عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 05-11-2011, 01:15 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

2. تربية متوازنة : من أهم خصائص التربية في المنهج الإسلامي أنها تربية تهتم ببناء شخصية الإنسان من جميع جوانبها، تقدم له حاجته من التربية الروحية والعقلية والجسدية، وتسعى لتنمية طاقاته المتنوعة وصقل مواهبه.
غير أن التربية الروحية تحظى في المنهج الإسلامي بعناية خاصة، لأن الروح في نظر الإسلام هو مركز الكيان البشري، وجوهر حقيقة الإنسان، ولأن التربية الروحية هي الأساس لسلامة العقل والنفس معاً.
الإسلام يولي عناية كبيرة للصحة القلبية، ويؤكد أن في صلاحه صلاح الجسد كله، كما في الحديث النبوي الشريف: >ألا وإن في الجسدِ مُضْغَةٌ، إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجسدُ كله ألا وهي القلب" (5).
ويبين أن سبيل الفلاح التام هو تزكية النفس، وأن سبب الخسران التام هو تدنيسها. {قد أفلحَ من زكَّاها* وقد خاب من دسَاها}(6).
وتظهر العناية التامة بالتربية الروحية في المنهج الإسلامي في الطريقة التي أدب الله بها رسوله، صلى الله عليه وسلم، وأعده لتحمل أعباء الرسالة وتبليغها، فقد جاءت الآيات القرآنية الأولى التي نزلت عليه، صلى الله عليه وسلم، في بداية بعثته بأوامر وتوجيهات تربوية صارمة تندرج كلها في إطار التربية الروحية. قال الله عز وجل: {يا أيها المُدَّثر * قم فأنذر *وربك فكبر *وثيابك فطهر* والرُّجز فاهجر *ولا تمنُن تستكثر* ولربك فاصبر}(7).
فنداء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بصفة "المدثر"، نداء تنبيه وتأديب، لأن القعود تحت الدثار، وهو الغطاء، لا يليق بمقام الرسالة، لأنه مقام جهاد وحزم وعزم، ولكن الجهاد في سبيل تبليغ رسالة الله ونقل الناس من معتقدات راسخة إلى الإيمان الصحيح، ومن عادات سيئة متأصلة إلى الأخلاق الفاضلة، تكليف ضخم يحتاج إلى إعداد وتربية روحية متينة، ومن ثم أردف الله أمر رسوله بالإنذار، الذي يتضمن في هذا السياق معنى التبليغ والجهاد، بمجموعة من مبادئ التربية الروحية، وهي قوله، عز وجل: {وربك فكبر* وثيابك فطهر* والرجز فاهجر*ولا تَمْنُنْ تستكثْر* ولربك فاصبر } .
المبدأ الأول هو تخصيص الله تعالى بالتكبير، وهو يشمل إفراده تعالى بالتوحيد والعبادة، والمبدأ الثاني هو تطهير النفس وتطهير السلوك {وثيابك فطهر* والرُّجْزَ فاهجر}، فالمراد بالثياب هنا النفس أو القلب، والمراد بالرّجْز هو الأعمال السيئة والأوصاف الذميمة. والمبدأ الثالث: هو نكران الذات. {ولا تَمْنُنْ تستكثر}، لأن تبليغ الرسالة الإلهية، ودعوة الناس إلى دين الله يستلزمان التضحيات الجسام بالنفس والمال والجهد، ويستلزمان أيضاً هجر حياة الراحة واللذة النفسية. كل ذلك في سبيل الله ونشر دينه، لا لمنفعة ذاتية، ولا لأجر دنيوي عاجل.
والمبدأ الرابع: هو الصبر. وهو زاد الأنبياء وسلاح الدعاة.
وللعبادة فضل كبير في التربية الروحية، فهي أنجع وسائلها، وأنفع أدواتها، ويظهر هذا، أيضا، في تأديب الله تعالى لرسوله وللمؤمنين الأوائل الذين سبقوا إلى الإيمان وذلك بقوله الله عز وجل: {يا أيها المزَّمل قم الليل إلا قليلاً* نصفه أو انقص منه قليلاً* أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً* إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً}(8).
فرض الله على رسوله ومن آمن معه في المرحلة الأولى من بعثته قيام الليل ، وترتيل القرآن وبين له العلة في ذلك فقال: إنا سنلقى عليك قولا ثقيلاً، والمراد بالقول الثقيل التكليف بأمانة تبليغ الرسالة، والجهاد لتكون كلمة الله هي العليا. عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، قالت: >إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه حولاً حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثْنَى عشر شهراً. ثم أنزل الله التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعاً من بعد فريضة"(9).
والتخفيف المذكور في كلام عائشة، رضي الله عنها، هو قوله تعالى: {إن ربك يعلم أنك تقومُ أدنى من ثلثي الليل ونصَفهُ وثُلثُه وطائفةُ من الذين معك والله يقدّر الليل والنهار علم أن لن تُحْصوه فتابَ عليكم فاقرأوا ما تيسَّرَ من القرآنِ} (10).
إن فرض الصلاة الليلية وترتيل القرآن على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعلى طائفة المؤمنين معه، هو تربية روحية، قصد بها إعدادهم لتحمل تبعات الإيمان، والصمود في وجه صناديد الكفر، والصبر على الابتلاء، والثبات على طريق الجهاد الطويل الشاق.
إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة، والعبادة فيه ذات أسرار، ومن أسرارها أنها زاد الطريق، وأنها مدد الروح، وأنها جلاء القلب، وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر.
إن الله تعالى حين أمر موسى، عليه السلام، بالذهاب إلى فرعون ومواجهته بالدعوة إلى الحق، تهيب موسى من مواجهة طغيان فرعون، فدعا الله تعالى أن يشرح صدره ويحل عقدة لسانه، ويؤيده بأخيه هارون، فأعطاه الله كل ما سأل، ثم أرشده إلى العبادة والإكثار من ذكر الله، للتزود بالقوة الروحية اللازمة للموقف الرهيب، فقال سبحانه : {اذهبْ أنت وأخوك بآياتي ولا تََنِيا في ذكري* اذهبا إلى فرعون إنه طغى}(11).
نخلص من كل هذا أن التربية الروحية تحظى بالأولية في المنهج الإسلامي، وأن العبادة والذكر وترتيل القرآن من أهم وسائل هذه التربية.
__________________