فصل
في أحكام بيان هذه التراكيب الستة
فلأولان حقيقة التركيب لا***تعدوها في اللفظ والأذهان
وكذلك الأعيان أيضا انما التركـ***ـيب فيها ذلك النوعان
والأوسطان هما اللذان تنازعا العقـ***ـلاء في تركيب ذي الجثمان
ولهم أقاويل ثلاث قد حكينـ***ـاها وبينا أتم بيان
والآخران هما اللذان عليهما*** درات رحى الحرب التي تريان
أنتم جعلتم وصفه سبحانه*** بعلوه من فوق ذي الأكوان
وصفاته العليا التي ثبتت له*** بالعقل والمنقول ذي البرهان
من جملة التركيب ثم نفيتم*** مضمونها من غير ما برهان
فجعلتم المرقاة للتعطيل هـ***ـذا الاصطلاح وذا من العدوان
ولكن اذا قيل اصطلاح حادث*** لا حجر في هذا على انسان
فتقول نفيكم بهذا الاصطلا***ح صفاته هو أبطل البطلان
وكذاك نفيكم به لعلوه*** فوق السماء وفوق كل مكان
وكذاك نفيكم به لكلامه*** بالوحي كالتوراة والقرآن
وكذاك نفيكم لرؤيتنا له*** يوم المعاد كما يرى القمران
وكذاك نفيكم لسائر ما أتى*** في النقل من وصف بغيرمعان
كالوجه واليد والأصابع والذي*** أبدا يسوءكم بلا كتمان
وبودكم لو لم يقله ربنا*** ورسوله المبعوث بالبرهان
وبودكم الله لما قالها*** أن ليس يدخل مسمع الانسان
قام الدليل على استنادكم الكـ***ـون أجمعه الى خلاقه الرحمن
ما قام قط على انتفاء صفاته*** وعلوه من فوق ذي الأكوان
هو واحد في وصفه وعلوه*** ما للورى رب سواه ثان
فلأي معنى تجحدون علوه*** وصفاته بالفشر والهذيان
هذا وما المحذور الا أن يقال*** مع الاله لنا اله ثان
أو أن يعطل عن صفات كماله*** هذا محذوران محظوران
أما اذا ما قيل رب واحد*** أوصافه أربت على الحسبان
وهو القديم فلم يزل يصفاته*** متوحدا بل دائم الاحسان
فبأي برهان نفيتم ذا وقلـ***ـتم ليس هذا قط في الامكان
فلئن زعمتم أنه نقص فذا***بهت فما في ذاك من نقصان
النقص في أمرين سلب كماله*** أو شركة بالواحد الرحمن
أتكون أوصاف الكمال نقيصة*** في أي عقل ذاك أم قرآن
أن الكمال بكثرة الأوصاف لا*** في سلبها ذا واضح البرهان
ما النقص غير السلب حسب وكل نقص أصله سلب وهذا واضح التبيان
فالجهل سلب العلم وهو نقيصه*** والظلم سلب العدل والاحسان
منتقص الرحمن سالب وصفه*** والحمد والتمجيد كل أوان
ولذاك أعلم خلقه أدراهم*** بصفاته من جاء بالقرآن
وله صفات ليس يحصيها سوا***ه من ملائكة ولا انسان
ولذاك يثني في القيامة ساجدا*** لما يراه المصطفى بعيان
بثناء حمد لم يكن في هذه الدنيـ***ـا ليحيصيه مدى الأزمان
وثناؤه بصفاته لا بالسلو***ب كما يقول العادم العرفان
والعقل دل على انتهاء الكون أجمعه الى رب عظيم الشان
وثبوت أوصاف الكمال لذاته*** لا يقتضي إبطال ذا البرهان
والكون يشهد أن خالقه تعا***لى ذو الكمال ودائم السلطان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** فوق الوجود وفوق كل مكان
وكذلك يشهد أنه سبحانه المـ***ـعبود لا شيء من الأكوان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** ذو حكمة في غاية الاتقان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** ذو قدرة حي عليم دائم الاحسان
وكذاك يشهد أنه الفعال حـ***ـقا كل يوم ربنا في شان
وكذاك يشهد أنه المختار في *** أفعاله حقا بلا نكران
وكذاك يشهد القيوم قا*** م بنفسه ومقيم ذي الأكوان
وكذاك يشهد أنه ذو رحمة*** وإرادة ومحبة وحنان
وكذاك يشهد أنه سبحانه*** متكلم بالوحي والقرآن
وكذاك يشهد أنه سبحانه الـ***ـخلاق باعث هذه الأبدان
لا تجعلوه شاهدا بالزور والتـ***ـعطيل تلك شهادة البطلان
وإذا تأملت الوجود رأيته*** ان لم تكن من زمرة العميان
بشهادة الاثبات حقا قائما*** لله لا بشهادة النكران
وكذاك رسل الله شاهدة به*** أيضا فسل عنهم عليم زمان
وكذاك كتب الله شاهدة به*** أيضا فهذا محكم القرآن
وكذلك الفطر التي ما غيرت*** عن أصل خلقتها بامر ذان
وكذا العقول المستنيرات التي*** فيها مصابيح الهدى الرباني
أترون أنا تاركو ذا كله*** لشهادة الجهمي واليوناني
هذي الشهود فان طلبتم شاهدا*** من غيرها سيقوم بعد زمان
إذ ينجلي هذا الغبار فيظهر الـ***ـحق المبين مشاهدا بعيان
فإذا نفيتم وقلت أنه*** ملزوم تركيب فمن يلحاني
ان قلت لا عقل ولا سمع لكم*** وصرخت فيما بينكم بأذان
هل يجعل الملزوم عين اللزم الـ***ـمنفى هذا بيّن البطلان
فالشيء ليس لنفسه ينفى لدى*** عقل سليم يا ذوي العرفان
قلتم نفينا وصفه وعلوه*** من خشية التركيب والامكان
لو كان موصوفا لكان مركبا*** فالوصف والتركيب متحدان
أو كان فوق العرش كان مركبا*** فالفوق والتركيب متفقان
فنفيتم التركيب بالتركيب مع*** تغيير احدى اللفظين بثان
بل صورة البرهان أصبح شكلها*** شكلا عقيما ليس ذا برهان
لو كان موصوفا لكان كذاك مو***صوفا وهذا حاصل البرهان
فإذا جعلتم لفظة الترطيب بالـ***ـمعنى الصحيح أمارة البطلان
جئنا الى المعنى فخلصناه منـ***ـها وأطّرحناها أطراح مهان
هي لفظة مقبوحة بدعية*** مذمومة منا بكل لسان
واللفظ بالتوخيد نجعله مكا***ن اللفظ بالتكريب في التبيان
واللفظ بالتوحيد أولى بالصفا***ت وبالعلو لمن له أذنان
هذا هو التوحيد عند الرسل لا*** أصحاب جهم شيعة الكفران