المواطنة والانتماء كلمتان كبيرتان، تلتصقان بالطفل منذ مولده، لانه بالفعل ولد مواطنا، وينتمي إلى وطن، والوطن ليس قطعة ارض يقيم عليها الإنسان ولكنه تاريخ، وروابط اجتماعية، ومعنوية، ومادية تشد الإنسان إلى مكان ما تجعله على استعداد للدفاع عنه بكل ما يستطيع من قوة. وقد امرنا الله بالدفاع عن أرضنا وحمايتها ولنا في قصة سيدنا موسى مع إسرائيل عبرة وموعظة، عندما أمر الله بني إسرائيل أن يطيعوا نبي الله موسى عليه السلام وأن يدخلوا الأرض المقدسة لتحريرها وحمايتها ولكن بني إسرائيل عصوه قائلين « فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون«. فحكم الله تبارك وتعالى عليهم بالتيه في الأرض أربعين سنة.
وحب الوطن والانتماء له ليس فقط من الإيمان، بل من الفطرة السليمة، ليس فقط عند الإنسان بل الأحياء عموما، فهناك الحيوانات التي تهاجم أيّ دخيل على حدودها، والنباتات التي تفرز توكسينات سامة حول جذورها وجذوعها لتبيد أيّ أعشاب متطفلة على موطنها، فأينما يوجد وطن فلابد من وجود مواطن، فالوطن بلا مواطن كالشجرة الخاوية على عروشها، والمواطن بلا وطن إنسان بلا هوية تائه في الأرض. ولكن هل الإنسان في العصر الحديث يدرك معنى الانتماء المصحوب بالدفاع عن وطنه، وما دور الأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام والجهات الحكومية والسياسية المعنية بتنمية أو إضعاف روح المواطنة والانتماء داخل المواطن ؟ هذا ما سوف نعرفه من خلال التحقيق التالي. قصور الدولة الحديثة كان للدكتور محمد جواد رضا مستشار الدراسات التربوية والاجتماعية بمركز البحرين للدراسات والبحوث سابقا رأي يقول فيه ان العولمة كشفتنا بشكل قبيح لوجود عيوب وقصور في التربية المقدمة للشباب وان الدول الحديثة ركزت في الإنسان اكثر من المواطن، وان أخلاقيات المواطنة تعتمد في هذه الدول على أن الدولة يجب أن تكون أخلاقية في تعاملها مع المواطن بقدر ما يتوقع من المواطن أن يكون أخلاقيا في تعامله مع الدولة ومع المواطنين الآخرين. ويرى جواد أن الحل ببساطة يكمن في التربية، تلك القوى المهملة التي يجب أن تسخر أولا
كما أكد ضرورة تعزيز مفاهيم الانتماء والمواطنة والديمقراطية وحقوق الإنسان في المناهج المدرسية، ومن خلال التعليم اللاصفي ضمن منظور تربوي وحياتي شامل، وفى هذا الصدد يجرى تدريب المعلمين على المشاركة واحترام الرأي الآخر وتعليم الطلبة الممارسة الديمقراطية
ويؤكد أن التوعية بالمواطنة يجب أن تمتد إلى المسجد والمأتم ومؤسسات المجتمع المدني، فالشباب يحتاج إلى تعلم موقفي وهذا واضح في الإسلام فالعمل الفعلي هو الذى له اثر في السلوك القومي بالتطبيق وليس بالقول وقد قال الله في كتابه العزيز «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون«.
واحتكاك الطفل بزملائه في المدرسة يجعله يشعر بذاته من خلال الآخرين، وشعوره بأنه جزء من مجموع يخلق توازنا نفسيا داخله مما يجعله ينتمي إلى مجتمع المدرسة، التي يجب أن تشرح للطفل ببساطة معنى الانتماء للرموز الوطنية المتمثلة في العلم والخريطة والسلام الملكي، فعندما يطلب من الطفل ان يحترم العلم فيجب ان يفهم بطريقة مبسطة ما معنى العلم، أو الوقوف عند عزف السلام الملكي فيجب ان يفهم لماذا يقف؟ وتختم حديثها مؤكدة ان الانتماء لا يدرس في الكتب ولكن من خلال مرور الطفل بالكثير من الخبرات والتجارب التي يكتسبها عن طريق الاحتكاك بالمجموعات التي يتعايش معها في وطنه الصغير المتمثل في أسرته ومدرسته وزملائه في الرياضة التي يمارسها، والمحافظة على نظافة المكان الذى ينتمي إليه، ثم يأتي الانتماء تلقائيا إلى كل جزء في الوطن الكبير.
__________________
مع أطيب الأمنيات بالتوفيق
الدكتورة/سلوى عزازي
|