2ـ فى العلاقة بين السلطة والثورة فإن مبارك يعتبر فريدا بين قطيع المستبدين . المستبد ينشد السلطة والثروة ويشترى الشهرة ، ومعظم المستبدين يجعل السلطة فى المقدمة ، وتتبعها الثروة والشهرة ، عبد الناصر كان تركيزه على السلطة ، وتطرف فيها فطمع وطمح لأن يكون حاكما مستبدا للعرب جميعا . صدام والقذافى سارا جزئيا على طريق عبد الناصر ولأنه ليس لهما زخم زعامة عبد الناصر و حب الجماهير له فقد عوضا ذلك بسرقة البلايين تأمينا للمستقبل . وعلى نفس النسق يسير معظم المستبدين وأتباعهم فى كل زمان ومكان ، كل منهم يرى المال وسيلة لا غاية ، يجمع المال لكى يؤمّن نفسه، لا يفترق فى ذلك خلفاء الأمويين والعباسيين عن بشار الأسد وعبد الله الاردنى والسعوديين . شذّ عن هذه القاعدة قليلون منهم عبد الناصر والسادات ومبارك .
عاش عبد الناصر فقيرا نزيها ومات فقيرا نزيها ، إنشغل عن المال بتحقيق حلمه فى أن يكون الحاكم بأمره للعرب جميعا. وانشغل السادات بولعه بالشهرة ، إذ كان السادات فى حقيقته ممثلا يعشق انبهار الناس به وملاحقة الاعلام له ، فعاش (يمثل ) دور الرئيس الى أن مات قتيلا أمام أعين العالم فى فيلم درامى حقيقى قد لا يتكرر فى خيال مبدعى السينما. مبارك هو الآخر فريد من نوعه بين المستبدين . هو لصّ خسيس بدرجة رئيس . كان مستعدا لفعل أى شىء بسبب ولعه بالمال. المال كان ـ ولا يزال ـ عشقه الأكبر. ولازمه هذا العشق للمال من بدايته الى نهايته.
المستبد العادى من فئة الدرجة الثالثة التى ينتمى اليها مبارك يعرف إن المال يأتى تبعا للسلطة وعلى قدرها، فضابط البوليس يبدأ بسلطة لا تلبث أن تتحول الى ثروة ، وتزداد هذه الثروة كلما ترقّى وزادت سلطته ، وهو يتمتع بالسلطة قدر تمتعه بالثروة. ولكن مبارك جعل الثروة هى الأساس ، وكل طموحه كان فى تجميع الثروة ، وسعيه للترقى الذى وصل به الى رئاسة جمهورية مصر كان بهدف جمع واكتناز المال ، وعمله فى التوريث كان لضمان استمرار اكتناز المال لاسرته ؛ ولديه وأحفاده .