دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في حريملاء
بدأت أولى إرهاصات الدعوة في حريملاء؛ ليتمثَّل محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد بدأ أوَّلاً بدعوة عشيرته الأقربين، ثم دعوة قومه، فأجلى لهم حقيقة التوحيد الخالص لله عز وجل؛ إذ لا يُدعى إلاَّ الله وحده لا شريك له، ولا يُذبح ولا يُنذر إلاَّ له، وأن عقيدتهم في تلك القبور والأحجار والأشجار -من الاستغاثة بها، وصرف النذور إليها، واعتقاد النفع والضرِّ منها- ضلالٌ وبهتان.
واستمرَّ الشيخ محمد بن عبد الوهاب –رحمه الله- يُدافع عن دعوته، فينشرها بين الناس بالحكمة والموعظة، متخذًا كتاب الله سبحانه وتعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم منهاجًا ودليلاً؛ حتى أصبح الأمر مثار نقاش وجدال بينه وبين والده وأخيه سليمان، الذي اقتنع بحقيقة دعوة أخيه في أواخر حياة الشيخ كما سيأتي بيانه.
وكان أهل حريملاء قبيلتين، أصلهما قبيلة واحدة، كلٌّ منهما يدعي لنفسه القوة والغلبة والكلمة العليا، ولم يكن لهم رئيس واحد يجمعهم تحت كلمته، وقد كان في البلد عبيد لإحدى القبيلتين، كثُر تعدِّيهم وفسقهم، فأراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- أن يمنعهم من الفساد، وينفِّذ ما أنزله الله عز وجل في كتابه، فهمَّ العبيد أن يفتكوا بالشيخ، ويقتلوه سرًّا بالليل، فلما تسوَّروا الجدار علم بهم الناس فصاحوا بهم فهربوا[13].
مكث الشيخ محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- في حريملاء تلك السنين يدعو الناس في ثبات وصبر، وقد أنتج فيها كتابه الشهير (التوحيد)[14]، ثم قرَّر ابن عبد الوهاب –رحمه الله- أن ينتقل إلى العيينة حينما أيقن أن بقاءه في حريملاء لم يَعُدْ يُجدي نفعًا، وكان ذلك في بدايات عام (1157هـ)[15].