الفصل السابع
بعد أن فرغنا من أداء صلاتنا ؛ بادرني إياس ..
إياس : إلى أين وصلنا ؟
ريّان : إلى فكرة إنشاء المجالس الطلابية !
إياس : آها .. جميل .. قلت لك أنها مجرد فكرة لدغدغة خيالاتنا ، وإلا فإن ثمة خطوات أولى من هذه الفكرة التي وُلدت خديجةً مشوهة ، وحتى هذه الفكرة - فكرة المجالس الطلابية - طغت عليها البيروقراطيةالمقيتة البغيضة ، حيث عينت إدارة الجامعة الأعضاء في تلك المجالس من عندها دون أدنى استشارة للطلاب ، وقد أحسنوا الاختيار - طبعاً أسخر ولست جاداً - ؛ حيث اختير الطلاب ذوو المصالح الشخصية أو أولئك الذين يخافون أكثر من اللازم من التعبير عن وجهات نظرهم .
بعد هذه المهزلة لم أشأ السكوت ولم يشأ الكثيرون مثلي كذلك ، وبدأنا التفكير في تصعيد القضيّة إعلامياً على مستوى الجامعة بشكل ساخر ، وتعدّينا الخط الأحمر أيضاً من خلال الدخول الجماهيري على مدير الجامعة والاعتراض على طريقة اختيار الممثلين ، كان اعتراضنا على طريقة الاختيار مع بقاء احترامنا لمن اختيروا ؛ بل إن أحد المعينين كان من ضمن من اعترض على النظام معنا ، أبلَغَنا المدير أنه سينظر في الأمر .
تم إجراء تحقيق سريع بعد تلك الأحداث واكتشاف الرؤوس المدبّرة للفتنة - زعموا - ، كنت أنا الضعيف النحيل المغلوب على أمره المسكين رأس الأفعى في ذلك التصعيد والذي كان مؤدباً جداً ويتخذ الطرق المشروعة مع الإبقاء على احترام الآخرين ، وعليه .. تم استدعائي لمجلس تأديبي أعضاؤه : مدير الجامعة ووكيلها وعميد كليتنا ورئيس أحد الأقسام وعميد القبول والتسجيل ، بعد مدولات ونقاش ساخن وأخذٍ وردٍ تم تقرير حرماني من دخول اختبار مادتين ثنتين في الكلية تأديباً لي مع إعطائي إنذاراً أحمراً بالطرد من الجامعة إن تكرر الأمر لاحقاً بشكل أو بآخر .
ريّان : يا إلهي .. هذا القرار أشبه ما يكون بمحاكمة عسكرية وليس مجلساً تأديبياً لطالب جامعيّ اعترض على قرار !
إياس : لا أخفيك أن القرار كان صدمة ما كنت أتوقعه يوماً ، فهو إلى كونه سيؤخرني سنة كاملة وسيخسف بمعدلي كون أحد المادتين اللتين رُسّبتُ بهما تعادل ثماني ساعات ؛ أصابني بصدمة نفسية رهيبة كوني سأفارق دفعتي التي أحببتها وأحبتني وسأتخلّف في دفعة أخرى لا أصدقاء مقربين لي فيها ، لقد كان بإمكاني تصعيد الأمر إلى جهة عليا لكن آثرتُ أن أسكت وأكتفي بالضجة التي أحدثناها كونها لقنتهم درساً قاسياً .
ريّان : طيب .. و ماذا حدث لك بعدها ؟
إياس : لا شيء سوى أني أكملت سنتي هذه بدون المادتين ، وسط حزن من والدتي التي تلومني باستمرار على جُرأتي في تصرفاتي ، وانتهت تلك السنة على خير حالٍ والحمد لله ونجحتُ بدرجة رائعة فيما بقي لي من مواد .
ريّان : مع احترامي الشديد يا حبيبي وأخي وصديقي وجاري العزيز إياس ، ما دخل قصة طموحك وكفاحك ونضالك الجامعي بما نحن بصدده من الحديث عن قصتك مع تلك التي تسميها " رُؤى " ، ما مثلي ومثلك إلا كمن قصد المكتبة ليشتري كتاباً عن قصة روميو وجولييت فإذا به يجد الكتاب يتحدّث عن نضال جورج واشنطن ، ما علاقة هذا بهذا ؟
إياس : لا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً !
ريّان : لا تؤاخذني ..!!
إياس : لمّا ابتدأتِ الإجازة الصيفية كان عليّ أرتّب لي جدول عمل ، خصوصاً وأني لن أدرس في السنة القادمة سوى مادتين ثنتين فقط بمعدل ثلاث محاضرات في الأسبوع فقط ، الأمر أشبه ما يكون بإجازة إجبارية وسط زحمة الدراسة ويجب استغلالها بشيء مفيد ، وكثيراً ما تواجهنا أوقات فراغ إجبارية في زحمة أعمالنا الحياتية يقف الناس منها موقفين .. موقف المستفيد المطوّر لنفسه وذاته ممن يبحث لنفسه عن مجالٍ آخر يختبرها فيه .. وموقف الكسول الراغب في الدعة واستغلال كل دقيقة في النوم والاسترخاء دون البحث عن مقومات بناء ذاتية ، وفي مثل تلك الأوقات يتمايز الناس فيما بينهم بين غني وفقير ومثقف وسطحي .
بعد بدء الإجازة بأسبوع تماماً وجدتُ وظيفة بنظام الساعة في إحدى المؤسسات الإعلامية الرائدة ، وبحكم ميلي إلى الكتابة كان هذا العمل بمثابة المفاجئة الغير متوقعة ، سعدتُ بهذا العمل كثيراً ولا أخفيك أني بعد مدة زمنية فكّرت في ترك كليتي والانخراط في العمل الإعلامي ؛ إذ وجدتُ نفسي ومواهبي تتفجر هناك .
خُضتُ مرحلة تجريبية مدة أسبوعين في تلك المؤسسة ، راقتهم طريقة عملي وانبهروا بحرصي الشديد على العمل ، كنتُ أحضر قبل الدوام بنصف ساعة تقريباً ولا أنصرف حتى أنهي ما في يدي حتى لو كلّف ذلك وقتاً إضافياً ، مما جعلهم يرفعون راتبي المتفق عليه إلى حوالي خمسة آلاف ريال .
عُدتُ مسروراً إلى بيتنا أبشرُ والدتي بما كافؤوني به إذ بمجرّد عمل دام ثلاثة أسابيع صرتُ معروفاً في المؤسسة والكل يناديني باسمي حتى المدير العام عرفني شخصياً ، قبلتُ رأس أمي وجلستُ بجانبها مُسنداً رأسي على كتفها وبي نشوة عاطفية لربما تدفعني للبكاء في أي لحظة وبلا سبب ، كل ما أعرفه أنني كنت مبتهجاً أبتلع الهواء من فرحي وسعادتي ، بعدَ السؤال عن الحال .. ثم طرفتين سريعتين لجرّ البسمة على شفتي أمي .. قلتُ لها :