عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 05-11-2011, 01:11 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

خصائص التربية الإسلامية

نود في هذا الفصل أن نلقي الضوء على أهم خصائص التربية الإسلامية، إذ أن التربية هي مناط تنشئة الأجيال علي الاستقامة حتى تؤتي العبادات ثمراتها. وقد فرَّق أئمة المسلمين بين التربية على الاستقامة التي هي بمثابة الوقاية من الفساد وشروره، وبين التوبة بعد الانغماس في الحياة المادية وترهاتها، فهي، وإن كانت تحقق نفعا ًومصلحة أكيدة للتائب، إلا أنها بمثابة علاج للمريض. وفرق كبير بين من نشأ صحيحاً، وبين المريض الذي يتناول الدواء للشفاء، فالأخير يحتاج إلى وقت ومثابرة وجهد، بينما الأول يعيش في تلقائية ويسر في المُناخ النقي، وفي كلٍّ خير.

أهم خصائص التربية الإسلامية
1. تربية إيمانية : أولى خصائص التربية الإسلامية هي أنها تربية إيمانية تهدف إلى تكوين الإنسان المؤمن الذي يوحد الله تعالى، ويراقبه في سره وعلانيته، ويسارع في الخيرات، لذلك تبدأ بغرس كلمة الإيمان في النفس، وتعمل بوسائل شتى على ترسيخها وتثبيت جذورها في القلب، لأن الإيمان إذا تغلغل في القلب كان قوة ذاتية تدفع الإنسان إلى السلوك القويم، والتحلي بالأخلاق الحميدة، والاستقامة على طريق والصلاح.
على هذا المنهج قامت دعوات الأنبياء عليهم السلام، بدأ كل واحد منهم بتقرير قاعدة الإيمان والتوحيد، وجاهد بكل الوسائل من أجل ترسيخها.
وعلى ذلك النهج قامت الدعوة الإسلامية في المرحلة المكية، جاهد النبي، صلى الله عليه وسلم، سنوات طوالاً في سبيل تقرير معاني التوحيد ومبادئ الإيمان وتخليص نفوس المؤمنين من رواسب الشرك والوثنية، وذلك لأن العقيدة السليمة إذا تمكنت ورسخت في النفوس، كانت كافية لجعل الإنسان مستعدّاً تمام الاستعداد للقيام بالتكاليف وامتثال الأوامر عن طواعية.
الإيمان الراسخ هو الأساس الذي يرتكز عليه منهج التربية الإسلامية، وهو الأصل الذي تنبثق منه سائر الفضائل الخلقية. قال الله عز وجل : {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجُنُبِ والصاحب بالجنْبِ وابنِ السبيل وما ملكت أيمانُكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً}(1).
في هذه الآيات الكريمات ما يدل على أن مظاهر السلوك وفضائل الأخلاق ومحاسن المعاملات مرتبطة بالعقيدة، فإفراد الله تعالى بالعبادة يتبعه الإحسان إلى الوالدين وذوي القربى واليتامى والمساكين. فالباعث على الخلق الطيب والعمل الطيب هو الإيمان بالله واليوم الآخر والتطلع إلى رضا الله وجزاء الآخرة.
والكفر بالله واليوم الآخر يتبعه الاختيال والفخر والبخل وكتمان فضل الله ونعمته وسائر الرذائل.
من هذا المنهج التربوي الرباني انطلق لقمان الحكيم في نصائحه التربوية الحكيمة التي نصح بها ولده، فقد بدأها بدعوته إلى الإيمان والعقيدة الصافية، وذلك ما دل عليه النهي عن الشرك والتحذير منه في قوله كما ورد في القرآن الكريم. {يا بُنيَّ لا تُشركْ باللهِ إن الشركَ لظلمٌ عظيم}(2).
ومنه انطلق كذلك رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حين وجه نصيحته التربوية الحكيمة لسيدنا عبد الله بن عباس وهو غلام يافع. >عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما، قال: كنت خَلْفَ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على دابة فقال: يا غلام إني أعلمك كلماتٍ: احفظِ اللهَ يحفظْك، احفظِ الله تجدْهُ تجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك لم يضرُّوك إلا بشيٍء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفَّتِ الصُّحُفِ< (3) .
أراد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهذا الحديث أن يصفي عقيدة ذلك الغلام من كل ما قد يعكرها من الشوائب. إن من طبيعة الإنسان أن يبحث لنفسه عن سند قوي، يحميه وقت الحاجة، ويعينه على بلوغ مقاصده، ويجلب له المنافع ويدفع عنه المضار. ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، يعلم أن هذا هو المَنْفَذُ الذي يتسرب منه الشرك إلى القلوب، فيفسد العقيدة، ويبطل الإيمان، فأراد، صلى الله عليه وسلم، أن يعلم هذا الغلام العقيدة الصافية، ويبين له أن الحافظ والمعين والنافع والضار هو الله تعالى.
وهذه الوصية التربوية النبوية تدل على أن العقيدة هي أساس التربية في المنهج الإسلامي، فالإيمان بأن الله تعالى هو وحده الحافظ والمعين والنافع والضار، يحرر فكر الإنسان من الأوهام والخرافات، ويوجهه في طريق التفكير السليم، فلا يطلب العون إلا من الله، وإن جاءه نفع أو ضر من قبل مخلوق، أيقن أنه بإذن الله وقضائه.
وإن للعقيدة لأثراً طيباً في تكوين الضمير الأخلاقي، قال الشيخ القرضاوي، > فعقيدة المؤمن في الله أولاً، وعقيدته في الجزاء والحساب ثانياً تجعل ضميره في حياة دائمة، وفي صحوة مستمرة، إنه يعتقد أن الله معه حيث كان في السفر أو في الحََضَر، في الخلوة أو الجلوة، ويعتقد أنه محاسب يوم القيامة على عمله. بهذه العقيدة يصبح ويمسي مراقباً لربه محاسباً لنفسه، لا يظلم ولا يخون، ولا يتطاول ولا يستكبر ولا يفعل في السر ما يستحي منه في العلانية. هذا الضمير الديني هو الركيزة الأولى للأخلاق، وهو الأساس لحياة اجتماعية فاضلة"(4).
__________________