عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05-12-2011, 05:37 PM
نقاء الروح نقاء الروح غير متواجد حالياً
طالبة جامعية
عضو مثالي لعام 2011
 
تاريخ التسجيل: Apr 2009
المشاركات: 3,789
معدل تقييم المستوى: 20
نقاء الروح is on a distinguished road
افتراضي

الفصل السادس



قبل الأذان بعشر دقائق .. كنت أفتح بالمفتاح الذي أعطانيه إياس باب شقته لأوقظه من نومه ؛ أتيتُ قبل الموعد خشيةَ أن لا أستطيع أن أوقظه جرّاء التعب الذي عاناه ، دخلتُ وبدأتُ أتلمّس الجدار باحثاً عن مفتاح الإضاءة الذي أتذكر أنه كان قريباً من الباب ، وبعد أن أشعلت فتيل المصابيح تقدمتُ في داخل منزله متجهاً صوب غرفة نومه ، طرقتُ الباب بهدوء وأنا أنطق باسمه بشكل متتالي : ( إياس .. إياس .. إياس ) ، وإذ بصوته يناديني من الداخل ..

إياس : ادخل يا ريّان .. ادخل !

فتحتُ الباب ودخلتُ فإذا بصاحبي جالسٌ على كرسي مكتبه في أقصى الغرفة مطأطئ الرأس وهو ينكتُ بقلم رصاصٍ كان يمسك به على ورقةٍ أمامه ، ودون حتى أن يرفع رأسه أخبرني أن النوم لم يطرق جفنه سريعاً رغم تعبه ، حيث كان الحديث الذي دار بيننا مُوقداً لحرّ الذكريات في صدره ، ولمّا أن غمضَت عينه رأى في منامه والدَ " رؤى " وهو يُمسكُ بيده ويحدّثه ويضحك ويقهقه معه ، فاستيقظ من نومه .. بل وطار النوم من عينيه وبدأ يسبح في أفكاره وخيالاته ، ثم قام واغتسل وهاهو جالسٌ أمام مكتبه ينتظرُ أذان صلاة العصر .

استوقفته بنبرة متعجبة :
ريّان : وما دخل والد رؤى في الموضوع ؟ وما علاقتك به أساساً ؟

إياس : والد رؤى هو سبب معرفتي بها !

ريّان : مادام هو من عرّفك عليها أوّل مرّة فكيف إذاً يمنعك من الزواج بها ؟ أشعر أنك مشوّشٌ قليلاً يا صاحبي أو أن ما جرى لا يحدث في الكرة الأرضية إلا مرة واحدة ، فتاة ووالدها وأنت .. وهو من عرفك ثم لا تتزوج !

إياس : من قال أنه هو من عرفني عليها ؟ ومن قال أنه منعني من الزواج بها ؟

ريّان : أولم تقل الآن أنه هو من عرّفك بها ؟ وعن منعك من الزواج بها فهذا لا يعدو كونه استنتاجاً مني أنا فقط ، إذ أن كل قصص العاشقين الحالمين الـ.. الـ.. تنتهي بمنع ولي الفتاة من زواج الطرفين ببعضهما .

إياس :لم أقل أنه هو من عرفني بها ، بل قلتُ أنه كان سبب معرفتي بها .

ريّان : أحياناً أشعر أنك تفوقني فلسلفةً ولعباً بالكلمات والجمل .

إياس : وهذا هو الواقع .. ههههه !

ريّان : أخيراً ابتسمتُ وضحكت ، أسعدك الله يا صاحبي وأزاح عنك ما أهمّك ويهمّك ، صدقني ما في الحزن من نفع سوى أنه مدخل من مداخل إبليس على عباد الله ، دعنا من مشاهد الحزن والألم هذه وأخبرني ما قصّة " رؤى " ؟ ومن هو ووالدها وكيف تعرفت عليه ؟ لا أريد أن أنتظر أكثر فرأسي لا يحتمل دخول والدة رؤى وأختها وأخيها وعمتها وخالتها ، فالدائرة لديك تتسع والشخصيات تزداد كلما أمهلتك بعض الوقت .

إياس : اسمع ..كنتُ طالباً جيدَ المستوى ذا هيبة وشعبية في كليتي - كلية الطب - يعرفني الدكاترة وعميد الكلية ، ساعدني في ذلك كون عائلتي عائلة ميسورة الحال وعلاقات والدي الواسعة هنا وهناك ، لكني وفي نفس الوقت كنت ذا لسانٍ ناقدٍ سليطٍ لا يقبل الخطأ ولا يبرره ، وكثيراً ما اقحتمتُ مكاتبَ إدارة الجامعة معترضاً على بعض التصرفات الغبية الساذجة أو منكراً بعض المنكرات الظاهرة ، حتى تضايق مني ومن تصرفاتي الكثير من الإداريين بما فيهم مدير الجامعة ، وفي المقابل ازدادت شعبيتي بين الطلاب كوني صوتهم المسموع .

قدّر الله وأن تم تغيير مدير الجامعة الذي كان بحق رجلاً عملياً فاضلاً رغم شطحاته القليلة ، والذي كان -رغم تضايقه مني - محترماً نظامياً نزيهاً ، وصار بدلاً منه أحد وكلاء الجامعة ممن سبق وتصادمتُ معه بقوّة واشتكيته لمدير الجامعة من قبل ، وقد أصاب هذا التغيير الكثير منّا بالإحباط والاستياء كون هذا المدير الجديد ذا سابقة سيئة عندنا .

كنتُ حينها في السنة الرابعة في الكلية ، وقد تولّدت لدى أهلي قناعة بضرورة زواجي خصوصاً وأني صرتُ أدرس في المستشفى في بيئة مختلطة مليئة بالفتن والمغريات والصوارف مما قد يزيغ المؤمن عن طريقه ولو كان رسوخ إيمانه كالجبال ، فالإنسان مهما كان دينه لا تؤمن عليه الفتنة ، فكيف بفتنة يقول عنها - صلى الله عليه وسلم - : ( ما تركتُ بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) أو كما قال - عليه الصلاة والسلام - ، كانت والدتي تسأل وتأتيني بالأخبار فتخطب لي .. ثم أرد من الفتاة أو أهلها ، كنت أتقبّل الأمر بشكل أريحي تماماً ، فبدل المرأة أربع .. ومن ترفضني الآن ستبكي عليّ غداً ، هكذا كنت أسلّي تفسي وأتقبل الأمر .. والأيام تمضي !

لمّا عُيّن المدير الجديد أراد أن يُحدث نقلة نوعيّة في الجامعة - كما يزعم ! - ، فاستحدث فكرة لم تكن موجودة من قبل في أي جامعة سعودية حينها ، وهي إنشاء مجالس طلابية لكل كلّية يتم فيها تداول الأمور ورفع الشكاوى والنقاش مع أعضاء هيئة التدريس و .. و .. غيرها من الأحلام التي كان يدغدغ خيالنا بها ... امممـ ... ألا تسمع الأذان ؟ دعنا نكمل لاحقاً !
رد مع اقتباس