هذه فتوى مطولة للدكتور سليم العوا و هو بالمناسبة من معارضى النظام المصرى ( يعنى مفيش ضغوط عليه)
اقتباس:
فإذا أردنا أن نتعرّف على حُكم الشريعة الإسلاميّة في مسألة ختان الإناث، فإننا نبحث في القرآن الكريم ثم السُنّة النبويّة ثم الإجماع ثم القياس، وقد نجد في الفقه ما يعيننا فنطمئن به إلى فهمنا ونؤكّده، وقد لا نجد فيه ما ينفع في ضوء علم عصرنا وتقدّم المعارف الطبّية خاصّة، فنتركه وشأنه ولا نعول على ما هو مدوّن في كتبه.
وقد خلا القرآن الكريم من أي نص يتضمّن إشارة من قريب أو بعيد إلى ختان الإناث، وليس هناك إجماع على حُكم شرعي فيه، ولا قياس يمكن أن يُقبل في شأنه.
أمّا السُنّة النبويّة فإنها مصدر ظنِّ المشروعيّة، لما ورد في مدوّناتها من مرويّات منسوبة إلى الرسول (ص) في هذا الشأن. والحق أنه ليس في هذه المرويّات دليل واحد صحيح السند يجوز أن يستفاد منه حُكم شرعي في مسألة بالغة الخطورة على الحياة الإنسانيّة كهذه المسألة. ولا حجّة، عند أهل العلم، في الأحاديث التي لم يصح نقلها، إذ الحجّة فيما صح سنده دون سواه.
والروايات التي فيها ختان الإناث أشهرها حديث إمرأة كانت تسمّى أم عطيّة، وكانت تقوم بختان الإناث في المدينة المنورة، زعموا أن النبي (ص) قال لها : "يا أم عطيّة : أشِمِّي ولا تُنهِكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج"، وهذا الحديث رواه الحاكم والبيهقي وأبو داوود بألفاظ متقاربة، وكلّهم رووه بأسانيد ضعيفة كما بيّن ذلك الحافظ زين الدين العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين للغزالي 2.
وقد عقّب أبو داوود، والنص المروي عنده مختلف لفظه عن النص السابق، على هذا الحديث بقوله "روي عن عبد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده. وليس هو بالقوي، وقد روي مرسلاً [...] وهذا الحديث ضعيف" 3.
وقد جمع بعض المعاصرين طرق هذا الحديث، وكلّها طرق ضعيفة لا تقوم حجّة حتّى قال أخونا الدكتور العلاّمة محمّد الصبّاغ في رسالته عن ختان الإناث : "فأنظر رعاك الله إلى هذين الإمامين الجليلين أبي داوود والعراقي وكيف حَكما بالضعف ولا تلتفت إلى من صحّحه من المتأخّرين".
فحديث أم عطيّة - إذاً - بكل طرقه لا خير فيه ولا حجّة تستفاد منه. ولو فرضنا صحّته جدلاً، فإن التوجيه الوارد فيه لا يتضمّن أمراً بختان البنات، وإنّما يتضمّن تحديد كيفيّة هذا الختان إن وقع، وأنها "إشمام" وصفه العلماء بأنه كإشمام الطيب، يعني أخذ جزء يسير لا يكاد يحس من الجزء الظاهر من موضع الختان وهو الجلدة التي تسمّى "الغلفة". وهو كما قال الإمام الماوردي : "[...] قطع هذه الجلدة المستعلية دون إستئصالها". وهو كما قال الإمام النووي : "قطع أدنى جزء منها". فالمسألة مسألة طبّية دقيقة تحتاج إلى جرّاح متخصّص يستطيع تحديد هذا "الجزء المستعلي" الذي هو "أدنى جزء منها"، ولا يمكن أن تتم - لو صح جوازها - على أيدي الأطبّاء العاديين فضلاً عن غير المتخصّصين في الجراحة من أمثال القابلات والدايات وحلاّقي الصحّة... الخ، كما هو الواقع في بلادنا وغيرها من البلاد التي تجرى فيها هذه العمليّة الشنيعة للفتيات.
والحديث الثاني الذي يوازي في الشهرة حديث أم عطيّة هو ما يروى أن النبي (ص) قال : "الختان سُنّة للرجال مَكرُمَة للنساء"، وقد نص الحافظ العراقي في تعليقه على إحياء علوم الدين على ضعفه أيضاً. ولذلك، ولغيره، قال العلاّمة الشيخ سيّد سابق في فقه السُنّة : "أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شيء" 4.
وقد نص الحافظ إبن حجر في كتابه "تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير" على ضعف هذا الحديث، ونقل قول الإمام البيهقي فيه إنه ضعيف منقطع. وقول إبن عبد البر في "التمهيد لما في الموطّأ من المعاني والأسانيد" : إنه يدور على رواية راو واحد لا يحتج به 5.
وكلام الحافظ أبي عمر إبن عبد البر في كتابه المذكور نصّه : "واحتج من جعل الختان سُنّة بحديث أبي المليح هذا، وهو يدور على حجّاج بن أرطأة، وليس ممّن يحتج بما إنفرد به، والذي أجمع المسلمون عليه : الختان في الرجال [...]" 6.
وعلى ذلك فليس في هذا النص حجّة، لأنه نص ضعيف، مداره على راو لا يحتج بروايته، فكيف يؤخذ منه حُكم شرعي بأن أمراً معيّناً من السُنّة أو من المكرمات وأقل أحوالها أن تكون مستحبّة، والإستحباب حُكم شرعي لا يثبت إلاّ بدليل صحيح.
ولا يُرَدّ على ذلك بأن لهذا الحديث شاهداً أو شواهد من حديث أم عطيّة السابق ذكره. فإن الشواهد التي أوردها بعض من ذهب إلى صحّته، معلولة بعلل قادحة فيها، مانعة من الإحتجاج بها.
وعلى الفرض الجدلي أن الحديث صحيح، وهو ليس كذلك، فإنه ليس فيه التسوية بين ختان الذكور وختان الإناث في الحُكم، بل فيه التصريح بأن ختان الإناث ليس بسُنّة، وإنّما هو في مرتبة دونها. وكأن الإسلام حين جاء وبعض العرب يختنون الإناث أراد تهذيب هذه العادة بوصف الكيفيّة البالغة منتهى الدقّة، الرقيقة غاية الرقّة، بلفظ "أشِمِّي ولا تُنهِكي" الذي في الرواية الضعيفة الأولى، وأراد تبيين أنه ليس من أحكام الدين ولكنّه من أعراف الناس بذكر أنه "سُنّة للرجال [...]" - وهي "أي السُنّة" هنا بمعنى العادة لا بالمعنى الأصولي للكلمة، في الرواية الضعيفة الثانية.
ولا تحتمل الروايتان على الفرض الجدلي بصحّتهما تأويلاً سائغاً فوق هذا. ولو أراد النبي (ص) التسوية بين الرجال والنساء لقال : "أن الختان سُنّة للرجال والنساء"، أو لقال : "الختان سُنّة"، وسكت. فإنه عندئذ يكون تشريعاً عامّاً ما لم يقم دليل على خصوصيته ببعض دون بعض. أمّا وقد فرّق بينهما في اللفظ، لو صحّت الرواية، فإن الحُكم يكون مختلفاً. وكونه سُنّة، بالمعنى الأعم لهذه الكلمة، يكون في حق الرجال فحسب. وهذا هو ما فهمه الإمام إبن عبد البر القرطبي حين عرّض بالذين قالوا إنه "سُنّة" لاعتمادهم تلك الرواية الضعيفة وبيّن أن الإجماع منعقد على ختان الرجال.
ولمثل هذا الفهم قال الإمام إبن المنذر "ليس في الختان خبر يرجع إليه ولا سُنّة تتّبع" 7. وقال الإمام الشوكاني : "ومع كون الحديث لا يصلح للإحتجاج به فهو لا حجّة فيه على المطلوب" 8.
وفي بعض ما نشر مؤخّراً في مصر حول هذا الموضوع، ذِكر إمرأة سمّوها (أم حبيبة)، وذِكر حديث لها في هذا الشأن مع النبي (ص). وهذا الحديث لا يوجد في كتب السُنّة وليس هناك ذكر فيها لامرأة بهذا الإسم كانت تقوم بهذا العمل. فكلامهم هذا لا حجّة فيه، بل لا أصل له.
وقد إحتجّوا بحديث روي عن عبد الله بن عمر، فيه خطاب لنساء الأنصار يأمرهن بالختان. وهو حديث ضعيف كما في المصدر الذي نقلوه منه نفسه 9. فلا حجّة لأحد في هذا الأمر المزعوم كذلك.
وفي السُنّة الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها، مرفوعاً إلى رسول الله (ص)، وموقوفاً على عائشة، حديث يروى بألفاظ متقاربة تفيد أنه : "إذا إلتقى الختانان فقد وجب الغسل". روى هذا الحديث مالك في الموطّأ، ومسلم في صحيحه، والترمذي وابن باجة في سُنَنهما، وغيرهم من أصحاب مدوّنات الحديث النبوي.
وموضع الشاهد هنا قوله (ص) "الختانان" إذ فيه تصريح بموضوع ختان الرجل والمرأة، ممّا قد يراه بعض الناس حجّة على مشروعيّة ختان النساء.
ولا حجّة في هذا الحديث الصحيح على ذلك. لأن اللفظ هنا جاء من باب تسمية الشيئين أو الشخصين أو الأمرين بإسم الأشهر منهما، أو بإسم أحدهما على سبيل التغليب. ومن ذلك كلمات كثيرة في صحيح اللغة العربيّة منها العُمَران (أبو بكر وعمر) والقمران (الشمس والقمر) والنيِّران (هما أيضاً، وليس في القمر نور بل إنعكاس نور الشمس عليه) والعشاءان (المغرب والعشاء) والظهران (الظهر والعصر). والعرب تغلّب الأقوى والأقدر في التثنية عادة. ولذلك قالوا للوالدين (الأبوان) وهما أب وأم. وقد يغلّبون الأخف نطقاً كما في العمرين (لأبي بكر وعمر) أو الأعظم شأناً كما في قوله تعالى : "وما يستوي البحران هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج" (الفرقان 53:25). فالأوّل النهر والثاني البحر الحقيقي. وقد يغلّبون الأنثى في هذه التثنية ومن ذلك قولهم : (المروتان) يريدون جبلي الصفا والمروة في مكّة المَكرُمَة. وكل ذلك مشهور معروف عند أهل العلم بلسان العرب 10.
وهكذا يتبيّن أن السُنّة الصحيحة لا حجّة فيها على مشروعيّة ختان الأنثى. وأن ما يحتج به من أحاديث الختان للإناث كلّها ضعيفة لا يستفاد منها حُكم شرعي. وأن الأمر لا يعدو أن يكون عادة من العادات، ترك الإسلام للزمن ولتقدّم العلم الطبّي أمر تهذيبها أو إبطالها.
|
__________________
الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية
آخر تعديل بواسطة pureheart ، 28-03-2008 الساعة 12:54 AM
|