فاتقوا الله
ثم اعلموا أن من أهم الوسائل الموصلة إلى الراحة الأمنية من كافة جوانبها، دون كلفة أو تجنيد وإعداد؛ هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.
فإن ذلك عماد الدين الذي فضلت به أمة الإسلام على سائر الأمم، والذي يسد من خلاله خوخات كثيرة من مداخل الشر على العباد.
بالنصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تتكاتف الجهود، ويلم الشعث، ويرأب الصدع، وتتقى أسباب الهلاك، وتدفع البلايا عن البشر.
وبفقد ذلك أو تزعزعه من نفوس الناس، يعني بداهة حلول الفوضى، وانتشار اللامبالاة المولدة للأمن العكسي، وهو الأمن من مكر الله، أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ ٱللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ [الأعراف:99].
بالأمر والنهي – عباد الله – يصلح المجتمع، ويقوم الفرض الكفائي الذي يسقط التبعة والإثم عن بقية المجتمع، وإلا يتحقق فينا قول الباري جل شأنه: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117]. ولم يقل وأهلها صالحون؛ لأن مجرد الصلاح ليس كفيلاً بالنجاة من العقوبة الإلهية الرادعة.
الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بين المسلمين، إنما هم في الحقيقة يقومون بمهام الرسل في أقوامهم وذويهم.
فبقدر الاستجابة لنصحهم تكون الحجة والنجاة، والعكس بالعكس، وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِى أُمّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءايَـٰتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَـٰلِمُونَ [القصص:59].
إن انعدام النصح بين المسلمين سمة من سمات اليهود، ومعرة من معراتهم الخالدة، فقد كانت مواقفهم في الصيد يوم السبت عن طريق الحيلة مشهورة، حتى أعلن الفسقة منهم بصيده؛ فنهضت فرقة منهم ونهت عن ذلك، وجاهرت بالنهي واعتزلت، وفرقة أخرى لم تعص ولم تنه، بل قالوا للناهين: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيدًا [الأعراف:164].
فلما لم يستجب العاصون أخذهم الله بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فنص الله على نجاة الناجين بقوله: فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُّوء [الأعراف:165]. وسكت عن الساكتين.
روى ابن جرير بسنده عن عكرمة، قال: دخلت على ابن عباس – رضي الله عنهما – والمصحف في حجره، وهو يبكي، فقلت: ما يبكيك يا ابن عباس؟ جعلني الله فداك، فقال: (هؤلاء الورقات)، وإذا هو في سورة الأعراف، فقال: (ويلك، تعرف القرية التي كانت حاضرة البحر؟ فقلت : تلك أيلة، فقال ابن عباس : لا أسمع الفرقة الثالثة ذكرت! نخاف أن نكون مثلهم، نرى فلا ننكر، فقلت: أما تسمع الله يقول: فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ ؟ [الأعراف:166]. فسري عنه، وكساني حلة).
إذاً ينبغي لأفراد الناس عموماً، وأهل العلم بخاصة؛ أن يقوموا بواجب النصح لمجتمعاتهم وأسرهم ومنتدياتهم، على الوجوه التي جاءت بها الشريعة الإسلامية، حكمة، وموعظة حسنة، ومجادلة بالتي هي أحسن، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.
ثم إنه لا يمنع من التمادي في الوعظ والنصح والإصرار عليه عدم قبول الحق منه؛ لأنه فرض فرضه الله علينا جميعاً، قُبل أو لم يُقبل، فإن هذا هو الذي يحفظ للأمة كيانها بأمر الله، وبه تكون المعذرة إلى الله، ويكون الخروج من التبعية وسوء المغبة.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
__________________
اطلبوا العلم، فإن عجزتم فأحبوا أهله، فإن لم تحبوهم فلاتبغضوهم هيا بنا نتعلم الديمقراطية <!-- Facebook Badge START --><!-- Facebook Badge END -->
|