة مروعة؛ فلو أننا نظرنا إلى الإحصائيات من حولنا سنجد أن أعداد الذين يتعاطون المخدرات والسجائر ويرتكبون الجرائم من الشباب فضلًا عن الذين يعانون من أزمتي العنوسة والبطالة في ازدياد مروع ومخيف؛ وذلك لأننا قمنا بعملية خلخلة لكل القيم، وفتحنا الأبواب على مصراعيها للذين يسبون الصحابة، ويفتون ويتكلمون في شرائع الإسلام من منطلق حداثي معادي وهم أجهل الناس وأكثرهم عداء للإسلام، وهؤلاء الذين يفتون بغير وعي وتبصرة أحدثوا هزة أيضًا في الرؤية الإسلامية عند الشباب، يضاف إلى ذلك تأثير الإنترنت وما يسمى بالشات وتأثير الفضائيات المفسدة مثل: «روتانا» وغيرها، والأغاني التافهة «الفيديو كليب» فكل هذا كان له دوره في غياب الحديث عن الشريعة والمطالبة بتطبيقها مع ملاحظة أن الديموقراطية لا تطبق كما ينبغي، بل ينفرد بالأمر حزب واحد، ويتلقى رؤيته من منبع واحد، وهذا المنبع يرى أنه لا يستطيع أن يواجه الدول الكبرى بالحديث عن الشريعة؛ لأنه يرى حوله حروبًا باردة وساخنة تشن على كل من يطالبون بتطبيق الشريعة، أو من حاولوا تطبيقها وهم يؤثرون الدنيا والسلامة والعافية دون حساب للآخرة، أو لمتطلبات الاستقلال والحفاظ على الهوية في عصر العولمة، ولخطر استبداد القوانين الأجنبية التي لا يمكن أن تزرع في البيئة الإسلامية إلا إذا أفسدتها.
*لواء الشريعة: لكن يتساءل الكثيرون ماذا يمكن أن تقدم الحضارة الإسلام أو القيم الإسلامية للحضارة الحديثة التي فتحت آفاقًا واسعة من العلوم التطبيقية لا مثيل لها؟
** إن الإسلام يقدم للحضارة الحديثة معنى الحياة ومعنى الإنسانية ومعنى الحق وحدود القوة، ويقدم لها علمًا يمتزج بالإنسان وليس علمًا مدمرًا، يقدم علمًا نافعًا وليس علومًا تهدم كيان الإنسان، ويمزج لها بين الإيمان والعلم، ويجعل وسائل العلم وغاياته شريفة.. نعم فقدنا قيادتنا في العلوم، لكننا ما زلنا الأساتذة في فلسفة العلوم وفي غاياته، لقد سبقونا بالكم وفرضوا علينا التخلف لكنهم لم يسبقونا بالكيف والغايات الشريفة لا في علوم الإنسان ولا في علوم الحياة، بل إن الإسلام مدعو لإنقاذ الحضارة من نفسها فهي ستهدم نفسها بنفسها .. الحربان العالميتان الأخيرتان كانتا في داخل البيت الأوروبي نفسه .. القوة لا تعتمد أساس الحق والدين، قوة لا تلبث أن تفترس نفسها، لكن الإسلام يجعل القوة خاضعة للحق، وهذا ما نطالب به الأوروبيين وما نستطيعه أن نقدمه للحضارة الأوروبية الحديثة.
كانت لنا أخلاق في الحروب فرضها علينا الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته فهل لدى الحرب الحديثة أخلاق؟ وهل سجون أمريكا عبر العالم التي تتولى تعذيب الناس لاسيما المسلمون في جوانتانامو وأبو غريب وغيرهما نموذج للأخلاق في التعامل مع الأسرى والمعتقلين.. أليس هؤلاء في حاجة إلى العودة إلى الإنسانية والقانون والأخلاق؟ إن البشرية الآن في حاجة للإسلام ربما كحاجتها أو أكثر بعد الجاهلية الأولى.
* لواء الشريعة: وماذا عن فشل العديد من النماذج التي حاولت تطبيق الشريعة الإسلامية؟
** إن هذه الدول لا تملك القدرة على تطبيق الشريعة تطبيقًا كاملًا فالدول الغربية تعلن الحرب عليها في هذا الاتجاه، كما أن بعض هذه الدول لم يستطع المواءمة بين مقتضيات العصر وتطبيق الشريعة، وكان الأمر يحتاج إلى عصريين عباقرة أو أذكياء يعرفون كيف يضعون الأصيل في الوعاء الجديد، وكيف يمزجون بين القديم والجديد، كل تجارب الدنيا لها أخطاء وهي عندما تتمكن من الحكم تعالج أخطاءها في كل يوم؛ فالشريعة ليست إنذار كهرباء يضيء للناس فلا بد أن يكون هناك الإنسان المؤهل لتطبيق الشريعة، والمؤسسات المؤهلة لخدمة الشريعة، والتخطيط السليم للتطبيق، وهو ما يحتاج إلى عدة سنوات... ولا ننسى أننا فشلنا لعقود طويلة في ظل القوانين الأجنبية فلو أننا أعطينا الشريعة 1/10 من اهتمامنا بالقوانين الوضعية بعيدًا عمن يسمون بترزية القوانين؛ لوجدنا الشريعة الإسلامية أعظم الشرائع وأقواها وأشملها وأنفعها للإنسانية والمسلمين معا، ومع ذلك فأنا لا أقول: إن السودان قد فشلت في تجربتها، أو أن السعودية قد فشلت، أو أن باكستان أيام ضياء الحق قد فشلت، لكنها ولأنها دول صغيرة مجزئة ليست لها وحدة تربطها قامت بالواجب في حدود طاقتها، وفي حدود أن أكبر أعدائها كان من إخوانها وأشقائها المنافقين الذين يعبدون المصالح والأيدلوجيات الشيوعية والليبرالية والحداثة وغيرها، فبأيدينا أجهضنا ديننا وحقائقه؛ لأننا سمحنا للمنافقين بالجلوس والتصدر، وجعلناهم أهل تنوير، ومكناهم من وزارات الإعلام والثقافة والتربية، وبعض هؤلاء لم يركع لله ركعة واحدة، ولا عرف كيف يحسن الصلاة، ولا يحج إلا على حساب الدولة. ولو أعطينا الفرصة للمخلصين للتشريع فسوف تكون النتائج أكبر من كل توقعاتنا.. فضلًا عن ضرورة أن نحد من استمرار تمزيق أنفسنا إلى إسلاميين ومتأسلمين ومسلمين؛ فالإسلام كل لا يتجزأ، وعظمته أنه يقوم على التوازن والشمول، وليس هناك فرد مسئول وحده عن الإسلام بينما الآخرون الذين يحملون أسماء إسلامية يحاربون الإسلام، ويدعون أنهم هم المسلمون، وأن الآخرين كأنهم دخلوا على عقولهم وقلوبهم «متأسلمون».
إننا نعيش حقيقة في فوضى ونحتاج إلى من يعيد قطارنا إلى القضبان الصحيحة، نعيش عصر الأشياء والتكدس عبادة المادة وفقدان الروح وهذا هو أكبر ما يعيق مسيرتنا.
* لواء الشريعة: يصر البعض على حصر مفهوم الشريعة الإسلامية فيما هو متعلق بالعقوبات والحدود ماذا تقول في ذلك؟
** الشريعة الإسلامية حقيقة شاملة فهي عبادات ومعاملات وتربية للقلوب وتربية للعقول وهي أيضا حدود الله وتطبيق الحدود وحده لا يكفي في مجتمع كان يأكل الناس فيه بعضهم بعضا من الجوع وفي المواصلات، وتكاد الأحقاد تنتشر بين سائقي السيارات والمارة فقد تقطعت العلاقات بين الحاكم والمحكوم، أصبح كل واحد منهم في واد يبحث عن مصالحه، فنحن نؤمن بضرورة توفر مناخ الإسلام وروح الإسلام وتربية الإسلام كما فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعون، وتأتي الحدود كسور رادع للصوص والقتلة وآكلي أموال الناس بالباطل، فليست الحدود وحدها هي الشريعة لكنها مرحلة نهائية من مراحل تطبيق الشريعة تأتي بعد أن تستقر أحوال الأمة في ظل قيادة صالحة وتربية إسلامية صحيحة.
* لواء الشريعة: يتعسف البعض في إبراز الخلاف بين العقل والنقل في محاولة لتغليب العقل للتسفيه من النقل كيف يمكن مواجهة ذلك؟
** إنني دائما أسمي الوحي بالشمس، وأسمي العقل بالمصباح، والمصباح لا يقارن بالشمس لكن الشمس والمصباح الكهربائي ضروريان للحياة، وهما اللذان يضيئان لنا الحياة في ظلام الليل الدامس، ولا معنى لمن يقول بالتناقض بين المصباح وضوء الشمس.. حتى في الفقه الإسلامي فإنه يولد من الشريعة، ويحتاج إلى من يحسنون دلالته ورعايته بحيث لا ينبت عن أمة الشريعة، ولا يغلب العقل على طبيعته النقلية.
وهذه المقولة حول النقل والعقل ليست من مقولاتنا الإسلامية فحسبنا أن رجلًا عملاقًا معروفًا بالحيطة والحذر وبالسلفية يخرج لنا كتابه الكبير أو موسوعته المسماة «درء تعارض النقل والعقل» لابن تيمية فكيف يتعارض عقل مع كتاب سماوي إلهي جاءت أول كلمة فيه { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } ] العلق: 1 [ آمرًا بالقراءة المعرفية والعلمية والقراءة الكونية، بل ويريدنا في آيات أخرى أن نسعى في الأرض وأن نتدبر وأن نعرف علم الآفاق وعلم الأنفس، ولا يوجد شيء حقيقي يمثل تناقضًا بين الإسلام والعقل إلا إذا كان كما قال الأصوليون: هناك خلل في العقل، أو هناك اضطراب في النص، أما النقل الصحيح والعقل الصحيح فلا يمكن أن يتناقضا أبدًا في الإسلام، وقد سحبت المنهجية الإسلامية هذا التناقض حين وضعت قواعد الشريعة كليات في أكثرها وتفصيلات في القليل فكأنها إشارات مرور حمراء وخضراء، ولم تكبل العقل بكثير من التشريعات، وجاء الفقه يستكشف بالعقل أحكام الشريعة وهي بالتالي التي وضعت للعقل دوره، وفتحت له المجالات حين تركت التفصيلات وكل ما لم يرد فيه نص صريح فهو مجال للعقل في نطاق شروط الفقه السليم والعمل العقلي المرتبط بالدين، وليس المحكوم بالأهواء والغرائز وهو العقل المادي الذي يختلف من شخص إلى آخر
|