اولا : مرحلة الجهود المبكرة فى مقارنة الثقافات والتعليم:
من الصعب تحديد الأصول الأولى للتربية المقارنه، تاريخ التربية المقارنة يعود الى زيارة الأفراد والجماعات لدول مختلفة من أجل التجارة أو الحرب أو الترفيه أو غير ذلك من الاسباب.
الجهود المبكرة فى مجال مقارنة الثقافات والتعليم بدأت مع بداية تفاعل الأفراد البلاد المختلفة بسبب الترحال والتجارة والحرب ونشر الديانات.
فى البداية كانت انطباعات الافراد وتحليلاتهم عن الثقافات والتعليم تنقل شفهياً، ثم بعد ذلك بدأت تنقل كتابة، بدأ تاريخ التربية المقارنة اعتباراً من قبل الميلاد حتى نهاية القرن السابع عشر والثامن عشر
تاريخ التربية المقارنة
يمكن توضيح تلك الجهود على النحو التالى:
1– ما قبل الميلاد:
تعددت الجهود المتعلقة بمقارنة الثقافات والتعليم فيما قبل الميلاد . و من أبرزها :
1 . قام بندار باعداد تقرير عن مقارنة عادات الناس وتقويمها.
2. وصف هيروداتوس حروب بروسيا وتحدث فى ثنايا وصفه عن التعليم.
3. قارن هيبروقراتى اختلافات الذكاء بين الأفراد من ذوى البيئات المختلفة.
قام بدراسة العلاقه بين ذكاء الفرد وبين ظروف البيئة المحيطة.
4. وصف اكسنوفون التعليم البروسى وحلله،
ووضح مشكلاته التعليمية مثل تأهيل الأفراد لسد متطلبات المجتمع،
5. قام المؤرخ اليونانى الشهير بولبيوس بزيارة عدة دول ومقارنة ثقافتهم فى كتاباته المتعددة.
6. قارن سيسرو بين الثقافة الرومانية والثقافة اليونانية القديمة.
العصور الوسطى:
شهدت العصور الوسطى عدة تقارير متعلقة بالثقافات والعادات المختلفة للناس،
وانتشرت هذه التقارير نتاج انتشار التجارة والرحلات وكذلك نشر المسيحية.
*ففى عام 1030م
كتب البريونى عن المكانة الدينية والثقافية والعلمية فى الهند، شارحاً الاختلافات بين الهندوس والمسلمين.
*وفي 1165م، 1173م
زار رابى بنيامين التجمعات اليهودية فى أوربا وآسيا وأفريقيا،
وكتب تقريراً عن ظروفهم السياسية والاقتصادية والتعليمية.
*وفي عام 1190م ،1240 م
واعد كل من جوليلمس (عام 1190م) وجوكوبس دى فيتر باكو (عام 1240م)
تقارير عن ثقافات بعض الدول وعادتها المختلفه.
*ساهم الفلاسفه العرب أمثال ابن جبير وابن بطوطه وابن خلدون بجهودهم فى إعداد تقارير عن التعليم فى عدة دول.
*وفى عام 1497م
كتب فاسكو دى جاما عن رحلته الشهيرة حول أفريقيا، وأشار إلى التعليم فيها.
*وفى عام 1520م
وصف جوانس بويمس حياة الناس وعاداتهم فى أوروبا وأفريقيا وآسيا .
كما أشار إلى طرق تعليم هؤلاء الناس.
* وفى عام 1536م
قام إراسمس بتقويم التعليم فى انجلترا .
*وفى عام 1575م
قام لويس لى روى بمقارنة كل من الثقافة والعلم والتعليم فيما بين أوروبا القديمة وآسيا.
- القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر:
مع بداية القرن السابع عشر زادت الاتصالات الدولية وزادت حركة التجارة وتعمقت العلاقات السياسية والثقافة بين الدول، الذى انعكس بصورة ايجابية على الدراسات المقارنه والتوجه الى مقارنة أمور الثقافة والتعليم فى عدة دول.
فى القرن السابع عشر
قام السير وليم بيتى بالكتابة عن اجلترا والمستعمرات الامريكية، واعطى اهتماما خاصا لوصف التعليم فى انجلترا وهذه المستعمرات.
وفى القرن الثامن عشر
ظهرت بعض المحاولات من قبل العلماء والكتاب لوصف التعليم العام فى عدة دول بصفة عامة مع تركيز الاهتمام على دراسة الولايات المتحدة الامريكية والهند وافريقيا والمانيا وفرنسا وانجلترا.
وخلاصة ما تقدم ان مرحلة الجهود المبكرة فى التربية المقارنة امتدت على مدى زمنى كبير، وإنها تطورت بشكل كبير من وصف للحياة الثقافية عامة إلى وصف لهذه الحياه مع إبراز إشارات عن التعليم، وقد تباينت هذه الاشارات بين الاجمال والتفصيل، وان ظلت هذه الاشارات الوصفيه للتعليم خاضعة لانطبعات الكاتب. ومع قرب انتهاء هذه المرحلة ظهرت عدة كتابات مقارنة للحياة الثقافية والتعليمية.
ان هذه المرحلة افادت فى تاصيل عنصر الوصف وعنصر المقارنة فى الدراسات التربويه المقارنه
ثانيا: مرحلة جمع وتصنيف الحقائق والمعلومات التربويه (مرحلة النقل والاستعارة):
تبدأ هذه المرحلة من نهاية القرن الثامن عشر الميلادى، وتنتهى فى نهايات القرن التاسع عشر الميلادى.
* هدف هذه المرحلة حول جمع البيانات الوصفية عن النظم التعليمية الاجنبية ودراستها بغرض استعارة افضل ما يمكن منها لاصلاح النظم التعليمية القومية.
ان كتاب فردريك أوجست هخت عام 1795م
يعد من أوائل الكتب التى ظهرت فى هذه المرحلة،
قام اوجست بوصف المدارس الإنجليزية والمدارس الألمانية وفحصها وكذلك قام بإجراء مقارنة بينهما.
أعقب كتاب اوجست باست أحد أساتذة الأدب الفرنسيين عن (تنظيم التعليم العام)
وكان لهذا المقال دور فى طرح افكار نافعة ومفيدة فى التربية المقارنة وضرورة تأهيل العاملين بها.
خصص باست فى مقاله
جزءاً عن فائدة ملاحظة التعليم والتدريس بوجه عام فى الدول الأجنبية
ونادى بضرورة تعيين موظف جامعى تكون مهمته السفر إلى البلاد الأجنبيه ليحصل على ملاحظات عن التعليم والتدريس بوجه عام.
كما طالب بان يكون هذا الموظف عالما ، بعيداً عن التعصب القومى ، ذا قدرة أدبية، رجل إدارة، ملماً بكل نواحى التربية الحرة والعامة .
وفى عام 1817م
ظهر كتاب مارك أنطوان جوليان عن (خطة وأفكار أولية عن العمل فى التربية المقارنة) وكان الهدف الأساسى لجوليان :
هو جمع وتصنيف الحقائق التربويه، من خلال القيام بملاحظات علمية مدققة بقصد الوصول إلى المبادئ العامة والأحكام التى تتيح وضع السياسة التربويه.
وضع جوليان ستة تصنيفات يمكن تصنيف المعلومات التربويه على اساسها وهى:
1.التعليم الابتدائى والاولى.
2.التعليم الثانوى الكلاسيكى.
3.التعليم العالى والتربية العلمية.
4.اعداد المعلمين.
5.تعليم الفتاه .
6.التعليم وعلاقته بالتشريع والمؤسسات الاجتماعية .
وكان جوليان يسعى إلى تأكيد أهمية نوعية وفاعلية الوسائل التربويه المتاحه ،
وإلى البحث فى أصول العملية التربوية وإعداد المدارس وأساليب الإدارة، والطرق والأساليب التى تواجه بها التربيه حاجات المجتمع المختلفه.
ففي 1819م
John Griscom أصدر جون جريسكوم
مجلدين بعنوان "عام في أوروبا"،
بعد عودته من رحلة البلاد الأوربية، ودون فيهما ملاحظاته علي نظم التعليم في المعاهد الإنجليزية والفرنسية والسويسرية والإيطالية والهولندية،
وفي عام 1831
Victor Cousin
أعد فيكتور كوزان الفرنسي
تقريراً عن نظام التعليم في روسيا، وترجم إلى اللغة الإنجليزية.
ووضح أنه يمكن الاستفادة من التعليم البروسي وليس إستعارته نظراً للاختلافات الثقافية بين البلاد بعضها البعض.
وفي عام 1844
Horace Mann
نشر هو راس مان
المربي الأمريكي المعروف تقريره،
الذي وصف فيه نظم التعليم في فرنسا وألمانيا وهولندا،
وقام بالموازنة بين هذه النظم وطرق التدريس في كل منها،
و في هذا التقرير اهتم بالمقارنة التحليل لهذا النظم.
هناك عالمين انجليزيين هما جوزيف كاي وماثيو أرتولد
خرجا عن المألوف في الدراسات من حيث وصف النظم التعليمية ومقارنتها،
فقد قام كاي بفحص الظروف الاجتماعية والتعليمية للشعوب،
أما أرنولد فاهتم بجمع معلومات تاريخية وإحصائية عن النظم التعليمية التي زارها في كل من فرنسا وألمانيا وهولنده وسويسرا.
إن كتابات القرن التاسع عشر في التربية المقارنة تميزت بالميزات الآتية:
1.أنها كانت وصفية في معظمها.
2.أنها كانت لا تحوي دراسة أو نقداً علمياً للنظم التعليمية بقدر ما كانت تمتدح تلك النظم.
3.إن غرضها كان نفعياً، إذ كان الدارس يهدف إلى استعارة بعض جوانب النظم التعليمية الأجنبية لتعديل النظام التعليمي في بلده أو تحسينه.
4.إن الدارس كان يقوم بالدراسة وفي ذهنه ، في أغلب الأحيان، قيم افتراضية مسبقة فيما يتعلق بالنظم التعليمية الأجنبية وبالإصلاح التعليمي.
استفادت مرحلة النقل والإستعارة من المرحلة السابقة لها وهي عنصري الوصف والمقارنة واستطاعت أن تضيف لهما عنصر النفعية ( الاستعارة)
ثالثا: مرحلة وصف وتحليل وتفسير الحقائق والمعلومات التربوية (مرحلةالقوي والعوامل الثقافية):
ويعد سادلر رائد هذه المرحلة، لأنه أوضح أهمية القوي والعوامل الثقافية للمجتمع في التأثير على النظم التعليمية وتوجيهها،
كما بين أن كل نظام تعليمي ينبع أساساً من التربة الثقافية التي يقوم فيها ويمثلها.
وذكر سادلر مبدأين أساسيين من مبادئ التربية المقارنة:
أولهما ضرورة دراسة النظم التعليمية الأجنبية دراسة علمية بعيدة عن التعصب والتحيز الشخصي والثقافي،
وثانيهما ما يمكن أن تؤدي إليه تلك الدراسة من تأهيل الدارس للفهم الصحيح المتبصر للنظام التعليمي القومي في بلده.
وتكمن قيمته العلمية في أنه أضاف البعد الاجتماعي إلى جانب البعد التاريخي الذي سار عليه من سبقه من الرواد الأوائل من دارسي التربية المقارنة.
إن أفكار سادلر أثرت في كتاب القرن العشرين، مثل: كاندل وهانز ومالينسون وغيرهم
وكانت كتابات كاندل:
من الأمثلة البارزة للبحث المستعر لفهم العلاقة بين التعليم والمشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الدول المختلفة،
وقد أشار كازامياس وماسيلاس:
أن منهج كاندل في الدراسات التربية المقارنة بتميز بثلاثة عناصر رئيسية:
الأول-العنصر الوصفي التحقيقي
الثاني-العنصر التاريخي الوظيفي
الثالث-العنصر النفعي
وقد أشار كازامياس وماسيلاس:
أن منهج كاندل في الدراسات التربية المقارنة بتميز بثلاثة عناصر رئيسية:
أولهما:
العنصر الوصفي التحقيقي :
ويختص هذا العنصر بتقديم حقائق معينة أو معلومات عن النظم التعليمية في عدة بلاد، ويعتبر توافر هذه الحقائق أو المعلومات شرطاً ضرورياً لإصدار الأحكام وعقد المقارنات. فهذا الععنصر خطوة أساسية وأولية في الدراست التربوية المقارنة.
ثانيهما:
العنصر التاريخي الوظيفي :
يختص هذا العنصر بالبحث عن الأسباب المسئولة عن وجود الحقائق التربوية أو المعلومات التربوية التي تم جمعها، أو بعبارة أخري البحث عن الأسباب التي أوجدت الظواهر التعليمية او المشكلات التعليمية المختلفة.
لذلك فإن الجذور التاريخية تصبح مهمة للتوصل إلى هذه الأسباب.
ثالثها:
العنصر النفعي :
بناء علي العنصرين السابقين يعتقد كاندل أن الباحث يكتسب وضوحاً فلسفياً يساعده في النهاية علي تقديم مقترحات لتحسين نظامها التعليمي القومي وعلي تنمية روح التعاون الدولي.
ويذهب ثريثيوي إلى القول بأن منهج كاندل في الدراسات التربوية المقارنة يتكون من أربع خطوات، هي:
الخطوة الأولى:
الوصف.
Description
الخطوة الثانية:
الشرح والتفسير.
Explanation or Interpretation
الخطوة الثالثة:
التحليل المقارن.
Comparative Analysis
الخطوة الرابعة:
الوصول إلى مبادئ وتعميمات مشتركة.
Disengage Certain Principles or Tendencies
ويذهب ثريثيوي إلى القول بأن منهج كاندل في الدراسات التربوية المقارنة يتكون من أربع خطوات، هي:
الوصف :
يتناول الوصف الإجابات النظرية والعملية عن مشكلة أو أكثر من المشكلات التعليمية الشائعة بين البلاد،
فقد نتناول بالوصف الجهاز التعليمي، وإدارة النظم التعليمية وتنظيمها، والمناهج الدراسية وطرق التدريس وغير ذلك.
الشرح او التفسير :
يكون الوصف عقيما إذا لم يقترن بالتفسير أو شرح للأسباب المسئولة عن إحداث الظاهرة التعليمية أو وجودها.
التحليل المقارن :
تتضمن هذه الخطوة مقارنة أوجه الاختلاف بين النظم المختلفة والأسباب التي تستند إليها.
الوصول إلى مبادئ وتعميمات مشتركة :
تعتبر أخر خطوات منهج كاندل وهي الخطوة المنطقية التي تؤدي إليها الخطوات السابقة، إن الوصف والشرح والتحليل المقارن يؤدي إلى التوصل إلى بعض المبادئ والاتجاهات المشتركة.
النقد لمنهج كاندل:
إنه لم يوضح كيفية الحكم علي أهمية أحد الأسباب بالنسبة للأخري كمفسرات للظاهرة التعليميمة،
كما إن النقد الذي يوجه إلى كاندل هو تعميماته التي توصل إليها والسالف ذكرها، فقد تحمل نوعا من التعصب وليس الموضوعية.
تبع كاندل - هانز
ويعتقد هانز أن هناك عدة عوامل قد أثرت في توجيه النظم التعليمية في مختلف البلاد والثقافات،
ويمكن تصنيف هذه العوامل إلى ثلاث مجموعات، هي:
العوامل الطبيعية:
مثل الجنس واللغة والبيئة (الموقع الجغرافي والمصادر الطبيعية).
العوامل الدينية:
مثل المسيحية والإسلام والهندوسية والبوذية.
العوامل العلمانية:
مثل الإنسانية والإشتراكية والقومية.
إستخدم هانز هذه العوامل كقوي تساعد علي تعيين المشكلات الرئيسية التي تواجهها في الوقت الحاضر،
فعامل الجنس –
يساعد علي فهم الطريق الذي سار فيه التعليم في جنوب أفريقيا وفي الولايات المتحدة الأمريكية
كما أن عامل الدين –
كان عامل أساسي في توجيه النظم التعليمية وأنه موضوع للاهتمام التعليمي والثقافي في كثير من البلاد في الوقت الحاضر.
يعتقد هانز أن كثيراً من الدول ذات خلفيات ثقافية وتعليمية مشتركة، فهي تواجه مشكلات مشتركة.
و طبقا لرأي هانز-
فإن عمل التربية المقارنة يجب أن يتجه إلى التحليل المقارن لتلك الخلفيات من المنظور التاريخي وكذلك الحلول المختلفة للمشكلات التعليميمة.
ويؤسس منهج روبرت أوليخ
في الدراسات التربوية المقارنة علي مبدأ مهم وهو :
ضرورة تواجد عنصر مشترك بين الظواهر التعليمية التي نبغي بحثها حتى يمكن إجراء المقارنة بينها.
اقتصر بحثه في مؤلفه "تربية الشعوب" علي الدول الأوربية لإشتراكها في الخلفية التاريخية الثقافية ،
وذكر أن الحركات التاريخية التي توالت على القارة الأوربية قد تخطت الحدود القومية للبلاد،
وأثرت علي تحديد الشكل العام للتعليم والتربية بها،
يشارك أوليخ كل من كاندل وهانز في الاهتمام بالقوي التاريخية والثقافية المؤثرة في النظم التعليمية.
ويذهب مالينسون إلى أن النمط القومي هو المفسر والموجه للنظم التعليمية .
ويعني مالينسون بالنمط القومي:
نزعات الفكر والشعور والسلوك المميزة والشائعة بين شعب ما.
يرى مالينسون أنه من الممكن حدوث تغيير بطئ في النمط القومي نتيجة عدة عوامل من أهمها:
1.منافسة المجموعات الأكثر تقدمية و الصراع من أجل البقاء القومي.
2.الاكتشافات العلمية.
3.تقديم معتقدات جديدة وتقبلها تدريجياً.
4.التربية بما لها من تأثير غير مباشر.
وفي نهاية هذه المرحلة،
حاول بدرو روسيللو مدير المكتب الدولي للتعليم في جنيف-
التعرف علي الاتجاهات المعاصرة في المشكلات التعليمية والاجتماعية والتي قد تساعد علي التنبؤ بأشكال النظم التعليمية في المستقبل ووضع حلول مشكلاتها.
رابعا: مرحلة استخدام مفاهيم وطرق البحث في العلوم الاجتماعية في تفسير وتحليل النظم التعليمية (نحو منهجية أكثر علمية):
بدأت هذه المرحلة عقب الحرب العالمية الثانية وامتدت إلى عقد السبعينات
إن استخدام مفاهيم العلوم الاجتماعية وطرق معالجتها في دراسة التربية له تأثير كبير علي المعالجات المنهجية في الدراسات التربوية المقارنة.
حيث إنه تحول الاهتمام في هذه الدراسات من وصف نظم التعليم وتحليل مسبباتها إلى البحث عن أنماط هذه النظم بناء علي دراسات إمبيريقية كأساس للقرارات المتعلقة بالسياسة والتنبؤ للمستقبل.
إن الخط الفكري الذي يجمع بين المرحلة الرابعة والمرحلة الخامسة (التي سوف نتحدث عنها) هو التوجه إلى منهجية أكثر علمية تعمد إلى استشراف المستقبل،
ويعتبر أرثر موهلمان رائد هذه المرحلة، وتبعه جورج بيراداي وبراين هولمز ونوا واكستاين وأدموند كنج.
يتركز اهتمام موهلمان
حول تصنيفه للمشكلات التعليمية وتحليل النظم التعليمية علي أساس نموذج نظري.
ويري موهلمان أن فهم النظم التعليمية يتطلب تعاون علماء كثيرين في مجالات متعددة مترابطة بعضها ببعض.
يعتقد موهولمان أن أي نظام تعليمي هو نسيج مركب يمتد بجذوره إلى الثقافة المتأصلة لشعبه،
يرى موهولمان أن على باحث التربية المقارنة
أن يستخدم كلا من الطريقة الثقافية
Cultural Method
، وطريقة الموضوعات
Topical Method
. ويقصد بالطريقة الثقافية
دراسة المجتمع الذي نشأ فيه النظام التعليمي،
حيث أن هذا النظام هو وليد المجتمع بثقافته الأصلية.
ويقصد بطريقة الموضوعات
دراسة الموضوعات والمشكلات التي تتصل بالنظام التعليمي.
ويؤكد موهلمان
أن علي دارس التربية المقارنة أن يتخذ لنفسه إطار نظري يستخدمه في دراسته وتحليله للنظام التعليمي.
كما يرى موهولمان أن مثل هذا الإطار المزدوج يساعد علي عمل موازنة بين الأدلة والبراهين التجريبية الحالية وبين التأثير المستمر للقيم الثقافية.
أشار موهولمان إلى الحاجة إلى قانون الشكل والتركيب
LAW OF FORM OR MORPHOLOGY حيث يساعدنا على دراسة التربية في شكلها الراهن بل وفي تطورها التاريخي،
يقتبس موهولمان "النموذج التركيبي"، الهرسكوفيس
HERSKOVITS
الذي يتضمن العناصر التالية:
1. الثقافة المادية ومظاهرها التكنولوجية والاقتصادية.
2.المؤسسات الاجتماعية، وتشمل المنظمات الاجتماعية والتربية والتركيب
السياسي.
3.الفرد والكون، ويشمل المعتقدات والمقدسات.
4.الفنون الجمالية، وتشمل الفنون الشعبية والزخرفية والموسيقي والرقص.
5.اللغة.
ويري موهلمان
أن مثل هذا الإطار يسمح بالتحليل المنتظم للنظم التعليمية لا مجرد وصفها ،
وهو يري أن أعظم ما يجنيه إنسان في التربية المقارنة هو اكتشاف النظم التعليمية في مختلف الثقافات.
النقد الموجه لموهولمان:
ان الإطار نظري ليس أكثر من مجرد تصنيف أو توصيف لمجموعة من العوامل التي قد تبدو أحيانا غير مرتبطة.
إن من الصعب تطبيق مثل هذا الإطار في الواقع وليس من المفيد أن نصنف المشكلات في قائمة تضم مجموعة من العوامل المرتبطة بعيدة المدي.
ولكن علي الرغم من الانتقادات فإن موهلمان يعتبر رائد لعصر نحو منهجية أكثر علمية TOWARDS A MORE SCIENTIFIC METHODSLOGY في التربية المقارنة.
وهو بهذا يختلف عن كاندل وهانز ومالينسون، إذ أنه ركز علي ضرورة استخدام الإطار النظري من أجل الدراسة العلمية المقارنة للنظم التعليمية، تمهيدا لاستشراف المستقبل التربوي، وهو الفكر المنهجي السائد في التربية المقارنة منذ بداية عقد الستينات من القرن العشرين.
لإدموند منج EDMUND J. KING
المعالجة المنهجية الخاصة به تعرف بالإطار المفاهيمي لاتخاذ القرار، أو وضع السياسات،
اهتم كنج باتخاذ القرارات التربوية ووضع السياسات التعليمية، واعتبرهما جانبا مهما في الدراسات التربوية المقارنة.
يميز كتابات كنج أنه يميز بين أربع مراحل لتطوير التربية المقارنة:
أولها: مرحلة إرساء أو إنشاء المنظمات التعليمية مثل الجامعات والمعاهد الفنية في جميع أنحاء العالم الغربي، وعادة تعرف هذه المرحلة بمرحلة (الاستعارة).
ثانيها: مرحلة الاندفاع نحو تعميم منظمات تعليمية معينة مثل المدارس الإبتدائية والثانوية.
ثالثها: مرحلة توجيه التربية المقارنة للنظام التعليمي القومي في دولة ما، وذلك في ضوء الاتجاهات السائدة في دول أخري، وهي مرحلة بدأت بعد الحرب العالمية الثانية.
رابعها: مرحلة إسهام التربية المقارنة في صناعة القرارات واتخاذها ووضع السياسات ووسائل تطبيقها، وذلك بمعاونة طرق البحث في التربية والعلوم الاجتماعية الأخري.
ويري كنج أن أغراض التربية المقارنة تمثل فيما يلي:
1.لها غرض تحليلي معرفي وذلك بإعطاء فكرة شمولية وكاملة للثقافة في مجتمع ما ونظامه التعليمي، ويتضح هنا أهمية الجانب التاريخي في هذا التحليل.
2.أنها تساعد في تحليل المشكلات والتعرف علي بعض القضايا المرتبطة بها.
3.أنها تضع معايير للاستقصاءات.
4.أنها تضع القرارات والسياسات، وتساعد في تطبيقها بصورة فعالة.
يعتقد كنج أن التربية المقارنة يمكن أن تسهم في إحداث التغيير الاجتماعي بطريقة سليمة وبناءة،
يجب إعادة النظر المستمر نتيجة التغيير الدائم والسريع في عالم اليوم .
وهو يقبل فكرة التنبؤ باعتبارها أحد عناصر وضع السياسات او اتخاذ القرارات ،
فالتربية المقارنة تقوم بوظيفتها للمساعدة في التعرف على النتائج المتوقعة.
ويؤكد كنج علي أهمية ما يسميه "المحتوي الثقافي"
الذي ينمو فيه الإنسان ويعيش،
ورغم ما يوجد لكنج من المعاصرين في التربية المقارنة بأن منهجية أو غطاره التصوري النظري ليس علميا وإن كتاباته ومؤلفاته ليست إلا كتابات "صحفية" لأديب أو فنان أكثر منها "تحليلية عملية منطقية" إلا أن جونز يري أن منهج كنج يقوم علي العناصر التالية:
1.مبدأ التغير الاجتماعي السريع.
2.أن دور المقارنة هو الإسهام في اتخاذ القرارات أو رسم السياسات.
3.مبدأ الالتزام بالنظام والمشاركة في حياه ديمقراطية.
4.المعالجة البرجماسية التي تؤيد استخدام العروض بدلاً من القوانين .
5.الاعتقاد بأن العمل والبحث في العلوم الاجتماعية يتم تحت ظروف مختلفة عن تلك التي تتبع في العلوم الطبيعية.
يري جونز
أن منهج كنج بسيط فهو يبدأ بجمع البيانات مادامت هناك مشكلة وراء جمعها.
وياتي بعد ذلك تحليل هذه البيانات
مع مراعاة ما يحيط بها في بيئتها من قوي معقدة ومتعددة ومتداخلة،
ومن هذه الخطوة يمكن الانتقال إلى التحليل المقارن،
كيف؟؟؟؟؟
بوضع المعلومات الخاصة بكل دولة أو منطقة إلى جوار بعضها،
ودراستها في خلفيتها الثقافية .
منهج كنج يتضمن ثلاث مراحل هي:
المشكلة، جمع البيانات، التحليل، التحليل المقارن، صياغة السياسات، وسائل تحقيقها، ومراجعتها- كنوع من التغذية الراجعة.
وفي أحد مؤلفاته الأخيرة:
"يعطي كنج لمنهجه شكله المحدد عند الدراسة المقارنة للمشكلات
والتي تتلخص في الخطوات الثلاثة التالية:
الخطوة الأولي:
فهم النمط العام وتوضيح مفاهيم لعمل الباحث والمشكلة المراد دراستها،
الخطوة الثانية:
تحديد المؤسسات والتعرف علي ما يعطي منها للمشكلة نمطها العام.
والهدف هنا هو التعرف علي المؤسسات ووصف ماله صلة منها بالمشكلة.
الخطوة الثالثة:
وهي المرحلة الإجرائية وفيها يمكن وضع حلول للمشكلة أو إقتراح تعديلات لها،
وقد يكون في ضوئها اتخاذ قرار أو تحديد سياسة للإصلاح مبنية على العلم والمعرفة، ويمكن أن يشترك في هذه العملية الأخيرة الخبراء أو من كلفوا باتخاذ القرار أو وضع السياسات ويقصد كنج بذلك إشراك كل من يهمهم الأمر من فلاسفة واقتصاديين وسياسيين وعلميين، بحيث يعملون معا كفريق متكامل.
النقد الموجه لكنج:
*عدم وجود منهج واضح ومحدد له خطواته الثابتة،
• *يخرج كنج من نطاق الدراسة الجامعية إلى الحياة العامة حيث تؤدي دراسته إلى وضع مقترحات بفريق من الخبراء أو المعنيين .
* إن منهج كنج، هو منهج علمي نظري لا ينحو الناحية التطبيقية، التي يتسني معها الاستفادة العلمية و التطبيقية في الدراسات التربوية المقارنة.
*ان منهجه أو إطاره التصوري النظري ليس علمياً وإن كتاباته ومؤلفاته ليس إلا كتابات أكثر منها تحليلية علمية منطقية.
Functionalism خامسا: مرحلة الوظيفية
الاستمرار في التوجه نحو منهجية أكثر علمية:
وظهرت في هذه الفترة عدة أساليب منهجية، مؤسسة علي الطريقة العلمية.
وهادفة إلى جعل ميدان التربية المقارنة ميدانا كميا إلى درجة كبيرة بالاعتماد علي تقنيات الإحصاء. لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك هادفة إلى استشراف المستقبل التربوي.
في عقد السبعينات
غدت نظرية الوظيفية البنائية
قضية رئيسية في التربية المقارنة
إن نظرية الوظيفية البنائية تؤسس علي افتراض أن النظام التعليمي هو منظمة مجتمعية لها الصدراة علي غيرها من منظمات المجتمع،
، وتحدد علاقة التربية بالمجتمع- طبقا للوظيفة البنائية-
إن الوظيفة البنائية :
اختصت بتوضيح العلاقة التبادلية بين التربية والمجتمع،
ولقد انعكس ذلك علي ميدان التربية المقارنة ===
إنتقادات نظرية الوظيفية البنائية:
ولقد واجهت نظرية الوظيفة البنائية انتقادين أساسيين:
أولهما:
أنها تؤيد ضمنياً الإستقرار والوضع الراهن علي حساب النمو والتغير،
ويؤكد صحة ذلك أن كثرة من الدول النامية أنفقت جزءاً كبيراً من مواردها الصحيحة علي التعليم دون أن يؤدي ذلك إلى التنمية التي تطمح إليها.
ثانيهما:
أنها ركزت علي مردوات التربية في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية
وأهملت المردود التربوي ذاته،
وكان من نتيجة ذلك أن التربية المقارنة لم تسهل بالقدر المطلوب في تخطيط الإصلاحات التربوية في الفترة الأخيرة.
ومن هنا جاءت الدعوة إلى الاهتمام بالمردودات التربوية أو المعرفية للتعليم، بمعني الاهتمام بكفاءة التعليم نفسه
فوائد النظرية الوظيفية البنائية:
ولقد أفادت نظرية الوظيفية البنائية في طرح موضوعات جديدة للدراسات التربوية المقارنة مثل تربية المرأة وتعليم الأقليات،
وأفادت في البحث عن بدائل للمدرسة التي تتولي أمرها الدولة،
و زيادة الاهتمام بالبحوث التربوية المقارنة التي تلقي الضوء علي الكيفية التي تدعم بها التربية بشكل المجتمع،
في عقد الثمانينيات
بدأت نظرية رأس المال البشري تحظي باهتمام باحثي التربية المقارنة،
وتعد نظرية رأس المال البشري من أشهر النظريات الوظيفية التي ذاع صيتها خلال حقبة خمسينات وستينات القرن العشرين،
ما هو السبب؟؟؟؟؟
وذلك بسبب اعتبار محور التنمية طموحا وطنياً لبلدان العالم الثالث عقب استقلالها السياسي وتحررها من قبضة الاستعمار.
ولقد لفتت هذه النظرية الانتباه إلى أهمية التعليم في عملية التنمية الاقتصادية أو ما يسمي بالإستثمار في رأس المال البشري،
وأصبحت هذه النظرية مسلمة مؤدها:أن التربية شكل للتوظيف في رأس المال البشري،
وأنها تزيد من إنتاجية الأفراد العاملين وتؤدي إلى ارتفاع دخولهم .
بدأت نظرية رأس المال البشري ترمي بظلالها علي ميدان التربية المقارنة، واستحوذت علي اهتمام باحثيها في ثمانينات هذا القرن،
وفي إطار هذه النظرية رأي باحثو البنك الدولي
أن المدارس التي يديرها القطاع الخاص أفضل من المدارس الحكومية لكون الأولي تعمد إلى رفع مستوي التعليم وتلبي مطالب السوق.
ذهب بعض الباحثين إلى الدعوة بتقليص دور الدولة في التربية.
ولكن معظم علماء التربية المقارنة رفضوا مثل هذه السياسات بدافع العدالة الاجتماعية لأن دور الدولة في هذا المجال يتمثل في حماية الفقراء من مفاسد نظام السوق.
فإن هذه النظرية قد أدت التوسع في استخدام عدة منهجيات حديثة مثل الطرق الكمية، وكذلك تبني مدخلا منهجيا جديدا في التربية المقارنة هو المدخل الاقتصاديTHE ECONOMIC APPROUCH،
ان المرحلة الوظيفية
أفادت في استحداث منهجيات لم تألفها من قبل في الدراسات التربوية المقارنة، وهذه المنهجيات تفيد في تحليل العلاقة الوظيفية بين الظاهرة التربوية ومجتمعها، وترسم أيضا المسار المستقبلي لهذه الظاهرة بما يتفق مع المتطلبات المستقبلية
فإن الفكر المنهجي الذي استحدث في المرحلة الرابعة (وهو نحو منهجية أكثر علمية من أجل استشراف مستقبل النظم التعليمية وسياستها)
ما زال هو الفكر المنهجي للمرحلة الخامسة،
ومن المتوقع أن يستمر إلى نهاية القرن العشرين، و القرن الحادي والعشرين.
مما يؤكد ذلك أن هناك استخدامات و تطبيقات لأساليب دراسة المستقبل في دراسة الظواهر التعليمية من منظور مقارن.