1- المواطنة والحرية:
يبدو أن للحرية معناها الواضح في المجال السياسي وهو عدم استبداد الحاكمين بالمحكومين, وحتي المحكومين في المشاركة في إدارة شئونهم العامة بغير قيود سوي ما تستلزمه مصلحة الجماعة, فإنه يندر أن يبقي هذا المعني علي هذه الدرجة من الوضوح, ويقسم الباحثون في الفقة الدستوري الحديث الحرية إلي شعب عديدة, فهناك حرية الرأي, وحرية العقيدة, وحرية التعليم, وحرية الملكية, والحرية الشخصية. وقد تنقسم بعض هذه الشعب إلي أقسام أو فروع متعددة, كما هو الحال بالنسبة للحرية الشخصية التي تشمل حرية التنقل وحق الأمن وحرية المسكن, ولعل حرية الرأي هي الأصل في هذه الشعب والأقسام جميعا, وهي علي أي حال ألصق هذه الحريات بالنظام السياسي للدولة .
وفي هذا الإطار, تحتاج الحرية, ضمن ما تحتاج إليه بالضرورة, إلي إطار دستوري يقرها نصا, ويصون احترامها تطبيقا. وحيث أن الدستور موسوم بطبيعته بالسمو والعلوية, فقد نيطت به في كل التجارب الديمقراطية, وظيفة إخضاع الجميع, أفرادا وجماعات ومؤسسات, لأحكامه ومقتضياته, كما أن الحرية تتحقق حين يضمن مبدأ فصل السلطات ويحترم علي صعيد الممارسة, علما أن ديمقراطية الدساتير لا تقاس بمدي إقرارها للحقوق والحريات فحسب, بل تتحدد أيضا بدرجة حرصها علي تأكيد الشرعية الدستورية, أي جعل ما هو مدرج في باب الحقوق والحريات, محترما علي صعيد التطبيق والممارسة .
فقد أراد جون ستيوارت مل التأكيد علي قيمة الفرد وضرورة تمتعه بالحرية وعدم ذوبان الفرد في الأغلبية, فضلا عن الدفاع عن مصالح الجميع بما فيها الأقلية, فالحرية لأكبر عدد, لا يجب أن تطيح بأي شكل بحرية الفرد وكرامته, فمل يعتبر بحق أهم من دافع عن الحرية الفردية وبصفة خاصة حرية التفكير والعقيدة وإبداء الرأي, وهو بذلك اعتمد علي مفهوم واسع للمواطنة .