اليك ربى
سرت وحدى فى الظلام ... متنكرا فى زى رجل له شارب عريض ويلبس نظارة سوداء وشعره كثيف ..... فلا مفر من التخفى .. ...، يالله ساعدنى فى محنتى ، أنا شاب ألمانى أعيش فى برلين ، فى التاسعة والعشرين من عمرى ، فعلت كل شىء فى حياتى ... لم أهتم بأحد أو بأى معنى من المعانى ، واقترفت كل الذنوب والآثام ، ولكن هدانى الله للاسلام بعدما تعرفت على عبد الله الشاب المسلم ، فعرفت طريق الحق ....... وعرفت كيف أجعل لحياتى معنى ، ولكن انكشف اسلامى وعرف أهلى وأصدقائى ، فأصبحت فى خطر كبير، فعائلتى تتسم بكراهيتها الشديدة للاسلام والمسلمين ، وانها لطامة كبرى بالنسبة اليهم أنى أصبحت مسلما ، فهربت وليس لى مكان محدد ، فان لهم سطوة ونفوذ و عندهم القدرة على البحث فى كل مكان ، وخفت أن أذهب الى عبد الله حتى لا يؤذيه أحد.
أضع القرآن الكريم فى حقيبتى وأحافظ عليه ... فانى وجدت كنزا ثمينا لم أعرفه ولم أعرف قيمته قبل ذلك ، ولم أعرف مكان يمكن الذهاب اليه ، ولكن اتصل بى عبد الله فأبلغنى أن هناك مطعما للأكلات العربية ومعظم من يعمل به مسلمون ، وهو على معرفة بمديره فكلمه عنى فوافق أن أعمل هناك باسمى الجديد محمد ، لقد اخترت هذا الاسم لنفسى .... تيمنا بالانسان الذى كثيرا ما تجرأت عليه وسائل الاعلام العالمية وادعت أنه نشر الاسلام بسيفه ، وها أنا أمامكم ...آمنت بالله وأصبحت مسلما بمعاملة عبد الله الحسنة ، فالكلمة الطيبة تسحر القلوب ، وأثر فى نفسى كثيرا بكاء كل من حضر اسلامى..... و لسانى ينطق بالشهادتين لأول مرة فى حياتى .....
كم كنت غافلا مخطئا !! .....كيف كنت أرى السىء جميلا ؟!...، كيف كنت أغضب الله بنعمه التى صنعها بيده ؟!....، كيف كنت أتجرأ على رب العالمين ؟!! ، ولكن كل هذا انتهى ...، سوف لا أكن حيوانا أسير وراء شهوات نفسى ، سوف لا أعبد الهوى وأعبد الله وحده ، سأرفع راية سيدى محمد بكلتا يدى ، وسأتعلم علوم القرآن ان شاء الله وأصوم كباقى المسلمين ، وسوف لا أتأخر عن أى شىء يقربنى الى ربى ، فكفى بعدا وغربة ، آن الأوان ليلبى المذنب نداء ربه الغفور، فيارب كرهت نفسى التى أبعدتنى عنك بسوءها وضلالها ، فاقبل عبدك الضعيف مع عبادك الصالحين ، ومسحت دمعة ترقرقت من عينى ، لقد وصلت الى المطعم الذى وصفه لى عبد الله ، ووافق المدير على أن أبيت فيه بعد انتهاء العمل حتى أجد مكانا آمنا ، فالحمد لله الذى يسر لى طريقا بعيدا عمن يريدون رجوعى الى الكفر مرة أخرى، عجبا لهم .... عندما كنت أرتكب كل ماهو سىء كانوا يدعون أن هذه حرية ، وعندما عرفت طريق الحق كلهم وقفوا ضدى ، ولكنى سأستمر فى طريقى مهما كان الثمن ، انه نداء الفطرة ..... نداء قلبى الذى هز كيانى وأفاقنى بعد موات .
واستمرت هذه الحال لفترة حتى جاء للعمل معنا هاريس ، نظرت الى عينيه .... شعرت أنه يحمل من الخبث ما جعل قلبى ينقبض منه ، وقرأت فى عينيه كراهية لكل شىء ينتمى للاسلام ، فكم من مرة استعلى واستهزأ ، و تعجب من أنى تأثرت بالوهم على حد تعبيره ، وازداد الأذى يوما بعد يوم فأخبرت المدير بما يحدث ، فلم يستمع لقولى و كان جوابه : لكل شخص وجهة نظر ، اذا عاقبته سيقال أننى متحيز للمسلمين الذين معى لأننى منهم وأننا متعصبون و نرفض الرأى الآخر ! ، فقلت بتعجب : هل لكى نثبت أننا متقبلون للرأى الآخر نترك شخصا كهذا يتجرأ على ديننا ؟!! ، فخرجت من عنده وأنا أشعر أن من المسلمين من هو عدو للاسلام ...
حتى جاء ذلك اليوم الذى اتصل فيه عبد الله بى وأبلغنى أن أهلى عرفوا مكانى ويجب أن أهرب بسرعة ، فهممت على الفور أن أضع أغراضى فى الحقيبة فرأيت هاريس يمد يده ليمسك القرآن ، فسبقته ووضعت يدى عليه ناظرا اليه بتحدى قائلا : بعمرك !! ، ورأيت فى كراهية وجهه ما يريد فعله فقال بعصبية : متخلف .... متعصب ، ماذا سيحدث اذا أمسكته ؟! ، فرددت عليه بنظرة تحدى ....، انه ليس بالأمر الهين .. فحياتى مقابل أن يتجرأ أحد على القرآن ، لقد أخذت على نفسى عهدا من لحظة نطقى بالشهادتين أننى سأصون ولائى لله ورسوله وكتابه ، وسوف لا أسمح لأى شىء يمس دينى من قريب أو من بعيد ،فأخذت القرآن ناحيتى بسرعة وقلت : ابعد عنى ، فقال بخبث : أهلك على وشك الوصول ... لقد كنت أراقبك وأنقل اليهم أخبارك ، كانوا سيدفعون الكثير اذا كنت أرجعتك لعقلك ، ولكنى فشلت فى أن أكرهك فى الاسلام ، وهذه فرصتى الوحيدة لأثبت أمامهم عند وصولهم أننى فعلت المهمة بنجاح ، وحدث تصارع بالأيدى حتى يأخذه من يدى ، ثم وصل أخواى وأمى ....
فالتفت اليهم .... كيف لم أر من قبل كل هذا العداء فى عيونهم ؟! ، أهذا العداء موجه لى أم للاسلام ؟ّ، ولكن كرامتى من كرامته وسوف أحافظ على دينى أو أهلك دونه ...، وتزايد التشابك حتى كادوا يسيطروا على حركتى ولكنى عاندت باصرار ورفعت يدى بالقرآن حتى لا يطوله أحد منهم ، فأخرج هاريس مسدسا ووسط كل هذا ..... انطلقت رصاصة ...، ففتح فمى من الدهشة وسمعت صراخ أمى وضممت القرآن فى صدرى ووقعت على الأرض ، و حينها حضر عبد الله وجرى نحوى وأمسك برأسى وقال بحسرة : آسف يا صديقى ... لقد أتيتك متأخرا ، وانفجر فى البكاء، وشعرت بصدق عبراته ونظرت الى عائلتى وجدتهما يتألمون ولكنهم بعيدون للغاية ، وضممت القرآن الى صدرى أكثر ، وشممت رائحة جميلة ...رائعة ، وشعرت أنى خفيف كأنى طير يسبح فى الفضاء ، فقلت بسعادة :
لم تأت متأخرا يا أخى ، لقد جئت فى الوقت المناسب لتتسلم منى القرآن وتحافظ عليه ، والحمد لله الذى أماتنى فى سبيله ، أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ...
(تمت ) ( بقلمى : فاطمة على
|