عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 28-03-2008, 12:00 AM
الصورة الرمزية pureheart
pureheart pureheart غير متواجد حالياً
طالبة جامعية ( كلية الصيدلة جامعة قناة السويس )
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
العمر: 32
المشاركات: 1,097
معدل تقييم المستوى: 19
pureheart is on a distinguished road
افتراضي

الجزء الثانى
اقتباس:
وبقي أن نذكّر الداعين إلى ختان الإناث، والظانّين أنه من الشرع، أن هذا الختان الذي نتحدّث عنه ليس معنى مجرّداً نظريّاً يجوز أن يتجادل فيه الناس حول الصحّة والفساد العقليين، وإنّما هو عادة سائدة تدل الإحصائيّات المصريّة المنشورة على أن 95% من الإناث المصريّات تجرى لهن عمليّة الختان 11. وهي تجرى بإحدى صور ثلاث كلّها تخالف ما يدعو المؤيّدون لختان الإناث إلى إتّباعه فيها.

وبجميع الصور التي يجرى بها الختان للإناث في مصر فإنه يقع تحت مسمّى "النهك" الذي ورد في نص الحديث الضعيف. أي أنه لا فائدة من الإحتجاج بما يحتجّون به من هذا الحديث لأن العمل لا يجري على وفقه، بل يجري على خلافه. والختان الذي يجري في مصر، بصوره الثلاث، عدوان على الجسم يقع تحت طائلة التجريم المقرّر في قانون العقوبات 12.

والمسؤوليّة الجنائيّة والمدنيّة عن هذا الفعل يستوي فيها الأطبّاء وغير الأطبّاء، لأن الجهاز التناسلي للأنثى في شكله الطبيعي الذي خلقه الله تعالى عليه ليس مرضاً، ولا هو سبب لمرض، ولا يسبّب ألماً من أي نوع يستدعي تدخّلاً جراحيّاً. ومن هنا فإن المساس الجراحي بهذا الجهاز الفطري الحسّاس، على أيّة صورة كان الختان عليها، لا يُعد - في صحيح القانون - علاجاً لمرض أو كشفاً عن داء أو تخفيفاً لألم قائم أو منعاً لألم متوقّع ؛ ممّا تباح الجراحة بسببه. فيكون الإجراء الجراحي المذكور غير مباح وواقعاً تحت طائلة التجريم 13.

وقد نهى رسول الله (ص) عن تغيير خلق الله، وصح عنه لعن "المغيّرات خلق الله"، والقرآن الكريم جعل من المعاصي قطع بعض الأعضاء ولو من الحيوان، بل هو ممّا توعّد الشيطان أن يضل به بني آدم في أنعامهم وقرنه بتغيير خلق الله، فقال تعالى عن الشيطان : "لعنه الله وقال لاتّخذن من عبادك نصيباً مفروضاً. ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيّرن خلق الله ومن يتّخذ الشيطان من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً" (النساء 118:4-119) 14.

والختان بصورته التي يجرى بها في مصر، وفي أجزاء أخرى من العالم الإسلامي، فيه تغيير خلق الله، ومن قطع بعض أعضاء الإنسان المعصومة ما لا يخفى. وإذا كان هذا في الحيوان من إضلال الشيطان فكيف يكون في حق الإنسان ؟؟

ومن المعلوم للكافّة أن هذا الموضع الذي يجرى فيه الختان هو أحد المواضع الشديدة الحساسيّة للإستثارة الجنسيّة، وأنه يتوقّف على كيفيّة ملامسته إرواء المرأة من متعة التواصل الواجب مع الزوج أو حرمانها منها، وعلى إكتمال الشعور بهذا الإرواء يتوقّف إحساس المرأة بالإشباع العاطفي، وهو يكتمل باكتماله وينقص بقدر نقصانه. وكل مساس جراحي بهذا الجزء من الجسم ينتقص، بلا خلاف، من شعور المرأة بهذين الأمرين. وهذا عدوان صريح على حقّها المشروع في المتعة بالصلة الحميمة بينها وبين زوجها وفي السلام النفسي المترتّب على إستيفائها لهذا الحق. وقد خلق الله أعضاء كل إنسان على صورة خاصّة به غير متكرّرة بتفصيلاتها في غيره، وهو أعلم بما خلق ومن خلق، ولم يكن صنعه في أحد من خلقه عبثاً أو غفلة حتّى تأتي الخافضة برأي هؤلاء الداعين إلى ختان الإناث فتصحّحه. إنّما جعلت أعضاء كل إنسان لتؤدّي وظائفها له على أكمل نحو وأمثله، وحرمانه من ثمرات بعض هذه الوظائف عدوان عليه بلا شك.

والذين يدعون إلى إستمرار ختان الأنثى يتجاهلون هذه الحقيقة ويؤذون النساء بذلك أشد الإيذاء، وهو إيذاء غير مشروع، والضرر المترتّب عليه لا يمكن جبره، والألم النفسي الواقع بسببه لا يستطيع أحد تعويضها عنه.

وإذا كان الختان ليس مطلوباً للأنثى، ولا يقوم دليل واحد من أدلّة الشرع على وجوبه ولا على كونه سُنّة، فبقى أنه ضرر محض لا نفع فيه. وليس كما يزعم الداعون إليه أنه "يهذّب كثيراً من إثارة الجنس، لا سيما في سن المراهقة [...]" إلى أن قالوا "وهذا أمر قد يصوّره لنا، ويحذّر من آثاره ما صرنا إليه في عصرنا من تداخل وتزاحم بل وتلاحم بين الرجال والنساء في مجالات الملاصقة التي لا تخفى على أحد فلو لم تختن الفتيات [...] لتعرّضن لمثيرات عديدة تؤدّي بهن مع موجبات أخرى تزخر بها حياة العصر وانكماش الضوابط فيه إلى الإنحراف والفساد"!!

أقول إن الأمر ليس كما يزعمون، لأن موضع الختان لا تتحقّق الإثارة الجنسيّة فيه إلاّ باللمس الخاص المباشر، الذي لا يقع قطعاً في حالات التداخل والتزاحم ومجالات الملاصقة (التي أظهرُها وسائل المواصلات العامّة) التي يتحدّثون عنها. وهذه المجالات يجرى فيها تلامس غير جائز بين الرجال والنساء في أجزاء شتّى من الجسم البشري، فهل تعالج هذه الحالات بقطع هذه الأجزاء من أجسام الناس جميعاً ؟؟

ومعلوم أن كل عفيف وكل صائنة نفسها يكونان في غاية الألم والأسى إذا وقع شيء من ذلك، وهو يقع عادة دون قصد أو تعمّد. ومع هذه الحالة النفسيّة، التي يكون فيها الأسوياء من الناس، نساء ورجالاً، تعساء آسفين مستغرقين حياء وخجلاً، لا تقع إستثارة جنسيّة أصلاً، لأن مراكز الإحساس في المخ تكون معنيّة بشأن آخر، غير هذا الشأن الذي لا يكون إلاّ في طمأنينة تامّة وراحة كاملة واستعداد راض، اللهم إلاّ عند المرضى والشواذ، وهم لا حُكم لهم.

إن العفّة والصوّان المطلوبين للنساء والرجال على سواء، هما العاصم ممّا لا يحمد من نتائج اللقاء المتقارب بين النساء والرجال. والتربية على الخلق القويم هي الحائل الحقيقي بين هذا اللقاء وبين إحداث آثار ممنوعة شرعاً مستهجنة خلقاً. أمّا ما يدعون إليه من ختان الإناث فلا فائدة فيه، بل هو ضار ضرراً محضاً كما بينّا.

ومن واجب الدولة في مصر، وفي غيرها من البلاد الإسلاميّة التي تشيع فيها هذه العادة السيّئة، إصدار التشريع المانع لممارستها، لا سيما على الوجه الذي تمارس به الآن، ولا يجوز أن يمنع من ذلك جمود بعض الجامدين على ما ورثوه من آراء السابقين. فقد نص الفقهاء على أن في قطع الشفرين (وهما اللحمان المحيطان بموضع الجماع) الديّة الكاملة. والديّة عقوبة لمن يدفعها وتعويض لمن يستحقّها. وعلّلوا ذلك بأنه بهذين الشفرين "يقع الإلتذاذ بالجماع". فكل فوات لهذا الإلتذاذ أو بعض منه يوجب هذه العقوبة التعويضيّة، ومنع سببه جائز قطعاً، بل هو أولى من إنتظار وقوعه ثم محاولة تعليله أو تحليله 15.

وهكذا يتبيّن حُكم الشرع في ختان الأنثى : إنه لا واجب ولا سُنّة، ولم يدل على واحد منهما دليل، وليس مَكرُمَة أيضاً لضعف جميع الأحاديث الواردة فيه. بل هو عادة، وهي عادة ليست عامّة في كل بلاد الإسلام بل هي خاصّة ببعضها دون بعض. وهي عادة ضارّة ضرراً محضاً لا يجوز إيقاعه بإنسان دون سبب مشروع. وهو ضرر لا يعوّض لا سيما النفسي منه. وقد أوجب الفقهاء إذا فاتت بسببه، أو بسبب الحيف فيه على ما يجرى الآن في بلادنا في جميع حالات الختان، متعة المرأة بلقاء الرجل، أوجب الفقهاء فيه القصاص أو الديّة.

فليتق الله أولئك الذين يسوّغون ما لا يسوغ، وينسبون إلى الشرع ما ليس منه. وليذكروا وصيّة الرسول (ص) بالنساء : "إستوصوا بالنساء خيراً". وليضعوا أنفسهم موضع هؤلاء المسكينات اللاتي حرمن بهذا الختان، الذي لم يرد به شرع، متعة لو حُرِمها هؤلاء الرجال ما عوّضهم عنها شيء قط!!
__________________
الأختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية