عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 22-08-2011, 02:08 PM
الصورة الرمزية ndeem55
ndeem55 ndeem55 غير متواجد حالياً
عضو متواصل
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,038
معدل تقييم المستوى: 16
ndeem55 will become famous soon enough
افتراضي

موقف أخر من شيخ مجهول
لما وقعت الحرب بين مصر و الحبشة أيام الخديوي إسماعيل, و توالت على مصر الهزائم, ضاق صدر الخديوي فركب مع وزيره شريف باشا لينفس عن نفسه, و قال للوزير: ماذا تصنع إن ألمت بك ملمة ؟ قال: أجمع العلماء فيقرؤون لي صحيح البخاري, فيفرج الله عني.

فأمر الخديوي الشيخ العروسي (شيخ الأزهر) فجمع له جمعا من صلحاء العلماء و أخذوا يتلون البخاري, والهزائم تتوالى, فذهب الخديوي إسماعيل إلى الأزهر و معه شريف باشا وقال للعلماء محنقاً: إما أنكم لستم علماء, و إما أن ذلك ليس البخاري, فإن الله لم يدفع بكم و لا بتلاوتكم شيئا ... فوجم العلماء جميعا و سكتوا إلا شيخا كان في آخر الصف قال له: منك يا إسماعيل, فإنا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم ".

فزاد وجوم المشايخ, وانصرف الخديوي وشريف باشا ولم ينطقا بكلمة, و أخذ العلماء يؤنبون القائل و يلومونه, فبينما هم كذلك إذ عاد شريف باشا فقال: أين الشيخ المتكلم ؟ فقال: ها أنذا. فأخذه و مضى, و انقلب العلماء الذين كانوا يلومونه يودعونه وداع من لا يرجى لقاؤه.

و أدخل الشيخ على الخديوي و هو في بهو قصر النيل, فأقعده على كرسي أمامه و قال: أعد يا أستاذ ما قلته لي في الأزهر. فأعاد الشيخ كلمته وردد الحديث و شرحه. قال الخديوي: و ماذا صنعنا حتى ينزل بنا هذا البلاء؟ قال له: يا أفندينا, أليس الربا مباحا بقانون ؟ أليس الزنى برخصة ؟ أليس الخمر مباحاً ؟ أليس ؟... و عدد له منكرات تجري بلا إنكار. قال: و ماذا نصنع و قد عاشرنا الأجانب و هذه مدنيتهم؟ قال الشيخ: إذن ما ذنب البخاري و ما ذنب العلماء ؟ و متى كان البخاري لتلاوته و التبرك به ؟ إنما البخاري لفهمه و العمل بما فيه. فأطرق الخديوي ساعة, ثم قال: صدقت.. صدقت. و أمر فرتب له ثلاثون جنيها في الشهر.

كتاب: مقالات في كلمات ... ص: 167 للشيخ: علي الطنطاوي
رد مع اقتباس