عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-09-2011, 09:49 PM
جهاد2000 جهاد2000 غير متواجد حالياً
أحصائى أول مكتبات
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 2,512
معدل تقييم المستوى: 18
جهاد2000 will become famous soon enough
افتراضي الخلافة الإسلامية.. المفترى عليها

الخلافة الإسلامية.. المفترى عليها

الاربعاء 02 شوال 1432 الموافق 31 أغسطس 2011

د. محمد عمارة

هناك نَفَرٌ من المثقفين العلمانيين يتحسَّسون مسدَّساتِهم إذا سمعوا عبارة "الخلافة الإسلامية"، وذلك دون أن يَتدبَّروا أنَّ هذه الخلافة– عند الذين يَتطلُّعون إلى إحيائها– لا تَعْدُو أن تكون نظامًا سياسيًّا مشابهًا "للاتحاد الأوروبي"، الذي يتألَّف من دولٍ قُطْرِيّة، مفتوحة حدودها أمام جميع أبناء تلك الدول، مع اتحادٍ في الخطوط العريضة للسياسة في أَوْصَالِها الحيوية والفعالية، وهذا هو الشكل المعاصر للخلافة الإسلامية– المناظر للاتحاد الأوربي– حتى وإنْ لم نُسمِّها "خلافة".. لأن الخلافة– تاريخيًّا– لم تَعْنِ سوى الرابطة السياسية التي تحقِّق وحدة الأمة وتكامل دار الإسلام وتطبيق الشريعة الإسلامية.

ومنذ أكثر من قرنٍ من الزمان، سُئِل مفتى الديار المصرية– الإمام محمد عبده (1266– 1323هـ- 1849– 1905م) عن موقف الإسلام من نظام "الجنسيَّة" الذي شُرِع للفصل بين الدول القومية والقطرية فقال:

"من المعلوم أنَّ الشريعة الإسلامية قامت على أصل واحد، وهو وجوب الانقياد لها على كل مسلم، في أي محل عمل وإلي أي بلد ارْتَحَل، فإذا نزل بلدًا إسلاميًّا جرت عليه أحكام الشريعة الإسلامية في ذلك البلد، وصار له من الحق ما لأهله، وعليه من الحق ما عليهم، لا يُمَيِّزه عنهم مميز، ولا أثر لاختلاف البلاد في اختلاف الأحكام، ولا ذِكْر لاختلاف الأوطان في الشريعة الإسلامية.. فالشريعة واحدة والحقوق واحدة، يستوِي فيها الجميع في أي مكان كانوا من البلاد الإسلامية، فوطن المسلم من البلاد الإسلامية هو المحلّ الذي ينوي الإقامة فيه.. فهو رَعِيّة الحاكم الذي يقيم تحت ولايته دون سواه من سائر الأحكام، وله من حقوقِ رَعِيّة ذلك الحاكم وعليه ما عليهم، لا يُميّزه عنهم شيء، لا خاصّ ولا عام.

أما الجنسية فليست معروفة عند المسلمين، ولا لها أحكام تجري عليهم، لا في خاصّتهم ولا عامتهم، وإنَّما الجنسية عن الأمم الأوربية تُشْبِهُ ما كان يسمى عند العرب عصبية.. ولقد جاء الإسلام فألْغَى تلك العصبية، ومَحَا آثارها، وسوَّى بين الناس في الحقوق، فلم يبقَ للنسب ولا ما يتّصل به أثر في الحقوق ولا في الأحكام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله أذهب عنكم غيبة الجاهلية– (عظمتها) وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس كلهم بنو آدم، وآدم من تراب" وورَد كذلك عنه: "ليس منا من دَعَا إلى العصبية".

فمن كان مصريًّا وسكن في بلاد المغرب وأقام بها جرت عليه أحكام بلاد المغرب، ولا ينظر إلى أصله بوجهٍ من الوجوه.. وأما حقوق الإمتيازات المعبر عنها " بالكابيتو لاسيون" فلا يوجد شيء منها بين الحكومات الإسلامية.. هذا ما تَقْضِي به الشريعة الإسلامية، على اختلاف مذاهبها، لا جنسية في الإسلام، ولا امتياز في الحقوق بين مسلم، والبلد الذي يُقِيم فيه المسلم من بلاد المسلمين هو بلدي، ولأحكامه عليه السلطان دون غيره".

تلك هي الصورة الإسلامية للعلاقة بين شعوب الأمة الإسلامية وأقطارها.. وهى الصورة التي حقَّقها الاتحاد الأوربي بين شعوب أوربا وقومياتها وأقطارها، التي لا تمتلك من عوامل الوحدة ما تَمْتَلِكُه الشعوب الإسلامية.. فهل نفكِّر– ونحن نتحدَّث عن المستقبل– في المقاصد، بدلاً من الاختلاف حول الأسماء؟!
رد مع اقتباس